المنصة
الدكتورة ليلى موسى ممثلة مجلس سوريا الديموقراطية في مصر خلال حديثها لـ المنصة

حوار| ممثلة "سوريا الديمقراطية" في مصر: قواتنا يمكن أن تصبح جزءًا من الجيش

نأمل أن توظف دمشق لقاء ترامب بالشرع ورفع العقوبات لصالح سوريا لا المجموعة الحاكمة

منشور الثلاثاء 27 مايو 2025

في شقةٍ بحي جاردن سيتي، اتخذها مجلس سوريا الديمقراطية/مسد الذي تسيطر إدارته على نحو ثُلث مساحة البلاد، مقرًا رسميًا، التقت المنصة ممثلته في مصر الدكتورة ليلى موسى، وحاورتها حول مستجدات المشهد السوري الراهن، واندماج القوات الكردية في الجيش السوري، وعن وصول قطار التطبيع إلى سوريا.

حديث ممثلة "مسد" في مصر جاء على خلفية رفع العقوبات الأمريكية ولقاء دونالد ترامب بالرئيس السوري أحمد الشرع، خلال جولته الخليجية منتصف الشهر الحالي، إضافة إلى قرار حزب العمال الكردستاني التركي حلَّ نفسه وإلقاء السلاح.

لم يحمل حديث ليلى موسى قناعةً بتحولات الرئيس السوري وتوجهه نحو إقامة نظام يراعي التنوع السياسي والطائفي والعرقي الذي يتسم به المجتمع.

فقبل 12 عامًا، أسس الشرع الذي كان يُكنى أبو محمد الجولاني، جبهة النصرة الموالية لتنظيم القاعدة، وفي مايو/أيار 2017، وبعد عام على فك الجولاني ارتباطه بالقاعدة، عرضت واشنطن 10 ملايين دولار مكافأة لمن يقدم معلومات تؤدي إلى التعرف عليه أو تحديد مكانه.

تعتقد ليلى أنه "على عكس التصريحات الإيجابية التي يُدلي بها، جاءت كافة إجراءاته منذ سقوط بشار الأسد، بدءًا من مؤتمر النصر، ومرورًا بالحوار الوطني، انتهاءً بتشكيل الحكومة، دالةً على لون واحد يفرض رؤية واحدة على سوريا"، متهمة النظام الحالي بأنه "يتنكر لحقيقة التنوع داخل المجتمع السوري، ونحن أعلنا معارضتنا لهذه الرؤية، وحذرنا من تكرار تجربة الاستبداد في البلاد مرة أخرى".

ضرورة اللامركزية

الرئيس الانتقالي أحمد الشرع يوقع اتفاقًا مع قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي لدمجها في مؤسسات الدولة، 10 مارس 2025

تتوقف ليلى موسى عند  رفض الشرع  نهاية الشهر الماضي لمخرجات مؤتمر الوحدة الكردي وتراها من دلالات رؤيته بشأن المستقبل، "الشرع يصر على المركزية الشديدة في سوريا لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو إلى أي مدى، في ظل الحالة الداخلية السورية والمطالب الدولية، هل سيتمسك بموقفه أم سيستجيب للمطالب والضغوط الدولية؟".

الحديث عن الضغوط الدولية يثير تساؤلات حول الرؤية الغربية لمستقبل الحكم في سوريا، وهو ما ترى ممثلة "مسد" أنه يضعنا "أمام مستويين من المواقف الدولية من ناحية اللامركزية، أولهما نوع اللامركزية، هل فيدرالية على أساس محليات أو لا مركزية موسعة"، لافتةً إلى أن "هناك دولًا إقليمية مثل تركيا تخشى من انتشار نموذج اللامركزية في المنطقة فيدعمون النظام المركزي".

وتشير إلى "دول أخرى ترى في اللامركزية حلًا مناسبًا للحالة السورية بتنوعاتها، وتؤكد على ضمان حقوق كافة مكونات المجتمع السوري وإشراكه، وأن تكون هناك عملية سياسية شاملة".

وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية/قسد، التابعة لمجلس سوريا الديمقراطية، التي تضم نحو 100 ألف مُقاتل، غالبيتهم من الأكراد، على نحو 28% من مساحة سوريا البالغة 180 ألف كيلومتر مربع، منذ 2015. وعززت هذه السيطرة من انقسام البلاد في ظل حكم الرئيس المخلوع بشار الأسد.

وتتمتع سوريا بتنوع ديني وعرقي كبير، حيث يشكل المسلمون السُّنة 74%، وهم متنوعون عرقيًا بين العرب الأكثرية، والأكراد البالغ عددهم بين مليونين إلى ثلاثة، ثم الشركس والشيشان والتركمان. أما الطائفة العَلوية فتشكِّل ثاني أكبر الطوائف في البلاد، بنسبة 12%، يليها المسيحيون ويشكلون 10% من السكان قبل عام 2011، ثم الدروز وتقدَّر نسبتهم بـ3% من السكان.

ماذا عن لقاء الشرع وترامب؟

ترى ليلى موسى أنه في ظل الأحداث المتسارعة، لم يعد هناك ما يدعو للمفاجأة، مؤكدةً على أن "السياسة لا يوجد بها ثوابت، وأن المصالح تلعب دورًا في مثل هذه اللقاءات، خصوصًا وأن هناك دولًا إقليمية لعبت دور، منها السعودية وتركيا".

حالة الإرباك التي سببها لقاء ترامب بالشرع على المستوى الإقليمي، في ظل مطالبته سوريا بالانضمام لاتفاقات أبراهام، قابلها قلق بين مكونات المجتمع السوري، المتشابكة على المستويين العرقي والطائفي، بشأن المستقبل السياسي، وإمكانية تخلي الحليف الأمريكي عن بعضهم، وسط مخاوف من نتائج هذا اللقاء وإخلاله بموازين القوى السياسية، في وقت لا يزال الشرع يتحسس طريقه لكسب الشرعية الدولية.

الرئيس السوري أحمد الشرع يصافح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وبينهما الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الرياض، 14 مايو 2025

وبخصوص نتائج المقابلة، وإعلان ترامب نيته رفع العقوبات عن سوريا، تعتبر ممثلة "مسد" أن "عملية رفع العقوبات ليست بالأمر السهل، إنما معقدة خاصة أن بعض العقوبات فرضها الكونجرس، وتحتاج لموافقة منه لرفعها، وإلى الآن لا نعلم ما هي الآلية التي سيتم اتخاذها"، آملة أن تكون استجابة الحكومة الانتقالية لرفع العقوبات، بما يخدم القضية السورية لا بما يخدم الزمرة الحاكمة.

كما ترى ليلى موسى أن رفع العقوبات، وإن كانت خطوة تسهل حركة التجارة والاستثمار، لكن ما لم تكن هناك عملية توافق سياسي بين كافة مكونات الشعب السوري، لن تكون هناك أرضية أو بيئة مناسبة لعملية الاستثمار، مشددة على أنه "لا بد من أن يكون هناك توافق حقيقي داخلي وهذا هو الأساس".

وأصدرت إدارة ترامب، الجمعة الماضي، أوامر بتخفيف العقوبات المفروضة على سوريا بشكل فعلي، في إطار تحرك قالت إنه يهدف إلى دعم جهود إعادة الإعمار بعد سنوات من الحرب الأهلية المدمرة.

لا يمكن لوم الدول على أنها تتحرك وفق مصالحها

وبشأن ما إذا كانت هناك مخاوف من تخلي الحليف والداعم الأمريكي لقوات ومجلس سوريا الديموقراطية، والأكراد بشكل عام، قالت "نحن ندرك تمامًا أن المصالح هي التي تحكم العلاقات، ونحن في شمال شرق سوريا نأخذ كل هذه السيناريوهات بعين الاعتبار".

وأضافت "بينما لا نقلل من أهمية العلاقات الخارجية بالدول الداعمة، لكن يظل الأساس القوة والوحدة الداخلية، وهو ما نعمل عليه منذ تأسيس الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، وعلى مدار 14 سنة ثبت نجاح السياسة التي انتهجناها"، وتابعت "لا يمكن لنا لوم الدول على تحركها وفق مصالحها". 

مطالب ترامب من الشرع

عقب لقاء ترامب بالشرع، تواردت مجموعة من التسريبات عبر تقارير دولية بشأن قائمة مطالب أو اشتراطات قدمها الرئيس الأمريكي للرئيس السوري، تصدرها اللحاق بقطار الاتفاقات الإبراهيمية والتطبيع مع إسرائيل، وإدارة سجون داعش الواقعة في مناطق نفوذ قوات سوريا الديمقراطية، ودمج تلك القوات في الجيش السوري الجديد.

حول إمكانية تنفيذ تلك المطالب، تقول ليلى "حتى الآن يتم التباحث في تشكيل اللجان وفق الاتفاق الموقع بين الشرع والجنرال مظلوم عبدي قائد قوات قسد في مارس (آذار) الماضي، ويجري بحث الملفات السياسية والعسكرية والخدمية لتحديد نوع وشكل المشاركة مع الحكومة الجديدة".

وأضافت "في حال التوصل لهذه الصياغة فإن قوات سوريا الديمقراطية ستكون قوات سورية بامتياز، وهي منذ نشأتها تؤكد أنها جزء من الجيش السوري المستقبلي وبحاجة لعمليات توافقات، وفي حال حصل هذا التوافق تكون هناك إدارة ومشاركة، وأنا أعتقد أنه لن تكون هناك مشكلة".

وقدمت "قسد" نفسها عند تأسيسها عام 2015 وفق بيانها التعريفي على أنها "تكتل عسكري وطني لكل السوريين يضم الأكراد والعرب والتركمان والسريان"، وأن هدفها الرئيسي دحر تنظيم الدولة الإسلامية/داعش واستعادة جميع الأراضي التي اجتاحها التنظيم المتشدد آنذاك.

وفيما يخص ملف تسليم إدارة سجون داعش للشرع، ترى ليلى أنه يحتاج لنقاشات موسعة وتفاهمات وحوارات، وليس مجرد طرح يتم تنفيذه في اليوم التالي.

وفي ردها على ما يثار عن وجود أسباب أخرى وراء تمسك "قسد" بإدارة سجون داعش منها محاولة تأمين شرعية للقوات التي كانت نواة لمكافحة التنظيم الإرهابي، وكسب غطاء سياسي، والحفاظ على مصادر للتمويل من مخصصات تمويلات مكافحة الإرهاب، أكدت ليلى موسى أن "قسد تستمد شرعيتها من شعبها والمكونات الموجودة في شمال شرق سوريا، والتضحيات التي قدمتها"، رغم إيمانها وقناعتها بأهمية الشرعية الخارجية.

نسعى لبناء العلاقات على أساس حسن الجوار وأن يكون هناك تبادل للمصالح بيننا وبين الدول

ومنذ إعلان "قسد" دحر داعش جغرافيًا من آخر معاقله في عام 2019، تحتجز الإدارة الذاتية قرابة 56 ألف شخـص، بينهم ثلاثون ألف طفل، منهم نحو ثلاثة آلاف أجنبي من 54 دولة، في 24 منشأة احتجاز بينها سبعة سجون ومخيّمان هما الهول وروج.

أما عن الملف الأكثر تعقيدًا، المتعلق بالتطبيع مع إسرائيل، وموقف "مسد" حال قرر الشرع اتخاذ خطوات في هذا المسار، تقول ليلى موسى "إن كانت هذه الاتفاقيات تخدم الشعوب وتحافظ على حق الشعوب في تقرير مصيرها فأكيد هي مرحب بها، عدا ذلك فإذا كانت على حساب الشعوب وحريتها أو تهدف للتقسيم فموقفنا منها سيكون مختلفًا تمامًا".

وتضيف "نحن في سوريا الديموقراطية نسعى لبناء العلاقات على أساس حسن الجوار، وأن يكون هناك تبادل للمصالح بيننا وبين الدول، وأن يكون هناك عملية تكامل وليس وصاية أو احتلال أو تقسيم". 

ولم تبد "قسد" مواقف واضحة من العلاقات مع إسرائيل في أوقات سابقة، فيما أجرى بعض مسؤوليها لقاءات مع وسائل إعلام إسرائيلية خلال الأشهر الماضية.

بين حزب العمال و"قسد"

الشهر الماضي، أعلن حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه تركيا كيانًا إرهابيًا، حل نفسه وإلقاء السلاح بعد قرابة أربعة عقود من المواجهة المسلحة مع الدولة التركية، وهو القرار الذي قد تكون له تداعياته على الحالة السورية خاصة فيما يتعلق بشمال سوريا الخاضع لمجلس سوريا الديمقراطية.

وخاض الحزب صراعًا مسلحًا مع الدولة التركية منذ ثمانينات القرن الماضي للمطالبة بدولة مستقلة للأكراد في جنوب تركيا، قبل أن يطلب حكمًا ذاتيًا.

حل القضية الكردية في تركيا سيسهم في حل المشكلة في سوريا والعراق واستقرار المنطقة

في هذا الإطار ترى ليلى "أنه لا يمكن أن نفصل ما يحدث في دول المنطقة عن بعضها البعض"، موضحة أنه "لطالما عملت تركيا على تصدير أزماتها التي تعاني منها وتعليقها على شماعة الأزمة الكردية في الداخل التركي بحجة مكافحة الإرهاب وما تقوم به من عمليات، سواء في الشمال السوري أو شمال العراق، وبالتالي اليوم بخطوة إعلان حزب العمال إنهاء مرحلة الكفاح المسلح لم يعد هناك ذريعة تركية لا في التدخل في شمال العراق أو شمال سوريا".

وشددت على أنه "حتى يحدث استقرار بالمنطقة لا بد من حل القضية الكردية في الداخل التركي بالدرجة الأولى، حيث سيُسهم ذلك في حل المشكلة  في سوريا والعراق".

وعن إمكانية أن يحذو "مسد" و"قسد" الحذو نفسه، شددت ليلى على خطأ المقاربة والمقارنة بالحالتين، قائلة "دعنا نفصل بين حزب العمال الكردستاني وقسد، فلكل منهما خصوصيته".

ومضت تقول إن "قسد أُنشئت من أجل الحماية الداخلية ومكافحة الإرهاب في شرق سوريا، كما أنها قوات سورية بامتياز وستكون جزءًا أصيلًا من الجيش السوري المستقبلي إذا استكمل الاتفاق وكلل بالنجاح، وبالتالي فالمقارنة والقياس هنا غير متطابق، فلكل منهما خصوصيته، والبيئة التي يعمل بها".

وأكملت "كما أن قرار حزب العمال الكردستاني لا يعني إنهاء العمل، وإنما بداية مرحلة جديدة من النضال، فهو قدم مبادرة والكرة الآن في ملعب النظام التركي".

ملف المقاتلين الأجانب

وحول ما إذا كان قرار حزب العمال الكردستاني الذي يرتبط بعلاقات ممتدة مع أكراد سوريا قد يُعجِّل بخروج العناصر الأجنبية المنضوية تحت "قسد"، تقول ليلى موسى إن الجنرال مظلوم عبدي كان صريحًا، وأشار إلى وجود عناصر أجنبية في قسد، مضيفة أن "ملحمة كوباني شهدت انضمام عدد من الشبان من مختلف أنحاء العالم، من المؤمنين بفكرة الإنسانية ومواجهة التطرف، حيث انخرطوا إلى جانب القوات العسكرية في كوباني وساهموا في تحريرها".

وتؤكد على أنهم "في النهاية بضعة عشرات وليسوا ألوفًا، وعملية خروج هذه القوات لن تكون معقدة، خاصة أنهم فيما بعد شاركوا إلى جانب قوات التحالف الدولي في مكافحة الإرهاب".

وتذخر المناطق الخاضعة لسيطرة قسد بمعظم حقول النفط والغاز والسدود التي أقيمت على نهر الفرات. ولدى هذه القوات مظلة سياسية متمثلة في مجلس سوريا الديمقراطية، الذي يشكل جناحها السياسي.

لم يكد ينقضي عام 2024 إلا وكان بشار الأسد يغادر سوريا إلى روسيا، تاركًا خلفه تركة ثقيلة من الصراعات والحروب والانقسامات. وفيما كان وجوده العائق الأهم أمام إنهاء الصراع في سوريا، لا يبدو أن غيابه هو الشرط الوحيد لالتئام الأوضاع في الداخل السوري، وإزالة الآثار التي تركتها سنوات الصراع.