تركت الأزمة الاقتصادية، بالأخص ارتفاع سعر صرف الدولار في مصر أمام الجنيه، أثرها على بشرة ورد حسن، فقد بات الاعتناء بها آخر أولوياتها، بعدما كانت تحرص على الحصول على جلسة تنظيف بشرة شهريًا.
ورد التي تبلغ 23 عامًا، تعمل إلى جانب دراستها في كلية الخدمة الاجتماعية بمحافظة أسوان، في مجالي السكرتارية والتسويق، وما تتحصل عليه في نهاية كل شهر يترواح من 800 إلى 1200 جنيه مصري، ما يجعل مجرد شراء كريم واقٍ من أشعة الشمس صعب المنال ويجبرها على الادخار من أجل شرائه. تقول لـ المنصة "كنت بشتري skin care من الفئة السعرية المتوسطة. وفيه منتجات بعينها بحوش علشان أجيبها؛ زي الـsunblock كنت بحوش علشان أشتريه".
تجاوزت درجات الحرارة في مدينة أسوان 36 درجة مئوية خلال شهر مارس/آذار من العام الماضي، وتحتاج درجات الحرارة العالية إلى اختيار نوع واقٍ من أشعة الشمس ذي شروط معينة، ليحقق معدل حماية مرتفعًا من الأشعة فوق البنفسيجية +SPF30، ويكون مقاومًا للتعرق، وفقًا لمدرسة الطب بجامعة روتشستر الأمريكية.
لكن الظروف الاقتصادية تعوق فرص الطالبة الجامعية في شراء منتج غالي الثمن، ما جعلها تستكشف عالمًا جديدًا من المنتجات المصرية.
أسعارها نار
استوردت مصر خلال نوفمبر/تشرين الثاني 2023 مستحضرات تجميل وصابونًا بـ29.6 مليون دولار، وهو ما يزيد عن العام الماضي بنسبة 13%، حيث استوردت مصر نفس المواد عام 2022 بمبلغ 26.2 مليون دولار، حسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.
يتعجب يوسف حسن، الصيدلي بإحدى الصيدليات الكبرى في الجيزة، من سعر فاتورة بديل الزيت (يستخدم في تصفيف الشعر) المصري، الذي بلغ 275 جنيهًا، رغم أن آخر مرة تعامل فيها مع الشركة كان سعره 80 جنيهًا فقط، بينما تضاعفت أسعار بعض أنواع كريمات تصفيف الشعر خلال الشهر الماضي فقط.
كانت الصيدلية التي يعمل بها يوسف تشهد إقبالًا على المستحضرات المصرية لانخفاض سعرها مقارنة بالمستوردة، ما يتناسب مع قدرة أهالي المنطقة على الشراء.
غير أن المنتجات المصرية زادت أسعارها هي الأخرى، كما يقول يوسف لـ المنصة، "أصغر علبة كريم مرطب لليد كانت بما بين 10 إلى 12 جنيهًا، دلوقتي بقت بـ30 جنيهًا"، ما دفع النساء للعزوف عن الشراء.
الـ"هاي كوبي" ينافس
على ناصية الشارع الذي تسكن به هاجر إبراهيم، في منطقة حدائق حلوان التابعة لمحافظة القاهرة، محل يبيع مستحضرات التجميل تحت مسمى الـ"هاي كوبي"، الذي يعني نسخة طبق الأصل من العلامات التجارية الشهيرة "تبدأ أسعاره من 30 جنيهًا"، كما تقول هاجر لـ المنصة، وهو ما ما بات يناسب قدرتها الشرائية.
تعمل هاجر في المشغولات اليدوية التي توفر لها بعض المال إلى جانب مصروف شهري تتقاضاه من معاش والدتها، ما يكفي أساسيات العيش. أما مستحضرات التجميل فلم تعد تستطيع أن تبالغ فيها "أنا بشتري كريمات الأساس والماسكرا والآيلاينر. دول أهم حاجة عندي. مبهتمش إذا كانوا ماركة أو لأ. بختار الحاجات في رينج الوسط، لا غالية أوي ولا رخيصة".
تكسر هاجر التي تقترب من الثلاثين هذه القاعدة مع واقي الشمس، فأهم ما تبحث عنه أن يكون متناسبًا مع البشرة الحساسة ليحميها من الحروق الشمسية "كنت بختار نوع من ماركة مشهورة بس سعره وصل 800 جنيه"، ومنذ العام الماضي لجأت إلى منتج مصري تجاوز سعره الـ200 جنيه.
"زادت منتجات العناية بالبشرة من 20 إلى 30%، فيما قفزت أسعار الكريمات الواقية من آشعة الشمس إلى 35%"، حسب تقييم محمود حنفي، مسؤول قسم التجميل في إحدى الصيدليات الكبرى بحي الدقي في محافظة الجيزة، مشيرًا إلى أن الزيادة كانت تدريجية، وبدأت من مستهل عام 2023.
تخلٍ اضطراري
تخلت شروق عاطف التي تبلغ 28 عامًا، عن فرد الشعر لدى الكوافير باستخدام البروتين مؤخرًا، بعدما كانت اعتادت عليه منذ زواجها قبل 6 سنوات، حين انتقلت من الدقهلية للزواج في محافظة الجيزة، لأن ثمنه وصل الشهر الماضي إلى 2500 جنيه.
تشعر شروق بالضيق لأن البروتين، الذي يفرد الشعر بشكل شبه دائم، كان يزيد شعورها بالراحة، فهي أم لطفلين يلزمها توفير الكثير من الوقت من أجل الاعتناء بهما، وتتطلب أساليب فرد الشعر الأخرى وقتًا وجهدًا، تقول لـ المنصة "كان أسهل في استخدامه من أي طريقة تانية علشان بيقعد معايا 6 شهور".
شهدت أسعار مستحضرات التجميل قفزات متتالية خلال يناير/ كانون الثاني الماضي فقط، حيث ارتفعت 20% خلال 29 يومًا، و50% مقارنةً بالعام الماضي، حسب تصريحات سابقة لمحمود الدجوي، رئيس شعبة الكوافير بالغرفة التجارية بالقاهرة، لصحف مصرية في فبراير/شباط الماضي.
هذه الأرقام ليست بيانات وحسب، بل واقع عايشته شروق خلال الـ6 أشهر الماضية، تقول عن سعر فرد الشعر بالبروتين، "عمره ما كان بيزيد بالألف. كل مرة كان يفرق 100 جنيه بالكتير. لما سألت عنه في يناير كان بـ1250 والشهر اللي بعده لقيته بـ2500 جنيه".
القفزة المفاجئة في تكلفة فرد الشعر أجبرت شروق على التوقف لحين إشعار آخر "قررت إنه مش لازمني دلوقتي. الظروف ما عادتش تسمح إني أصرف المبلغ ده على شعري".
إعادة تدوير للفوط الصحية
لا يقتصر أثر الأزمة الاقتصادية على النساء في مستلزمات العناية والتجميل فقط، لكن دفع للبحث عن بدائل اقتصادية عدة للفوط الصحية التقليدية، مثل كأس الحيض والفوط القماشية والسدادات القطنية، بالإضافة إلى السراويل القطنية التي استخدمتها لبنى صلاح، منذ سبتمبر/أيلول الماضي، بعد عدة محاولات للبحث عن نوع مريح في الأسواق.
تذكر لبنى، التي تبلغ من العمر 30 عامًا، المرة الأخيرة التي اشترت فيها الفوط التقليدية "كنت بدور عليها وكل مرة أروح الصيدلية ملاقيهاش. وكمان ممكن تزيد كل شهر 10 جنيه، أحيانًا كنت بشتري أنواع أرخص لكن كانت بتسبب لي التهابات" تقول لـ المنصة.
تشير التقديرات إلى أن المرأة الواحدة تستخدم 11 ألفًا و400 فوطة طوال حياتها، حسب دراسة أجريت على الفتيات في سن الإنجاب في كوريا، نُشرت عبر المركز الأمريكي للمعلومات التقنية الحيوية NCBI.
تغيرت أسعار الفوط الصحية أكثر من مرة خلال العام الماضي، حيث وصلت بعض الأنواع إلى 75 جنيهًا، أما المستوردة فقفزت إلى 115 خلال العام الحالي. لم يكن هذا وحده سبب لجوء لبنى إلى سراويل الدورة الشهرية، فالزيارة المتكررة للطبيب بسبب شكوى الحساسية والالتهابات جعلتها تفكر في صحتها، على حد قولها "الفلوس اللي بصرفها على الفوط وعلاج الالتهابات كانت ضعف الفلوس اللي صرفتها في الباكدج".
يتراوح سعر السروال الداخلي للدورة الشهرية بين 400 - 600 جنيه، يختلف السعر حسب شكل المنتج والشركة المصنعة، عادةً ما تتألف القطعة من مجموعة من الطبقات لمقاومة التسرب والحماية من التعرق.
أوضحت أسماء عطية أخصائية تنظيم أسرة وصحة إنجابية لـ المنصة أن استخدام البدائل القماشية للفوط الصحية بأنواعها يجب أن يخضع لشروط عدة، منها أن يكون نوع القماش ممتصًا لدم الدورة الشهرية، وأن يتم تغييره بانتظام، وأن يخضع لتعقيم شديد، وألا يدخل المهبل.
وتابعت، أنه منعًا للإصابة بميكروب يجب تعقيم الفوطة بعد استخدامها بغليها لثلث ساعة على الأقل، أو النقع والتطهير في الكلور للقضاء على الجراثيم، مؤكدة أن "الماء العادي غير كافٍ للتطهير من الجراثيم".
انخفاض الأسعار
لا تشير أي معلومات حتى اليوم إلى انخفاض الأسعار رغم تحرير سعر الصرف، من جهته يوضح عادل عبد المقصود، رئيس شعبة أصحاب الصيدليات بالغرفة التجاربة سابقًا، في مكالمة هاتفية مع المنصة، أن عدم استقرار سعر صرف الدولار يؤثر في سعر المادة الفعالة للمنتجات المحلية، إذ إن المكون الرئيسي في مستحضرات التجميل في مصر يكون مستوردًا، ما يتسبب في ارتفاع قيمة التكلفة والعائد على المصنع والموزع، سواء بالجملة أو القطاعي.
"الاستيراد عادة ما يكون من الدول الحاصلة على الإعفاء الجمركي، طبقًا لذلك الدول المصدرة هي دول الاتحاد الأوروبي بشرط أن تكون حاصلة على شهادة يورو وان" حسب عبد المقصود.
ونوه رئيس الشعبة السابق لأن دور "حماية المستهلك" يحتاج إعادة دراسة من مجلس الوزراء "يدخل مفتش حماية المستهلك إلى الصيدلية وينظر إلى تاريخ انتهاء الصلاحية وليس تفاوت الأسعار".
وأشار إلى أن عودة السعر الأصلي لمستحضرات التجميل بعد استقرار الدولار في مصر، لن يكون إلزاميًا للتجار، يقول "مصر سوق حر لا يوجد قانون يجبر المنتج لتحديد السلع طبقًا لعناصر التكلفة وهامش الربح".
في حين أصبحت المنتجات المصرية هي الاختيار المتاح أمام ورد، الطالبة بجامعة أسوان، بعدما أرضت رغبتها في الشراء "بشتري أكتر من غسول ومرطب مصري بنفس الفلوس اللي كنت بحوشها للمستورد. وكمان بدأت أدور على مشاريع skin care بتعملها الستات أسعار منتجاتها بتبقى مناسبة".