تصميم سيف الدين أحمد، المنصة 2025
أبو محمد الجولاني الذي تحول إلى أحمد الشرع رئيس سوريا قد يعني صعوده هزيمة المشروع الإسلامي

عام على سقوط الأسد| في مديح الشرع-الجولاني

منشور الثلاثاء 9 كانون الأول/ديسمبر 2025

مع حلول الذكرى الأولى لسقوط نظام الأسد، غير المأسوف عليه، في 8 ديسمبر/كانون الأول، يتوجب بعض التأمل في شخصية العام، أحمد الشرع، أبو محمد الجولاني سابقًا (تمامًا كأسماء بعض شوارع القاهرة) الذي تصدرت تحولاته التحليلات والتعليقات، والذي مثَّل صعوده السياسي داخل سوريا وخارجها تطورًا دراميًا لا يقل عن التخلُّص من آل الأسد بمقابرهم الجماعية وأسلحتهم الكيماوية ومصانع الكبتاجون.

في يناير/كانون الثاني من السنة الحالية، نصَّب الشرع/الجولاني نفسه رئيسًا انتقاليًا للجمهورية السورية، تلا هذه الخطوة لقاؤه مع ترامب برعاية سعودية في الرياض في مايو/أيار، فرفع العقوبات الأوروبية عن سوريا، فرفع العقوبات البريطانية والعقوبات الأممية عن الشرع نفسه (في طوره الجهادي) قبل أن يرفعها الأمريكيون الشهر الماضي والشرع في طريقه لزيارة البيت الأبيض ليكون أول رئيس سوري يقصد العاصمة الفيدرالية الأمريكية منذ استقلال سوريا في 1946.

رأسٌ لعدة قبعات

بات الشرع/الجولاني محطًا لكافة المحاولات العربية والتركية والدولية لإعادة تأهيل سوريا، وهي الدولة بالغة الأهمية في المنطقة والضرورية لاسترداد وضبط الفائض البشري الذي هرب من جحيم الأسد إلى أركان الدنيا الأربعة، ولمكافحة الإرهاب، وللتضييق على إيران وأذرعها.

استلزم هذا كله إتمام تحويل الجولاني إلى الشرع؛ أي من الجهادي خريج داعش والقاعدة إلى رجل الدولة، ويبدو أن تجربة حكم إدلب كانت محورية في ذلك التحول على مستوى الشخص والتنظيم.

بعيدًا عن أهمية دور الشرع/الجولاني في إعادة تأهيل الدولة في سوريا، وبعيدًا عن أهمية الدولة في سوريا، فإن تجربة وتحولات الجولاني بالفعل مهمة وربما مفيدة غاية الإفادة إذا وضعناها في سياق تحولات ومآلات الحركة الإسلامية العربية.

إذ إنه بمشروعه التالي على سقوط الأسد يعبر بدوره عن سقوط أحد مشروعات الإسلام السياسي في صيغتها الجهادية من السماء إلى الأرض، حيث لا مسوغات أيديولوجية طوباوية، لا خلافة، لا تطبيق للشريعة من أجل مجتمع يسوده العدل، لا مقاومة للاستعمار، بل هناك فحسب محاولات بائسة لشيء واحد؛ إنتاج سلطة في دولة ما بعد الاستقلال أو بعض منها حسبما تسير في السياق الإقليمي المضطرب.

اقتصاديًا التصورات نيوليبرالية بحتة لجذب رؤوس الأموال بأي ثمن مع فتح السموات والأرض لقواعد عسكرية لبلدان متنافسة، فلا سيادة فعليًا ولا محاولة لاستعادتها مما فعله بها نظام الأسد الذي استضاف الروس والإيرانيين وغيرهما لإنقاذ نظامه من شعبه.

بل مما يزيد الأمر بؤسًا أن ذلك التحول يجري على المستويين السياسي والاقتصادي بلا أي تحول أيديولوجي يُذكر، لا لصالح الدولة القُطرية ولا لصالح الوطنية السورية، وحتمًا ليس لصالح تصورات فيدرالية أو ديمقراطية لا سمح الله.

بضاعة فاسدة مُغلَّفة

على الأرض يحل المشروع تناقضاته من خلال تمثل وتمثيل المظلومية السنية بحيث تصبح إعادة تأهيل سوريا، وهو مطلب إقليمي ودولي لمكافحة الإرهاب وعودة اللاجئين وحصار حزب الله ومحور إيران كما سبق، عبارة عن التوصل لتفاهمات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بل ومع إسرائيل نفسها، على أمل التغاضي عن قهر الأقليات وسحقها من علويين ودروز وأكراد، دون أي وعد لدمج وطني، إذ يظل هناك عجز أيديولوجي عن تقبل التعدد بعيدًا عن تصورات الذمية وحديث "الحماية" المتكرر للأقليات (وربما لهذا فإن المسيحيين كانوا الأكثر حظًا - حتى الآن على الأقل).

إنه السقوط للتعبير عن حالات طائفية قحة أسمى أهدافها الاتفاق مع إسرائيل على الدروز ومع الأمريكيين على الأكراد.

يُضاف إلى هذا بالطبع أن أكبر مأساة واجهت المشروع الإسلامي في الشرق الأوسط في الأربعين سنة الماضية، تمثلت في كون أنجح مشروع سياسي أنتجته الأيديولوجيا الإسلامية، كان شيعيًا لا سنيًّا، أي الجمهورية الإسلامية الإيرانية بدستورها الثيوقراطي ومؤسساتها وطبقتها السياسية العريضة وقدرتها على التعايش مع عقوبات واكبتها منذ الميلاد.

بل وكانت الجمهورية الإسلامية هي الخطوة الجبارة نحو توفيق صيغة ما من الإسلام مع الدولة الحديثة؛ الجمهورية الإسلامية مقابل نماذج أخرى يزيد بعضها عن بعض تعاسة من المجاهدين المتقاتلين في أفغانستان ثم طالبان أو الثنائي البشير/الترابي في السودان ناهيك عن الفواصل العسكرية المتأسلمة في باكستان بين الحين والآخر.

لقد فجرت حرب العراق في 2003 وما تلاها من حرب أهلية في 2006 الصراع بين مكونات الإسلام السياسي الشيعي والسني.

وبعدما كان تنظيم الدولة الإسلامية في العراق يحارب حلفاء إيران من القوى الشيعية العراقية، من خلال ممارسة إجرام لا متناهٍ ضد المدنيين العراقيين، على أساس إفشال مخطط الولايات المتحدة الأبله بعد إسقاط صدام حسين، الأخ السني لنظام الأسد البعثي، يُتم الجولاني رحلته بالكامل، ليصبح دوره الإقليمي مرهونًا بكسر المحور الإيراني والتضييق عليه لكن لا لصالح مشروع إسلامي بديل بل تماهيًا مع المخطط التركي/الخليجي المدعوم أمريكيًا لتقليص نفوذ إيران على وقع هزيمة أذرعها في حربي غزة ولبنان وقصف منشآتها النووية.

بائع دون مشترٍ

هنا يبلغ البؤس مداه، فحتى هذا الدور المحوري ضد إيران لا يحظى بأي تقدير في إسرائيل التي لا تضيع فرصة لزعزعة استقرار النظام الجديد في سوريا بل والإمعان في إهانته على الأرض بعد كل تصريح خائب يصدر عن الجهاديين المتقاعدين في سوريا يعبر عن رغبتهم في السلام مع إسرائيل، شريطة أن تسلم لهم الدروز ليكملوا ما بدأوه قبل شهور. 

لم تكن تلك التحولات على الأرض مفاجئة بأي حال، إذ سبقها التضاؤل الفعلي لحَمَلة مشروع الجهاد -القاعدة وداعش وأخواتها- متعدد الجنسيات والقوميات منذ الحرب الأفغانية ضد السوفييت، حتى صاروا تروسًا في مشروعات أكبر منهم غالبًا لا تتقاطع -وربما تتناقض- مع مشروعاتهم الأصلية.

لعل أهمها استخدامهم لإجهاض أحلام الأكراد بأي حكم ذاتي أو استقلال في سوريا، أي التحول لبيادق في مشروع تركيا القومي، الذي للمفارقة كان دائمًا ما يناقض التصور الإسلامي المتجاوز للقومية ناهيك عن الجذور الكمالية للدولة القومية في تركيا.

كذلك الانزواء إلى لعب دور مقاومة الإسلام الشيعي في المنطقة بحيث يُعاد إنتاج مواجهة الجمهورية الإسلامية للدولة الإسلامية داعش أو أنصار الله في حربهم ضد أنصار الشريعة في اليمن، لكن هذه المرة لإنجاز مشروع أمريكي.

إن الشرع/الجولاني على تفاهة مشروعه سيدخل تاريخ المنطقة من أوسع أبوابه كنقطة تحول دراماتيكية في مسار الإسلام السياسي في صيغته الجهادية، الذي للمفارقة خرج بالفعل منتصرًا على كافة الأصعدة السياسية والعسكرية والدبلوماسية، ورغم هذا فإن هذه خياراته التي لا تعني سوى هزيمة فعلية للمشروع الذي طالما ادعى حمله.

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.