تصميم: يوسف أيمن

بين الدولا والداية.. لماذا نحتاج لدعم غير طبي في الولادة الطبيعية

منشور الخميس 27 فبراير 2025

قبل عام وشهرين، خضت تجربة ولادة طارئة بعدما مات جنيني في بطني. لجأت إلى واحد من المستشفيات الحكومية القريبة من منزلي، لكنهم لم يسمحوا لعائلتي بمرافقتي، تركوني وحيدة وحزينة دون نصائح أو إرشادات. لم تكن لدي خبرة مسبقة ولا معلومات واضحة عن مراحل المخاض. لم يكن هناك سوى طبيبة تدخل بين الحين والآخر لتقيس اتساع الرحم ثم تخرج وتتركني كما أنا. 

في محاولة للحصول على مساعِدة لا تخالف قوانين كشك الولادة، اتصلت بصديقتي طبيبة التحاليل، فكرتُ أنه قد يكون لديها خبرة، ومهنتها قد تمكنها من دخول المستشفى.

لعبت صديقتي دور "الدولا" معي أثناء رحلة المخاض؛ علمتني طرق التنفس الصحيحة التي تساعد على الاسترخاء وتقلل الإحساس بألم المخاض، حتى أنها ساعدتني في دفع الطفل الميت للخروج، ولولا وجودها لما استطعت اجتياز ساعات المخاض. كما أنها قدمت دعمًا نفسيًا لمساعدتي على تجاوز مشاعر الألم والحزن.

الدور الذي لعبته صديقتي دون ترتيب أشعل رغبتي في البحث المتعمق لمعرفة دور الدولا؛ رفيقة النساء في الحمل والولادة، ولماذا نحن بحاجة لدعم غير طبي في رحلتنا للأمومة؟

ما هي الدولا

عرفت أن الدولا/doula، التي تُسمى أيضًا رفيقة المخاض أو مساعدة الولادة، هي أخصائية مُدرّبة على الولادة تقدم الدعم العاطفي والنفسي والفعلي للمرأة الحامل التي تنتظر مولودها، أو التي تمر بمخاض، أو التي ولدت حديثًا، والغرض من دورها مساعدة النساء على الحصول على تجربة ولادة آمنة.

وَجَدتُ دراسات تشير إلى أن النساء اللاتي حصلن على دعم مستمر أثناء المخاض كنَّ أقل عرضة لاستخدام مسكنات الألم، خصوصًا حقنة الإبيديورال، بالتالي أقل عرضة لإجراء عمليات ولادة قيصرية. كما أنهن اختبرن مخاضًا أقصر وولادات طبيعية من دون تدخلات طبية، وهو ما له أثر إيجابي على أطفالهن، ويكونون أقل عرضة لضعف العلامات الحيوية بعد 5 دقائق من الولادة. كما أن الأمهات الحاصلات على دعم نفسي في المخاض أكثر رضا بشكل عام عن تجارب ولادتهن.

كما حدث معي، انتبهت نرمين إبراهيم التي تعمل دولا متخصصة إلى دور رفيقة المخاض من خلال تجربتها الشخصية حين مرت بولادةٍ "صعبة"، شهدت تدخلات طبية لم تكن ضرورية على يد طبيب لا يدعم الولادة الطبيعية. 

"عشت ساعات من الرعب والتوتر، وبعد 12 ساعة وطاقم المستشفى خوفوني إنهم هيضطروا يفتحوا قيصري"، تقول نرمين التي خرجت من هذه التجربة ولديها إصرار على ضرورة تسليح الأم بمعلومات تساعدها أثناء فترة الحمل وتعرفها بحقوقها أثناء الولادة.

قررت نرمين دراسة التثقيف والتدريب على الولادة الطبيعية، لتصبح استشارية رضاعة ودولا ومدربة ولادة طبيعية بطريقة الـ hypnobirthing وهي طريقة لإدارة الشعور بالألم والتحكم به أثناء الولادة عن طريق التخيل والاسترخاء والتنفس.

دولا أم قابلة

تساعد الرضاعة الطبيعية على حماية الطفل من الأمراض

تختلف الدولا عن القابلة رغم أن كليهما تقدم المساعدة للنساء أثناء الولادة. والقابلة هي مولِّدة محترفة تحصل على تدريب طبي يمكنها من تولي عملية الولادة الطبيعية بأكملها بمفردها، وتولي رعاية الجنين خلال الساعة الأولى بعد الولادة، وإسعافه، دون طبيب. وفي مصر تعرف بـالداية أو "المولدة".

أما الدولا، فدورها مساعدة الأم على إدارة الألم، وإجراء التمرينات والخطوات التي تساعدها على تسريع أو إبطاء عملية الولادة، حسب الحاجة. لكنها لا تتولى عملية التوليد بمفردها. 

تعتقد نرمين أن متطلبات العصر الحديث تستدعي إتمام عملية الولادة بسرعة، فالمستشفيات غير مجهزة لتقديم الدعم الطويل والمستمر للنساء، لذا يستسهل الأطباء "القيصري، بيخلص في نص ساعة، ماحدش هيقعد جنب واحدة بتولد طبيعي ممكن ولادتها تاخد يومين". 

في أمريكا، عام 2007 وثقت ثلاثة نساء تجربة ولادة صديقة لهن في فيلم تسجيلي شهير بعنوان The Business of Being Born، قدمن من خلاله تحقيقًا استقصائيًا كشف عن كيفية تدريس الولادة في كليات الطب، واقتصادات إدارة المستشفيات التي تقتضي خلو الأسرَّة بأقصى سرعة حتى تتسع للزبائن الجدد، ومن هنا يتم حقن النساء بالبيتوسين والأوكسيتوسين، أو ما يُعرف بالطلق الصناعي الذي يُضاعف الألم، ومن هنا تبدأ دورة كاملة تؤثر على الأم والجنين.

في مواجهة آلام الطلق الصناعي "غير الطبيعية" تطلب النساء إما حقنة الإبيديورال التي تُفقد الأم القدرة على الحركة، بالتالي القدرة على التحكم في ولادتها ودفع الجنين "الحزق"، بما يعرضها لقطع فتحة الفرج بمشرط الطبيب/episiotomy أو استخدامه الملقاط/foreceps لشد رأس الطفل، أو تتجه مباشرة للولادة القيصرية لإنهاء الأمر برمته بسرعة.

نجحت مجموعات الضغط النسائية بعدد من البلاد، بالأخص إنجلترا وأمريكا، في نشر الوعي بأن المرأة الحامل ليست "مريضة"، ولا تحتاج مستشفى وطبيبًا وتدخلًا جراحيًا طالما كان وضع الجنين طبيعيًا ومؤشرات وفحوصات متابعة الحمل طبيعية. وبالتالي انتشرت "مراكز الولادة" المعتمدة، بل وضمت المستشفيات العامة القابلات/midwifes لطواقم التمريض، وتم إدراج الولادات المنزلية مع قابلة معتمدة ضمن منظومة التأمين الصحي في بعض البلدان والولايات. 

https://www.youtube.com/watch?v=4DgLf8hHMgo&t=3s

أما في مصر، فارتفعت نسبة الولادات القيصرية لـ72.2% عام 2021 في مقابل 51.8% عام 2014 حسب نتائج المسح الصحي للأسرة المصرية للعام 2021. هذه الأرقام تؤكد على أن الحاجة ملحةٌ لانتشار وظيفة الدولا في المجتمع المصري لتقديم الدعم والمساندة للأمهات اللاتي يرغبن في الولادة الطبيعية.

تقدم الدولا الدعم العاطفي في مختلف تجارب الولادة مثل الإجهاض

تدرك الدولة ذلك، وعليه فهي تحاول إعادة دور القابلات إلى المنظومة الطبية لتقليل عدد الجراحات القيصرية بدون داعٍ طبي، وهو ما تؤكده الدكتورة كوثر محمود نقيبة التمريض وعضوة مجلس الشيوخ، وترتب عليه إدراج تخصص القِبالة في المناهج التعليمية في جميع كليات التمريض، كما سيتم تسجيلهن في نقابة التمريض وتغيير مسماها إلى "التمريض والقبالة".

وفي عام 2023 نفذت منظمة الصحة العالمية بالتعاون مع وزارة الصحة والنقابة العامة للتمريض ورشة عمل تحت عنوان "استراتيجية القِبالة في مصر وصحة وتنمية الأسرة" بهدف المساهمة في خفض معدلات الولادة القيصرية من خلال تمكين القابلات المؤهلات علميًا وعمليًا.

تجارب النساء

مع زيادة الوعي، بدأت النساء الباحثات عن ولادة طبيعية في مصر الإقبال على إيجاد دولا ترافقهن خلال الرحلة التي تبدأ بوضع "خطة ولادة" مناسبة للأم، مع الإقرار بأن تلك الخطة قابلة للتعديل حسب الظروف، ولكن تبدأ الرحلة من نقطة بداية تناسب الأم.

وكما تشرح نرمين إبراهيم فإن "الدولا بتخلق للست مساحة آمنة بداية من تحديد مين يدخل ويخرج من الأوضة لحد إيه طريقة اللمس المريحة بالنسبالها، بالإضافة للمساج والتشجيع اللفظي والحمامات الدافية والكمادات والبطانيات".

لعل أهم دور تلعبه الدولا هو مساعدة الأم على إدارة الألم، ما يتطلب الوقوف والمشي والجلوس والانحناء بأوضاع محددة، لا يمكن للأم ممارستها وهي في الفراش موصلة بخراطيم المحاليل.

تقدم الدولا أيضًا الدعم العاطفي في تجارب الولادة المختلفة مثل الإجهاض أو ولادة جنين ميت أو خلال فترة ما بعد الولادة كما حدث مع إحسان متولي التي عانت من اكتئاب ما بعد الولادة بسبب وفاة وليدها أثناء ولادته لكن الدولا ساعدتها في تخطي أزمتها من خلال دمجها في جلسات دعم نفسي مع أمهات أخريات مررن بتجربة مشابهة، وقدمت الدولا النصح لعائلة إحسان لتخطي هذه المرحلة الصعبة.

في حملها الثاني استعانت إحسان بالدولا نفسها من بداية الحمل حتى الولادة، "أخدت معاها كورس في الرضاعة الطبيعية وتغذية الطفل وتغذية فترة النفاس وتدريبات تانية كتير لحد ما تم ابني سنتين".

على عكس الأطباء والممرضات المعتمدات الذين لديهم سنوات من التدريب الطبي لا توجد تدريبات "طبية" خاصة للدولا، حسب نرمين إميل التي تملك خبرة 6 سنوات في المهنة، وتدربت على يد دولا أمريكية تعيش في مصر كانت مرافقتها الخاصة في ولادتها الأولى.

توضح نرمين أن "الدكاترة في البداية كانوا بيختلط عليهم الأمر حوالين طبيعة شغلنا كمرافقات وماكنش مرحب بينا أثناء الولادة. لكن مع شهرة المهنة وتزايد عدد مرافقات التوليد بدأ الأطباء الداعمين للولادة الطبيعية يرحبوا بوجودنا ويسهلوا دخولنا مع الأمهات وشغلنا".

نرمين إميل، دولا متخصصة أثناء ولادة طفلها

حسب ما انتهت إليه الدراسات، وجود الدولا عضوًا في فريق الولادة يقلل من معدل اللجوء إلى القيصري بنسبة 50%، ومن طول مدة المخاض بنسبة 25%، ومن استخدام الطلق الصناعي بنسبة 40%، وطلبات التخدير فوق الجافية أو الإبيديورال بنسبة 60%.

أطباء داعمون للولادة الطبيعية

يشمل دور الدولا ترشيح أطباء يدعمون الولادة الطبيعية، وحسب نرمين إميل فـ"الدكاترة اللي بتفضل الولادة القيصرية عندهم جمل محفوظة زي تحفيز الولادة، طلق صناعي، البكرية هتحتاج قص العجان، المشيمة متكلسة، حوضك ضيق، انتي قصيرة، جنينك كبير، الحبل السري لافف على رقبته، وغيرها، ودايما بنوعي الستات لو سمعتي حاجة من دي غيري الدكتور". 

في سبيلها للعثور على طبيب يدعم خياراتها في الولادة الطبيعية، بحثت شيماء متولي طويلًا، "رحت لتلات دكاترة واحد قاللي معنديش وقت، والتاني قاللي إني أنا مش هاستحمل وجع الطلق، وآخر واحد قال لي إن حوضي ضيق ما ينفعش أولد طبيعي".

لجأت شيماء لدولا صممت لها برنامجًا للولادة الطبيعية تضمن تمارين رياضية لرفع لياقتها البدنية وتقوية عضلات الحوض ومرونتها، وتمارين التنفس إلى جانب دورات تثقيفية للتغذية السليمة خلال مراحل المخاض ومعرفة حقوقها أثناء الولادة.

نجحت خطة شيماء، تمت الولادة كما أرادتها في غرفة هادئة دون زوار مع توفير الأطعمة والمشروبات التي تمدها بالطاقة "لما اشتد عليا الألم طلبت أولد قيصري بس الدولا شجعتني أتحمل وأولد طبيعي زي ما خططت".

يكتسب دور الدولا أهمية أكبر مع النساء اللواتي خضن تجارب ولادة أولى قيصرية، ويرغبن في أن يلدن طبيعيًا. في الإسكندرية، تساعد روان أشرف الأمهات في الولادة الطبيعية بعد تجربة القيصرية، وهو أمر لا يشجعه غالبية الأطباء لما فيه من مخاطر.

بدأت قصة روان هي الأخرى من تجرية شخصية، فخلال حملها الثاني، كانت تبحث عن طبيب يشجعها على الولادة الطبيعية بعد ولادة أولى قيصرية. وبعد معاناة، عثرت على طبيبة أصبحت هي السبب وراء عملها دولا "هي إللي دربتني، واشتغلت في المستشفى بتاعها".

نجحت روان في مساعدة عدد من الأمهات في الولادة الطبيعية بعد القيصرية، "مفيش شيء مستحيل على جسم الست، ربنا خالقنا ومهيأنا للولادة، وتجربة الولادة الجراحية مش آخر الدنيا، جسمنا ممكن يستعيد طبيعته تاني".

تبدأ علاقة الدولا مع العميلة قبل أشهر قليلة من ولادة الطفل، خلال الثلث الأخير من أشهر الحمل، في هذه الفترة تكون الفرصة متاحةً للأم لمشاركة كل مخاوفها واهتماماتها، ويكون هناك وقت كافٍ للاستعداد. يتطلب عمل الدولا أن تكون متاحة للرد على الاستفسارات والتعامل مع الهواجس والمخاوف في أي وقت.

يبدو أن ما تحتاجه النساء خلال عملية الولادة هو دعم امرأة أخرى، ومن أجل هذا تقدم نرمين إميل خبرتها لغيرها من النساء "دلوقتي بمرن الستات اللى عايزين يبقوا دولا في محافظات الشرقية والدقهلية ومحافظات تانية لتعميم الفكرة والوظيفة في مصر كلها".

أما أنا فقررت الاستعانة بدولا في حملي القادم، لأحصل على دعم متخصص خلال رحلة الولادة الطبيعية.