تصميم أحمد بلال، المنصة، 2024
تخضع النساء لعمليات التجميل من أجل الحصول على أجساد تناسب مقاييس الجمال التي تتغير من زمن لآخر

تحت "تأثير كارداشيان".. نساء يخضعن للتجميل بأمر سي السيد

منشور الخميس 29 أغسطس 2024 - آخر تحديث الخميس 29 أغسطس 2024

لم تكن سهى عبد الرحمن تتخيل حين قبلت بزواج الصالونات من رجل ميسور الحال يكبرها بعشرة أعوام، أنها ستدخل غرفة العمليات عدة مرات وهي لا تزال في العشرينات من عمرها،  لمجرد إرضاء رغباته وتصوراته الشخصية عن جسد فتاة أحلامه. 

"قال لي أنا خدتك عشان وشك عجبني، ما كنتش أعرف إن جسمك وحش كدا، انتي مش نفعاني، انتي مش زي الستات" تقول سهى لـ المنصة.

سهى تزوجت قبل 4 سنوات وهي في الثالثة والعشرين من عمرها، تقول "أول ما شافني بعد الجواز اتصدم، رغم إني وزني كويس بس هو كان عايزني شكل تاني"، توضح "زي الستات اللي بيشوفهم في أفلام البورنو اللي بيتفرج عليها".

خلال العام الأول من زواجها كانت على وشك الطلاق، لكن أهلها تدخلوا لمنع وقوعه، بعدما عرض الزوج أن يتكفل بمصروفات إجراء عملية تجميل لتكبير المؤخرة عن طريق حقن الدهون.

غير أن جسدها لم يتقبل الدهون مما اضطرها إلى إعادة شفطها، ليجبرها على الخضوع مرة أخرى لمشرط الجراح من أجل خصر منحوت "الدكتور فتح فتحة صغيرة دخل أنبوبة شفط دهون" تقول سهى.

ونحت الخصر عملية تجميلية لإصلاح ومعالجة العيوب في منطقة الخصر، وتوجد تقنيات مختلفة لتنفيذها؛ كالإجراءات التوغلية مثل الجراحة التي تستغرق عدة ساعات وتحتاج أسابيع للتعافي، وتتسبب في مضاعفات جانبية، وهناك التقنيات غير التوغلية أو طفيفة التوغل كالليزر البارد أو ثلاثي الأبعاد أو الموجات الصوتية وفوق الصوتية أو تجميد الدهون، وهي أعلى تكلفة لكنها لا تحتاج إلى وقت طويل للتعافي. 

تجميل بالأمر 

تعكس حالة سهى واقع الكثير من النساء اللاتي يركضن لاهثات في ماراثون الحصول على جسد مثالي من أجل إرضاء أزواجهن، خاصة عندما يكون الزوج قادرًا ماديًا على تحقيق ما يتمنى، كما فعل زوج سهى الذي تكفل بإجراء عدة عمليات تجميل في سبيل تشكيل جسد مثالي. 

يدعم المجتمع تملك الرجل لجسد زوجته فيصبح من حقه إصدار أحكام على شكلها

ذلك ما دفع أماني محمود لإجراء عملية تجميل في الجهاز التناسلي بعد شهرين فقط من زواجها، لتوريد المهبل والشفرات بالليزر وتبييض منطقة البيكيني.

ورغم أنها باعت الذهب الذي تملكه وأجرت العملية، فإن متاعب الشابة ذات الأعوام الـ26، التي تعمل مدرسة، بدأت للتو "خلصنا من لون المنطقة الحساسة اللي مش عاجبه، بقى بيتريق عليا عشان إيديا رفيعة وصدري صغير، محسسني دايمًا بالنقص، بيقولي كلام جارح زي انتي فاكرة نفسك ست؟" تقول أماني لـ المنصة

خلال سنوات عمله قابل الدكتور سراج منير زيدان، استشاري جراحة التجميل، الكثير من النساء اللواتي يقصدن عيادته لأن "أزواجهن متطلبون ويسيئون لمظهرهن الجسدي".

"في الحالة دي بنصحهم ما يعملوهاش، التجميل اللي بيتعمل عشان يحسن الجوازة، ما بيحققش هدفه" يبرر زيدان أنه لا يتعامل مع الحالات التي يتصرف فيها الأزواج مع زوجاتهن باعتبارهن "فساتين عايزين يفصلوها على مزاجهم".

ينصح سراج الأزواج في هذه الحالات بالذهاب لأخصائي علاقات زوجية ومعالج نفسي. ويوضح استشاري جراحة التجميل "الحالة التي بوافق عليها لما تكون الست هي صاحبة القرار، ومش جاية بسبب تنمر وضغط من الزوج، لأنها وحدها المسؤولة عن جسمها"، مشيرًا إلى ما تتعرض له من تخدير وآلام ما بعد العملية، واحتمالية وقوع مضاعفات للجراحة حتى لو كانت فرصة حدوثها لا تتعدى واحدًا بالمليون. 

قولبة النساء 

تمثل عمليات التجميل بشكل عام مزاج المجتمع الذي يميل إلى قولبة النساء وفرض الوصاية على أجسادهن، حسب انتصار السعيد، المحامية ورئيسة مجلس أمناء مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، وصاحبة مبادرة رعاية طبيّة آمنة للنساء، تقول لـ المنصة "يدعم المجتمع تملك الرجل لجسد زوجته، فيصبح من حقه أنه يصدر أحكامًا على شكلها وجسمها".

من واقع خبرتها مع النساء وقضاياهن كانت انتصار شاهدة على العديد من النساء اللواتي خسرن صحتهن في سبيل إرضاء خيال أزواجهن. تضيف "مالهاش علاقة بطبقة معينة، الحالات دي في كل الطبقات الاجتماعية، مدعومة بثقافة مجتمعية خاطئة بإن من حق الزوج عليها أن تصبح على الهيئة التي يريدها، ما دام سيتحمل التكاليف المادية"، وهو ما يدفع النساء للاستجابة خوفًا من خسارة الزوج ونظرة المجتمع دون الالتفات إلى الأضرار الطبية.

وترى لمياء لطفي، الباحثة في قضايا المرأة والنوع الاجتماعي، أن عمليات التجميل تقتصر على الطبقات الاجتماعية الميسورة اقتصاديًا، وتضيف لـ المنصة "في الطبقات الفقيرة بتتعرض النساء للزن عشان تخس وإلا تتطلق، لكن ما بتوصلش للعمليات".

مع ذلك، تبقى الفكرة ذاتها حول امتلاك جسد الزوجة "فضلًا عن ضغوط المجتمع التي تبرر للرجل تعدد العلاقات لو مراته مش حلوة ومش مالية عينه، غير الفكرة بتاعت إن التخينة مش هتتجوز أصلًا".

تأثير كارداشيان 

تتأثر نظرة المجتمع للمرأة والجسد المثالي بمقاييس الجمال التي تتغير من زمن لآخر، غير أنها تظل حاكمة ومسيطرة في وقتها، في عام 2007، بُثت الحلقة الأولـى من المسلسل الـواقعي Keeping Up With the Kardashians لتتضاعف أعداد المتابعين، وتصبح الصورة الجسدية لأجساد الأخوات كارداشيان محورًا متكررًا للمجلات الأسبوعية الشهيرة، ما أدى لظهور مصطلح  تأثير كارداشيان Effect Kardashian، الذي صاغه دكتور ماثيو شولمان جراح التجميل في مدينة نيويورك، لوصف الحالات التي تلجأ لجرَّاحي التجميل من أجل الحصول على النحت وحَقن القوام ليشابه كيم كارداشيان. 

الهوس بالجمال قد يدفع الفتيات للعمليات الجراحية غير الضرورية

ترى أسماء حفظي، استشارية الصحة النفسية والعلاقات الأسرية، أن هذه المقاييس والقوالب تؤثر على تصورات الأشخاص عن مواصفات الزوجة المستقبلية، كما يكرس إدمان الإباحية لمعتقدات خاطئة بخصوص الزواج وجسد المرأة والعلاقة الزوجية ومعايير السعادة.

تقول أسماء لـ المنصة "فيه ثقافة عندنا بتلخص الجواز في السرير، وده اللي بيخلي الست تبقى مركزة إن جمالها وجسمها هو اللي هيخلي جوزها يحبها وينفذ كلامها، وده سبب إن البنات بتروح تعمل إزالة الشعر الزائد بالليزر وتفتيح الجسم والمنطقة الحساسة وشفط الدهون قبل الفرح"، محذرة من أن يدفعهن الهوس بالجمال لخوض سلسلة من العمليات الجراحية. 

لا  تقلل أسماء من أهمية الرضا المتبادل بين الزوج وزوجته في علاقتهما الجسدية "مهم إن الراجل يصارح مراته بالحاجات اللي بتسبب له نفور من العلاقة الزوجية، بس مش لدرجة حاجات تضطرها تعمل عمليات". وتشير  إلى أن الدافع وراء الشكوى قد يكون تنفيسًا عن غضب الرجل وإحباطه من تقصيرها في الناحية العاطفية أو عدم الاهتمام بمظهرها أو في الأعمال المنزلية، فيريد حصارها نفسيًا في زاوية النقص ليدفعها لمحاولة التعويض عنه. 

"وده ما ينفيش إن فيه نسبة من الأزواج مش أسوياء نفسيًا وبيهينوا الست ويفقدوها ثقتها في نفسها عشان تفضل خاضعة ليهم وما تطلبش الطلاق، عشان مش هتلاقي اللي يتجوزها ويقبل بيها"، تستطرد أسماء. 

ربما يكون هذا هو السبب الذي دفع سهى للاستمرار في الزواج، فضلًا عن ضغط أهلها. ورغم ما عانته بعد عمليتها التجميلية من آثار وندوب فإن زوجها هجرها في الفراش 3 أشهر "قالي صرفت عليكي ومفيش فايدة، واحد غيري كان وفر حق العمليات وخد واحدة تانية، قولت له ما كنت تطلقني وتاخد واحدة تانية". 

اكتشاف سهى أنها حَامل في الشهر الثاني أجبرها على العودة للزوج بعد أن فضلت الابتعاد عنه، غير أنه عاد للتعليق على شكل جسدها المترهل إثر الحمل والولادة ما أدى لتدهور حالتها النفسية، فطلبت هي منه هذه المرة أن يأخذها للطبيب لشد الترهلات وإجراء عملية أخرى لحقن سيليكون في الثديين والأرداف. 

ومع ما عانته سهى من آلام العمليات الجراحية، إضافة إلى الآلام النفسية التي لا تشفى منها، اتخذت قرارًا بألا تعيد تجربة الحمل والولادة، "خدت قرار ما أخلفش تاني عشان ما أبوظش جسمي تاني".

أما أماني فاكتشفت أنها ضحية لعلاقة سامة وشريك نرجسي يتعمد إهانتها وإفقادها الثقة في نفسها؛ لذا اختارت الطلاق بعد أقل من عام على زواجها، على أمل العثور على شريك حياة آخر يتقبلها كما هي.