برخصة المشاع الإبداعي: duncan cumming، فليكر
جرافيتي لدونالد ترامب وكامالا هاريس، 27 يوليو 2024

هزمها "السلاح والله والمثليون"

منشور الثلاثاء 12 نوفمبر 2024

الهزيمة الكارثية المهينة التي لحقت بالديمقراطيين في انتخابات الرئاسة ومجلس الشيوخ وغالبًا النواب، يجب أن تمثِّل درسًا لكل النخب التي تصف نفسها بالتقدمية وتسعى للفوز بدعم الناخبين الذين تزعم أنها تعمل لصالحهم.

وأول ما على الديمقراطيين تعلّمه هو الاستماع لما يهم الناخبين حقًا ويعتبرونه أولوية، بدلًا من السعي لفرض أولويات النخب التقدمية المتعلمة التي تبدأ خطابها بمحاولات الشرح والإقناع قبل أن ينتهي الأمر بها إلى وضع من يعارضونها في خانة الجهل والتغييب والرجعية.

الديمقراطية المخضرمة نانسي بيلوسي، البالغة من العمر 84 عامًا، وأول "رئيسة" لمجلس النواب الأمريكي، كانت صريحة ومباشرة في تلخيصها لأسباب هزيمة كامالا هاريس، رغم حالة الزخم والحيوية التي خلقتها في صفوف الحزب الديمقراطي بعد دخولها المتأخر للسباق، بثلاث كلمات تبدأ جميعها بحرف G، هي السلاح والله والمثليون/gun, god and gays.

بيلوسي، التي يَكِنُّ لها ترامب الكثير من الكراهية ونعتها بلفظ بذيء في مؤتمر انتخابي قبل أيام قليلة من الانتخابات، لتعطيلها الكثير من مشروعات القوانين التي تقدم بها في رئاسته الأولى، لم تخجل من الاعتراف بأن أكثر من نصف الناخبين الأمريكيين لم تقنعهم القضايا التي ركز عليها القائمون على حملة هاريس واعتبروها مفتاح طريقهم إلى النصر.

ففي دولة شاسعة متنوعة مثل الولايات المتحدة، أغلبية مواطنوها يدافعون عن الحق في امتلاك السلاح، لم ينجذب الناخبون لدعوات الديمقراطيين إلى تقنين حمل السلاح وفرض قيود على شراء المسدسات والمدافع الرشاشة من المحلات العامة، في ضوء العدد المفزع من حالات القتل الجماعي التي تشهدها البلاد سنويًا بسبب سهولة اقتناء الأسلحة، خاصة في المدارس والجامعات وأماكن العمل.

وعلى عكس مواطني الدول الأوروبية، فإن ثلثي الأمريكيين يعتبرون أنفسهم مؤمنين، ونصفهم يرى الدين "مهمًا جدًا" في حياته، ما يعني أنهم لن يضعوا بالضرورة الدفاع عن حق المرأة في اتخاذ القرارات الخاصة بجسدها، بما في ذلك الإجهاض، على رأس أولوياتهم، بمن فيهم النساء اللاتي ظنت هاريس أنهنَّ سيمثلنَّ كتلة انتخابية توازي الدعم الذي يتمتع به ترامب بين الرجال البيض عمومًا.

ولأن أغلب النساء الأمريكيات يدعمن الحق في الإجهاض، أبدى الثعلب ترامب حساسية وهو يتناول هذه القضية، ولم تكن من الأمور التي تناولها بالتفصيل في حملته الانتخابية، مكتفيًا بإعلانه أنه سيسمح لكل ولاية باتخاذ القرارات والإجراءات الخاصة بها، بدلًا من فرض قانون موحد على كل الولايات.

انشغل الديمقراطيون بأسئلة الهوية التي تهم النخب وتناسوا قضايا العمال ومحدودي الدخل

يتوافق هذا الموقف مع الحكم الذي أصدرته المحكمة العليا بتشكيلها الجديد ذي الأغلبية المحافظة، الذي يعود الفضل فيه إلى ترامب نفسه، بإلغاء حكم سابق صدر مطلع الستينيات، يُقرُّ حق المرأة في الإجهاض ويحظر على المستشفيات العامة الامتناع عن تقديم الرعاية الصحية لمن ترغب في ذلك الإجراء.

وبينما تحدث قليلًا عن الإجهاض، ركز ترامب أكثر على القضايا التي كشفت استطلاعات الرأي لاحقًا أنها كانت السبب الرئيسي في فوزه؛ الاقتصاد والتضخم والرغبة في الحد من انتشار الجريمة.

هذه المفاتيح التي أمسك بها ترامب جيدًا، ضمنت له أصوات النساء اللاتي يدعمن موقف هاريس من الإجهاض، ومعها أصوات الرجال من أصول لاتينية، والمعروفين بالهيسبانك، وهؤلاء يدعمون موقف هاريس من قضية الهجرة، ويزعجهم بلا شك خطاب ترامب العنصري الفج إزاءها. لكن بالنسبة لكليهما؛ النساء جميعهن والرجال اللاتينين، مثَّل تحسن الاقتصاد أولوية عن دعم الإجهاض وإبداء التسامح مع الغرباء.

الأمر نفسه ينطبق على كيفية تناول الديمقراطيين قضايا المثليين. فمن ضمن القرارات الأولى التي اتخذتها إدارة بايدن تعيين موفد خاص لحقوق المثليين والعابرين جنسيًا حول العالم. بعيدًا عن أن هذا السفير سيفقد على الأغلب وظيفته مع عودة ترامب، فقد أبدى قطاع من المتدينين والمحافظين الأمريكيين انزعاجًا من تركيز قيادات الحزب الديمقراطي على الدفاع عن المثليين، واعتبار من لا يضعونه أولوية مثلهم جهلة ومتخلفين. 

وكان لافتًا في العديد من تعليقات المحللين والمعلقين كيف أن الكثير من الأمهات الأمريكيات قد لا يشعرن بارتياح كبير تجاه السماح للعابرات جنسيًا بالانضمام لفرق النساء والفتيات الرياضية، خوفًا على بناتهن من أي أذى محتمل. 

كما استغلت حملة ترامب، بذكاء، مقطعًا قديمًا لهاريس قبل أن تصبح نائبة الرئيس، تدعم فيه أن تتحمل الولايات تكاليف عمليات العبور الجنسي للسجناء، ليظهر في الإعلانات التليفزيونية التي مولتها الحملة، لإثارة حفيظة الناخبين المتدنيين من دافعي الضرائب، الذين لن يروقهم مثل هذا الخطاب والتوجه. 

ولكن ما استغله ترامب جيدًا في إعلاناته ودعايته المضادة، وكان أيضًا من ضمن العوامل التي ساهمت بشكل كبير في هزيمة هاريس، هو رفضها توجيه أي انتقاد علني لبايدن، بعد أن اختارها لخوض السباق الرئاسي بعد ساعة واحدة فقط من إعلانه الاكتفاء بفترة رئاسية واحدة وتدهور حالته الذهنية والصحية. 

وبينما كانت هاريس ترد الجميل لبايدن، لم يعجب بيلوسي المشهد بأكمله، وقالت بعدما أعلنت هزيمتها أنها كانت تتمنى لو أن بايدن اتخذ قراره بالانسحاب مبكرًا، ليترك الفرصة أمام اختيار مرشح بديل للحزب في انتخابات تمهيدية، بدلًا من دفع هاريس لخوض سباق ربما لم تكن مؤهلة له في مثل هذه الفترة القصيرة.

كما أخفقت المرشحة الديمقراطية في أول مقابلة تليفزيونية تجريها بعد ترشحها، عندما ردت على سؤال مباشر عن القضايا التي كانت ستتعامل معها بشكل مختلف عن الرئيس بايدن بالقول "لا أستطيع أن أفكر في أي قضية الآن". هذه الجملة كانت قوام إعلانٍ ثانٍ لحملة ترامب، روجته على نطاق واسع. 

تنتظر الديمقراطيين سنوات صعبة قادمة، عليهم فيها مراجعة أسباب هزيمتهم وكيف يمكن تجاوزها. وبينما هم يفعلون ذلك، لا بد لهم من التمعن في تصريحات عضو مجلس الشيوخ المخضرم المستقل بيرني ساندرز، وهو ينتقد تناسي الديمقراطيين، بينما هم مشغولون بقضايا "الهوية" التي تهم النخبة المثقفة، قضايا العمال ومحدودي الدخل الذين كان يشكلون الكتلة الرئيسية لناخبي الحزب تاريخيًا. ذهب ذلك بعددٍ أكبرَ من أصوات هذه الكتلة إلى ترامب، فاحش الثراء، لأنه وعدهم بتحسين أوضاعهم المعيشية وإعادة فتح المصانع المغلقة التي هرب أصحابها إلى الصين سعيًا وراء العمالة الرخيصة.

في الوقت الذي انصبَّ فيه تركيز الديمقراطيين على قضايا الإجهاض والمثلية وحماية الديمقراطية، كان الشعار الشهير الذي تبنته حملة المرشح الشاب بيل كلينتون وهي تهزم الرئيس المرشح جورج بوش عام 1992 "إنه الاقتصاد يا غبي" يطفو إلى السطح مرة أخرى. لكنه عندما طفا هذه المرة، كان الديمقراطيون هم ضحاياه.

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.