حسنًا، أكتب هذه المرة وعلى سبيل الاستثناء بالعامية بالمصرية، وده لأن بعض الكلام محتاج يكون صريح وبالبلدي، تسمعه وإنت بتقراه، لأن ظروفنا الحالية تلزمها درجة عالية من المكاشفة ولا تحتمل إننا نستخبى منها داخل اللغة وحواجزها وألغازها.
وضع مصر الحالي بالأرقام المعروفة والمخفية غير قابل للاستمرار بشكل يحافظ على اللي فاضل من سيادتها أو اللي باقي من إنسانية وكرامة سكانها. أصول الدين وفوايده بياكلوا أي إيراد، وأي إنفاق على الخدمات العامة بقى شبه مستحيل، ده غير إن الموازنة العامة غير شفافة وجزء كبير من الاقتصاد الحقيقي وأرقامه مخفيين في صناديق علي بابا السيادية.
والوضع بحالته الحالية بيتدهور بمعدلات سريعة قصاد الكل ومش هيتغير إلا لو مصر امتلكت إرادة سياسية مختلفة تفرضها على الدائنين، وده مستحيل يحصل من غير ما مصر تكون بلد تاني ليه توجهات وانحيازات مختلفة، سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا.
مصر المفيدة
دايمًا بلاحظ إن ناس كتير بترجع لرواية يوتوبيا اللى كتبها أحمد خالد توفيق الله يرحمه ويقارنوا تفاصيلها بالتطورات الاجتماعية اللى موجودة في مصر دلوقتي على مستوى الفصل الطبقي التام، مش بس اجتماعيًا لكن كمان جغرافيًا. والحقيقة إن كلام أحمد خالد توفيق لا هو نبوءة ولا خيال كئيب، ده كان فعليًا وضع الصين في القرن الـ19 ولقُرب 70 سنة وأكثر.
الصين بلد استُعمِر بطريقة مختلفة عن باقي الدول، الاستعمار فيه أخد شكل الاستيلاء على موانيه من كل دول وشركات أوروبا وأمريكا، أجزاء تبع إنجلترا وأجزاء تبع هولندا وأخرى تبع البرتغال، لكن من غير التورط في حكم البلد كله.
والمدن والمواني دي كانت رسميًا تحت التاج الإمبراطوري الصيني، لكن إدراتها وحكمها وشرطتها كانت محلية أو مشتركة، بين ممثلي الدول الأجنبية وشركاتها مع قادة عسكريين محليين.
الاستعمار الأوروبي مكانش عايز يحكم الداخل الصيني ولا يتحمل مسؤولية جيوش السكان من الفلاحين، كانوا بالنسبة له عبء تتحمل مسؤوليته الحكومة الإمبراطورية أو الحزب القومي اللى سيطر بعد سقوط الإمبراطورية، يحكموهم بالحديد والنار أو التجويع أو الإبادة هم أحرار فيهم، دي مش مشكلة الاستعمار ورأس المال ولا موضوعه.
إحنا مُعرّضين نبقى نموذج حديث ومعاصر لما سبق ذكره لو استمرت الأمور زي ما هي؛ الاستعمار ورأس المال هيستولي على "مصر المفيدة"، وباقي البلد لُه ربنا أو لُه اللي يعرف ينيمه من المغرب بكسرة النفس وقلة القيمة، حتى لو الناس باتت جعانة.
والإمارات بتلعب بوضوح دور نخّاس راس المال العالمي اللي مالوش وطن إلا مصلحته وربحه وتراكمه، وجزء معتبر منه فلوس جريمة وغسيل أموال أو مراكز إقليمية للشركات العالمية أو خليط من كل ده. المهم إن طبعه شديد الشراسة وعديم الاكتراث بالبشر والعباد.
بمعنى من المعاني مصر بتجيب من الآخر على مستوى الهدف النهائي، لأن لو إسرائيل هدفها من إبادة سكان غزة إنها تهجر نصهم أو أكتر، فالخطوة اللي بعدها هي الاستيلاء على البحر والمينا وتحويل الشواطئ لمستوطنات وقرى سياحية، والحقيقة إن الجماعة الإماراتية مامسكوش لسانهم واتكلموا من بعد 7 أكتوبر عن إن غزة ممكن تبقى دبي جديدة.
حضرتك ممكن تشيل كلمة غزة وتبدلها براس الحكمة مثلًا، في مقال قبل كده كررت إن مصر معرضة للاستعمار بدون احتلال وللإذلال بدون إبادة، أو يمكن للإبادة بدون قنابل.
والكلام ده بيحصل تدريجيًا بدون حرب أو مقاومة، ببساطة لأن حاميها حراميها، اللي بيحكموا مصر شايفين إن لو البلد لا بد تتباع فهم أولى ببيعها وهم الأجدر بالشراكة مع المشتري، لأن بأي أمارة رجال الأعمال بتوع جمال مبارك أو أي شوية مدنيين تانيين هم اللى ينجزوا المهمة دي؟ عفوًا، اللي معاه الدبابة هو الأولى بحصة مصر فيما سيتبقى من مصر!!
ما سبق وقُلته له بدل البيان عشرين، مش لازم يتحقق بحذافيره طبعًا، لكن كتير من عناصره بدأت تبقى واقع على الأرض، جغرافيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، لأن مصر بلد كبير وحمله تقيل ومفيش راس مال في الدنيا هيكون عايز يشيل شيلته.
والوضع مش ناقص تُفَّه وجرابيع
في وسط المدعكة الاقتصادية الحالية اللي بتشيل طبقات وتهبدها، بيزيد تكدير وقرف الواحد صنفين من البشر، خاصة في الفترة الأخيرة ومع تزايد جرايم إسرائيل في المنطقة؛ واحد تافه والتاني جربوع، ودول غير السلطة نفسها اللي عارفه هي بتعمل إيه.
التافه موقعه الطبقي متفاوت، ممكن يكون ابن طبقة عُليا مهددة أو طبقة وسطى بتفتقر أو طبقة وسطى دنيا بتتدهس، لكن حساباته فردية وأنانية وكلها تذاكي وفتاكة وإنكار. والأهم من التذاكي والإنكار هو الخوف الغريزي اللي بيعطل قدرة البنى آدم على التفكير المنطقي والسليم اللي ممكن يساعده على مواجهة الحقايق زي ما هي، علشان يعرف يفكر زى البني آدمين بجد.
التافه ميعرفش إنه تافه وفاكر نفسه حكيم زمانه لكن الجربوع عارف إنه جربوع
الخوف أولًا هو من الشعب الكادح الجعان اللي ممكن يجيب عاليها واطيها لو انتفض، والخوف ثانيًا من إيد الحكومة التقيلة اللي أثبتت آخر عشر سنين أن مالهاش كبير ومبتكبّرش حد. الخوف كمان من الإسلاميين اللي كتير منهم معندهمش حاجة يوعدوا بيها غير الانتقام.
مخاوف كتير مخلية التافه خايف من خياله ومن حياته، وده لأن خوفه الحقيقى والفعلي هو على موقعه الاجتماعي والطبقي، اللى التجربة أثبتت إنه موقع هش وعابر وممكن يبقى في مهب الريح بتعويم العملة مرة أو اتنين، فما بالك لو الجنيه فضل يتعوم بلا توقف؟
النوع ده في صداماته الفكرية بيتحول إلى كينونة بتجمع بين كيد الضُعفاء وحقد الجبناء المغلف بواقعية ميتة بتميل للاستعراض وجذب الانتباه اللي مش بيترتب عليه أي حاجة فعليًا، لأن النوع ده عمرك ما بتشوفه على الأرض في أي مواجهة حقيقية أيًا كانت، ولم تضبطه متلبسًا في أي لحظة من اللحظات بأي فعل فيه تضحية أو تقديم ما هو عام على ما هو خاص وشخصي.
التافه كمان مايعرفش إنه تافه، بالعكس هو فاكر نفسه حكيم زمانه وواقعي، لكنه بينكر الحقيقة اللي تخزق العين وغرقان في الوهم وبيحاول يقنع نفسه وغيره إن الوضع ده ممكن يطلع منه خير.
أما الجربوع فأمره مختلف، الجربوع عارف إنه جربوع، وعارف إنها بتخرب، وعارف إنه بيغرف قوالب طوب من بيوت أبونا اللي بتتهد على دماغنا، معندوش أي أوهام عن نفسه، بالعكس هو عارف كويس إن مالوش مكان إلا وسط الخراب، لأن لولا إن الدنيا ماشية بضهرها كان مستحيل يتصدر الصفوف أو يكون له مكان من الأصل.
الحكام عارفين الكلام ده كويس، فمصدَّرين الجرابيع في الواجهة، والجرابيع قابلين بالخطر لأنهم عارفين إن قيمتهم ولا تسوى وإن فرصهم قليلة وعليها طوابير، حاكم الجرابيع كتير وبيدوسوا بعض في السكة، وفي طريقهم ممكن يبرروا أي شيء ويطلع منهم أي تصرف مهما كان وضيع أو خسيس.
ولأن الحكام عارفين إن قيمة الجرابيع ماتسواش ورق الحمام، وفي طلعة نهار ممكن يخفوهم ولا كأنهم كانوا موجودين، فمستخبيين وراهم وبيعصروهم زى الليمونة، علشان وقت الجد يضحوا بيهم، وده اللي بيخلي الجرابيع يستأسدوا للآخر، ويحاولوا ياخدوا كل اللى يعرفوا ياخدوه.
الفرق بين التافه والجربوع إن التافه بيحاول يحافظ على موقعه الطبقي بكل وسيلة وهو عارف إنها بتخرب أو عَ الأقل حاسس وبينكر، لكن الجربوع فاهم ومتأكد إنه مش هيصعد لفوق إلا لو خربت على دماغ الباقيين.
التافه فارق معاه إنها متخربش ويتمنى لو اتعدلت بس بشرط مواقعه الطبقية متتأثرش جوه التعديل والإصلاح، أما الجربوع فعارف كويس إن أي إصلاح فيه نهايته هو نفسه وعلشان كده أحيانًا فيه مساحات بيتقاطع فيها التُفَّه مع الجرابيع.
فيه تُفَّه يشبهوا الجرابيع، لكن الجرابيع في الحقيقة مش شبه حد، ووقت الجد التافه هيستخبى، مش هتشوفه ولا هتسمع له حس، وهتنساه لأن التطورات حتبقى أكبر من حضوره المزعج في الزمن الغبرة، أما الجربوع فأتمنى إن وقت الجد يفضل موجود، أتمنى جدًا.
وطبعًا مفيش داعي لتسمية الناس بأسمائها، لأن كل واحد عارف نفسه.