حساب مظلوم عبدي على إكس
الرئيس الانتقالي أحمد الشرع يوقع اتفاقًا مع قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي لدمجها في مؤسسات الدولة، 10 مارس 2025

دمج "قسد" في مؤسسات الدولة السورية.. المكاسب لتركيا والمخاوف لإسرائيل

منشور الأربعاء 26 مارس 2025

بينما يبدو الرئيس السوري أحمد الشرع مستفيدًا من الاتفاق الذي وقعه مطلع الشهر الجاري مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تسيطر على شمال شرق سوريا منذ نحو ست سنوات، لدمج مؤسساتها المدنية والعسكرية ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول الغاز، فإن نظيره في أنقرة رجب طيب إردوغان قد يكون المستفيد الأول من هذا التطور.

في هذا السياق، جاءت تصريحات إردوغان المُرحبة باتفاق الشرع مع قائد قسد مظلوم عبدي، وتأكيده على أن "التطبيق الكامل للاتفاق الذي تم التوصل إليه سيخدم الأمن والسلام في سوريا"، لتعكس أن المكتسبات التركية من اتفاق الشرع وقسد، التي يغلب عليها المكوِّن الكردي، ليست قليلة.

وتسيطر قسد التي تأسست في محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا عام 2015، حيث أسست منطقة إدارة ذاتية ووضعت قوانين ونظامَ حكم خاصًا بها، على نحو 25.6% من الأراضي السورية منذ 2019، إذ مدَّت نفوذها إلى أجزاء واسعة من محافظات الحسكة ودير الزور والرقة التي تشكل ما يُعرف باسم "الجزيرة"، بالإضافة إلى مناطق في شرق محافظة حلب.

وصحيحٌ أن القوات التي شُكِّلت بدعم أمريكي لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية الذي سيطر على تلك المناطق في عام 2014، هي قوات متعددة الأعراق، لكن المكوِّن الكردي يغلب عليها إذ أن أغلب مقاتليها هم من وحدات حماية الشعب الكردية التي تكونت من مجموعات مختلفة تابعة لحزب العمال الكردستاني الذي تعتبره أنقرة "تنظيمًا إرهابيًا".

وتمثل منطقة إدارة قسد حوالي نصف طول الحدود بين سوريا وتركيا والعراق. وتمتد الحدود بينها وبين العراق من شمال محافظة الحسكة وحتى ريف دير الزور بمسافة تصل ل 460 كيلومترًا. بينما تمتد الحدود بينها وبين تركيا من منطقة عين ديوار شمال محافظة الحسكة في الحدود بين سوريا وتركيا والعراق إلى منبج بريف حلب بمسافة تصل إلى 420 كيلو مترًا.

تحجيم النزعة الانفصالية

شعار قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ويتضح فيها المساحة التي تسيطر عليها من إجمالي مساحة سوريا

تكشف تصريحات إردوغان المتتالية عداءً شديدًا لقسد. ففي 25 ديسمبر/كانون الثاني 2024، قال الرئيس التركي خلال اجتماع برلماني في أنقرة "على المسلحين الأكراد في سوريا إلقاء أسلحتهم وإلا سُيدفنون في الأراضي السورية".

أما وزارة الدفاع التركية فأعلنت في ديسمبر/كانون الثاني 2024 أن الجيش التركي قتل 21 مسلحًا كرديًا في شمال سوريا والعراق، من حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية السورية.

حالة العداء هذه تعود بجذورها إلى بداية تأسيس الجمهورية التركية في عشرينيات القرن الماضي، إذ تخشى تركيا كيانًا كرديًا مستقلًا، وخاضت طوال عقود طويلة صراعًا مسلحًا مريرًا مع حزب العمال الكردستاني، وضع أوزاره الشهر الماضي عندما دعا زعيم الحزب المسجون في تركيا عبد الله أوجلان الشهر الماضي إلى هدنة طويلة مع أنقرة أعلن الحزب استجابته لها.

تخشى تركيا بطبيعة الحال من دولة كردية مستقلة على الأراضي السورية، من شأنها أن تشكَّل وقودًا للنزعة الانفصالية للأكراد في تركيا. بالتالي؛ فإن دمج قسد في إطار دولة سورية موحدة ينهي هذه المخاوف، خاصةً وأن إدارة الشرع حليفة لتركيا. ومن مصلحة الحكومة التركية عدم تفكك الدولة السورية ووجود دولة موحدة بحكومة قادرة على تأمين حدودها، وبالتالي تأمين الحدود مع تركيا، والعمل على إقامة علاقات تجارية واقتصادية وعودة اللاجئين السوريين لسوريا.

تراجع المخطط الإسرائيلي

منذ سقوط نظام الأسد تحاول إسرائيل لعب أدوارٍ في الداخل السوري، لا تقتصر فقط على توجيه ضربات عسكرية أو احتلال مناطق جديدة، بل أيضًا تدعم أفكارًا لإنشاء دولة فيدرالية. لكن على الجانب الآخر، فإن هذا النفوذ المتزايد لأنقرة في سوريا يثير مخاوف إسرائيلية ومن الإدارة الجديدة في دمشق. 

موقع "والا" الإسرائيلي، نقل عن مصادر أمنية لم يُسمِّها قولها إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يُجري مشاورات أمنية لمناقشة المخاوف بشأن النفوذ التركي في سوريا، وأنه يُحاول تصوير المواجهة مع تركيا على أنها حتمية.

راجع المخطط الإسرائيلي لسوريا في مقابل تعزيز الوحدة التي تفضلها تركيا

وفي محاولة لتعزيز هذه الحالة، تلعب إسرائيل على الجانب الدرزي، مع سماحها بتوجيه مساعدات غذائية لبلدات درزية في الجولان السوري المحتل، وأتاحت لعمال سوريين فرص عمل في الأراضي الخاضعة لسيطرتها في الجولان.

وسبق وحاولت استمالة أكراد سوريا قبل سقوط نظام الأسد، وهو ما ظهر في تصريح وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إذ قال "الأكراد أقليات مثل إسرائيل، ويجب أن تتحالف إسرائيل مع أقليات مثلها. الأكراد ضحايا القمع الإيراني والتركي، ويجب أن تعزز إسرائيل علاقتها بهم". 

ومع عقد الاتفاق بين الشرع ومظلوم، تراجع المخطط الإسرائيلي لسوريا مقابل تعزيز الوحدة التي تفضلها تركيا التي تخشى استخدام ورقة الأكراد ضدها وهو ما ظهر في تصريح إردوغان عندما قال في خطابه في البرلمان "نرى بوضوح كيف يريدون إنشاء دويلات صغيرة تابعة لهم من خلال استخدام التنظيمات الانفصالية أداة في شمال العراق وسوريا".   

دعم التسوية السلمية

اتفاق قسد مع دمشق قد يصب فيما يسعى إليه الجانب التركي حاليًا لوقف الصراع العسكري مع الأكراد، خاصة مع مؤشرات تسوية سلمية للنزاع مع حزب العمال الكردستاني. وظهر مؤشرات لذلك التوجه عندما صافح دولت باهشلي زعيم حزب الحركة القومية وهو حليف لحزب العدالة والتنمية، نواب حزب الديمقراطية والمساواة بين الشعوب الكردي في افتتاح الفصل التشريعي الجديد للبرلمان.

وأيد إردوغان هذه المصافحة، كما دعا باهشلي عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون للتخلي عن السلاح، وحضور البرلمان للإعلان عن حل الحزب.  

بإتمام اتفاق الشرع مع قسد، تحقِّق أنقرة مكاسب استراتيجية دون إطلاق رصاصة واحدة، فدمج القوات الكردية ضمن الدولة السورية يُنهي فعليًا مشروع الإدارة الذاتية الذي طالما خشيت تركيا امتداده إلى أراضيها.

ومع ترحيب إردوغان، يبدو أن أنقرة وجدت في هذا الاتفاق وسيلة لتأمين حدودها دون الحاجة إلى عمليات عسكرية مكلفة، مستفيدة من تحوّل دمشق إلى شريك في تحجيم النزعة الانفصالية الكردية.

في المقابل، تتراجع المشاريع الإسرائيلية التي راهنت على تفكيك سوريا لصالح كيانات فيدرالية، بينما تعزز تركيا نفوذها كصانع رئيسي لمستقبل المنطقة.