اضطرت الظروف الاقتصادية الصعبة الناجمة عن سلسلة التعويمات التي شهدتها مصر منذ 2016 عددًا من النساء للقبول بظروف عمل قاسية وغير عادلة في سبيل تأمين القوت اليومي لعائلاتهن. نسمة وليلى نموذجان لمصريتين جمعهما ضيق ذات اليد في مواجهة موجة التضخم المرتفعة.
لجأت المرأتان للبحث عن عمل دون خبرة سابقة، لتواجها في رحلة بحثهما الكثير من العقبات جعلتهما تقبلان بدخل متدنٍ لا يزيد عن 1500 جنيه شهريًا، وهو ما يمثل 25% من الحد الأدنى للأجور في مصر المقدر بـ6000 جنيه شهريًا (121.65 دولار).
الخياطة بداية الطريق
في محافظة الشرقية، اضطرت نسمة أحمد ذات الـ35 سنة للعمل منذ مطلع العام الجاري في مشغل خياطة براتب 1500 جنيه شهريًا مقابل 8 ساعات عمل يوميًا، "كده بيكون دخلنا أنا وجوزي اللي بيشتغل في الخردة 4000 جنيه" حسب ما تقول. أي ما يعادل 81.10 دولار "منهم 1000 جنيه إيجار".
لدى نسمة 3 أطفال صغراهم لم تتخط العامين بعد، "بعد ولادة بنتي الأخيرة مصاريفنا زادت، لبن ودكاترة، وعشان كده فكرت أنزل أشتغل" تقول نسمة لـ المنصة.
حجـم قوة العمل سجل 31.397 مليون فرد مقابل 31.101 مليون فرد خلال الربع السابق بنسبة زيادة مقدارها 1,0%
تبحث نسمة حاليًا عن فرصة عمل أفضل براتب أعلى كي تستطيع تلبية احتياجات أسرتها اليومية.
وارتفعت معدلات التضخم في مصر إلى مستويات غير مسبوقة خلال العامين الماضيين، بلغت ذروتها مع تجاوز نسبة الـ 40%، مدفوعة بتذبذب سعر الصرف في السوق الموازية، وبالرغم من استقرار سعر الصرف منذ مارس الماضي لم ينخفض التضخم عن مستوى الـ25% حتى الوقت الراهن.
مشروعات متناهية الصغر
في دمياط عاشت ليلى محمد الظروف ذاتها قبل 7 سنوات، فزوجها الذي يعمل نجارًا لا يكفي دخله طلبات الأسرة وفيها 3 أطفال.
"بقى علينا ديون للبقال وبتاع الخضار ومابقيناش عارفين نسد الطلبات" تقول ليلى لـ المنصة، الأمر الذي جعلها تقطع 45 كيلومترًا يوميًا للعمل بأحد مصانع الملابس في محافظة بورسعيد من أجل "1800 جنيه إجمالي أجري في 2017 يخصم منه 400 جنيه مواصلات".
استمرت ليلى البالغة من العمر 31 عامًا في قطع المسافة من دمياط إلى بورسعيد لخمس سنوات، حتى قررت في 2021 ترك العمل بالمصنع "ماعدتش قادرة عل السفر كل يوم، والراتب مالوش لازمة". في 2022 تمكنت من شراء ماكينة خياطة منزلية للعمل عليها، "لكن برضه اللي بيدخلي منها مش بيعمل حاجة والأسعار كل يوم بتزيد".
انتهت ليلى إلى فتح محل بقالة في شقتها بتكلفة اقترضتها من جمعية لدعم المشاريع الصغيرة للنساء، "جوزي قفل الورشة عشان مش بيقدر يوفر خامات بعد ما أسعارها غليت، واشتغل موظف أمن" ليبلغ إجمالي دخلهما معًا نحو 7000 جنيه ما يعادل 141.93 دولار.
ومثلت الجهات المقدمة للتمويل الصغير فرصة لخلق الدخول لقطاع واسع من الأسر، رغم ارتفاع الفوائد ومحدودية الدخل المولَّد.
"ما يزيد عن 95% من النساء اللاتي مولت الجمعية مشروعاتهن المتناهية الصغر لم يسبق لهن العمل في أي مكان" حسب فريدة عمر مديرة برنامج التعليم والتعلم مدى الحياة بمؤسسة المرأة والمجتمع في مصر والمعنية بدعم النساء اقتصاديًا لـ المنصة.
"تتنوع المشروعات التي تدعمها الجمعية وشبيهاتها ما بين تجارة الملابس وصناعة المنظفات والكوافير وصناعة الجبن والزبدة وبيع الخضروات والخياطة وتصنيع شموع" تقول فريدة، مشيرة إلى أن المبالغ التي تقدمها الجمعية لهذه المشروعات تتراوح ما بين 5000 إلى 25000 جنيه.
تمثل المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة 90% من الأعمال و60%-70% من العمالة و50% من الناتج المحلي الإجمالي في جميع أنحاء العالم. كما تعد العمود الفقري للمجتمعات في كل مكان، فهي تسهم في الاقتصادات المحلية والوطنية.
بلغت نسبة النساء من إجمالي المشتغلين في مصر 15.3%
في مصر، تتعامل قاعدة واسعة من أصحاب المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر مع الجمعيات وشركات التمويل الصغير، فحسب آخر البيانات المتاحة من هيئة الرقابة المالية بلغ عدد المستفيدين من هذه التمويلات خلال الربع الثاني من العام الحالي نحو 3.7 مليون مستفيد.
عوائق أمام النساء
ويشير تقرير للبنك الدولي إلى أنه مع محدودية مشاركة النساء في قوة العمل (أي الفئات التي تعمل بالفعل أو تبحث عن وظائف)، تظل مهمة النساء للبحث عن مكان في سوق العمل صعبة للغاية، حيث يضع البنك الدولي مصر في المركز 175 من بين 190 دولة يرصد فيها عوائق العمل التي تعكس اللا مساواة بينها وبين الرجال المشتغلين، وتنعكس هذه العوائق في محدودية نسبة النساء من إجمالي المشتغلين في مصر، التي تقتصر على 15.3%.
لكن تعكس بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر انخفاض معدل البطالة في الربع الأول من عام 2024 إلى 6.7%، بانخفاض 0.2% عن الربع السابق. ووفق البيانات الصادرة عن الجهاز، بلغ عدد العاطلين عن العمل نحو 2.159 مليون متعطل بنسبة 6.9% من إجمالي قوة العمل، بينهم 1.165 مليون من الذكور، و994 ألفًا من الإناث، مقابل نحو 2.263 مليون متعطل عن الربع السابق بانخفاض بلغ 104 آلاف متعطل بنسبة 4.6%، وانخفاض بلغ 26 ألف متعطل عن الربع المماثل من العام السابق بنسبة 1.2%.
وأوضحت البيانات أن حجـم قوة العمل سجل 31.397 مليون فرد مقابل 31.101 مليون فرد خلال الربع السابق بنسبة زيادة مقدارها 1.0%، وهو ما قد يكون إشارة إلى زيادة في نسبة النساء كذلك وإن كانت ضئيلة.
تستمر نسمة وليلى في محاولاتهما اليومية للتغلب على آثار ارتفاع الأسعار وثقل حمولة الأعباء المادية على كواهلهما، فليس أمامهن طريق سوى الاستمرار فهو "أحسن من بلاش"، غير أنهما تأملان في تحسين أوضاع عملهما والمساواة مع الرجال.