يبيع محمد عبد المجيد، الذي يعمل صيدليًا، كل يوم، أنواعًا مختلفة من أدوية منع الحمل، فحجم الطلب عليها كبير، مع ذلك لا تستخدم زوجته أي وسيلة منها.
بعد إنجاب طفلهما الثاني رفضت زوجته استخدام وسيلة لتحديد النسل بعد تجربة سابقة لها مع الأقراص عانت خلالها، حسب محمد، من الاكتئاب وزيادة في الوزن واضطرابات هرمونية مزعجة، وطلبت منه أن يتصرف.
ما كان من الصيدلي الشاب إلا استخدام واقٍ ذكري، يقول محمد لـ المنصة "وسيلة آمنة بنسبة كبيرة في منع الحمل، ومع ذلك لا يفضل بعض الرجال استخدامه".
من واقع خبرته، يرى محمد الذي يبلغ من العمر 32 عامًا أن ثقافة استخدام الواقي الذكري لم تنتشر في مصر بالشكل الكافي مقارنة بالوسائل التي تستخدمها النساء، "الرجالة بيعتمدوا ع الستات في النقطة دي".
مسؤولية مشتركة
تؤكد الإحصاءات العالمية ما يقوله محمد، إذ تشير دراسة أجرتها الأمم المتحدة إلى أن ما يزيد عن ثلث الأزواج في سن الإنجاب في جميع أنحاء العالم لا يستخدمون أي وسيلة لمنع الحمل على الإطلاق، وعند استخدامها، فإن وسائل منع الحمل النسائية هي الخيار الأكثر شيوعًا.
تعتبر وسائل منع الحمل الخاصة بالرجال بشكل مباشر أقل استخدامًا؛ يستخدم 8% الواقي الذكري و2% فقط يخضعون لعمليات قطع القناة الدافقة. الحقيقة التي دفعتنا لمحاولة البحث عن إجابة للسؤال: لماذا لا يستخدم الرجال وسائل منع الحمل، ومتى سيتحمل الرجال مسؤوليتهم في العملية الإنجابية؟
من وجهة نظر محمد، الصيدلي، يخشى الرجال تجربة أي دواء لتحديد النسل لاعتقادهم أنه قد يؤثر على الخصوبة، يقول "أعرف رجالة بتخاف تروح تكشف عند دكتور ذكورة وتناسلية وتاخد دوا وبتيجي تسألني".
يرفض الأربعيني إسلام الصاوي، الذي يعمل مهندسًا، استخدام واقٍ ذكري وسيلةً دائمةً لتحديد النسل لأنه يعتقد أنها مسؤولية زوجته، يقول لـ المنصة "أنا مش متعود على استخدامه، وزوجتي طلبت مني مرة أستخدمه لكني رفضت فقررت هي استخدام الحبوب".
تختلف وسائل منع الحمل للرجال، من الواقي الذكري مرورًا بحقنة منع الحمل وقطع القنوات الدافقة للسائل المنوي، وصولًا إلى حبوب منع الحمل للرجال التي لا تزال قيد التجارب حتى الآن.
يؤكد الصاوي أن أغلب أصدقائه لا يعرفون شيئًا عن وسائل منع الحمل الخاصة بالرجال "بدري أوي في مجتمعنا العربى نجرب شيء جديد ومش موثوق منه طبيًا زي الحقن".
قبول المجتمع
لا توجد في مصر إحصائيات رسمية لعدد الرجال الذين سمعوا عن وسائل منع الحمل الذكورية ولا مدى قبولهم تحمل مسؤولية تحديد النسل، ما دفعنا لعمل استطلاع رأي إلكتروني استهدف الرجال من أعمار بين 29-45 سنة، شارك فيه 205 رجال مصريين من مختلف محافظات مصر، يتنوعون ما بين مجتمع المدينة والريف والمجتمع الصعيدي والبدوي.
استهدفت الأسئلة الوقوف على مدى معرفتهم بالوسائل، ومدى قبولهم استخدامها، والأسباب التي تحول دون ذلك.
كشفت الإجابات عن رفض استخدام وسائل تحديد النسل، وسببه الرئيسي هو محدودية المعلومات المتوفرة عن الآثار الجانبية لهذه الأدوية، في حين أن الوسائل المخصصة للنساء مشهورة ومتنوعة وأكثر أمانًا من وجهة نظرهم.
كما أشارت النتائج إلى أن نسبة كبيرة من العينة يرفضونها، معتبرين أنها تنتقص من الرجولة، كما يخشون تأثيرها على قدرتهم الجنسية. وأقر 58% من الرجال بأنهم سمعوا عن وسائل تنظيم النسل الذكورية من قبل بواقع 115 رجلًا من أصل 205.
وعلى الرغم من أن 69.3% رأوا أن للرجال دورًا ومسؤوليةً في عملية تنظيم النسل مع شريكاتهم؛ وافق 21% فقط على استخدامها بدلًا من زوجاتهم، ورجح 10% استخدامها في حال لم تكن لها آثار جانبية ضارة، بينما رفض الجزء الأكبر تجربتها.
كما هو الحال مع هشام نجيب الذي تجاوز الأربعين ويعمل مدرسًا، يقول لـ المنصة "مستحيل مايكونش لها آثار جانبية خصوصًا الأدوية الهرمونية، أنا ما أفضلش أن الستات تاخد دوا برضه بسبب أثره المستمر"، ويستدرك "ممكن وسائل طبيعية ومضمونة زي الواقي الذكري".
كيف تعمل الوسائل الذكورية؟
يشرح الدكتور حسن الفكهاني أستاذ الذكورة والعقم بكلية الطب جامعة المنيا لـ المنصة طرق عمل وسائل منع الحمل الذكورية، ويقسمها إلى هرمونية وأخرى غير هرمونية، يقول "تعمل وسائل منع الحمل الهرمونية للرجال عن طريق تقليل مستويات هرمون التستوستيرون في الخصيتين، وتحتوي الوسائل التي تمت دراستها في التجارب السريرية على إعطاء هرمون التستوستيرون خارجي مع هرمون البروجستين لقمع الإنتاج الداخلي لهرمون التستوستيرون وتكوين الحيوانات المنوية، ويتم ذلك إما عن طريق حقنة أو زرع شريحة أو حبوب فموية أو لصقات".
وتعمل وسائل منع الحمل غير الهرمونية، حسب أستاذ الذكورة والعقم، بشكل مباشر، على إعاقة حركة الحيوانات المنوية، وتؤخذ عن طريق الحقن وتستمر فاعليتها لمدة عشر سنوات.
أما الوسيلة الأخرى فهي عملية ربط الأسهر أو القنوات الدافقة للحيوانات المنوية وإغلاقها بحيث لا تتمكن الحيوانات المنوية من دخول القناة بشكل مؤقت أو بشكل دائم.
مسألة حريمي
يعتبر بعض الرجال أن التركيز على هذا الموضوع أمر لا يهم الرجال، كما هو الحال مع محمد الأسيوطي، يقول لـ المنصة "مافيش وقت للحاجات دي، دي حكاية تخص الستات، إحنا اللي علينا نجيب الفلوس".
ووصف الأسيوطي، الذي يبلغ من العمر 33 عامًا، استخدام الرجل وسائل منع الحمل بـ"العيب والغريب"، مبررًا "يتكون جسد المرأة التناسلي من بويضتين سهل التحكم في عملهما، ولكن كيف يمكن منع ملايين الحيوانات المنوية من اختراق البويضات للتخصيب بدون تأثير في الرجل".
ويضيف "ليه أجرب أدوية غريبة وجديدة لما في وسائل آمنة للستات، حتى أضرارها معروفة وممكن نعالجها، أما الذكورية فغير معروفة وغير مضمونة".
يمثل الأسيوطي صوتًا رئيسيًا في الآراء المنتشرة بين الرجال، بخصوص قضية موانع الحمل، فالواقي الذكري في العرف الشعبي يقلل القدرة الجنسية ويقلل المتعة.
وهو السبب الذي يدور حوله رفض زوج علا أحمد، تقول لـ المنصة "حجته إنه مش مُجدي ومش مريح وبيقاطع العفوية الجنسية". وتضيف "رجالة كتير زي جوزي، إزاى نقنعهم يستخدموا وسيلة منع حمل سواء حبوب أو حقن؟ الموضوع محتاج أجيال عشان الثقافة دي تتغير".
فيما ينفي الفكهاني أستاذ الذكورة، موضحًا "ليس لها تأثير على الخصوبة أو القدرة الجنسية والإنجابية، وتقتصر الأعراض الجانبية لاستخدام الوسائل الهرمونية على تقلب المزاج، وظهور حب الشباب، وزيادة أو نقص في الرغبة الجنسية، أما الحقن فقد تحدث تورمًا مؤقتًا في الخصيتين".
الترويج أولًا
الحديث عن المسؤولية المشتركة فيما يخص الصحة الإنجابية لا ظل له على الأرض في مجتمع يسيطر عليه الرجال، رغم محاولات متناثرة من مبادرات نسوية لنشر المعرفة عنه، كالحملة التي أطلقتها مؤسسة "براح آمن" باسم مش بس للستات.
وحملة ماما تحت الأنقاض التي أطلقتها مبادرة "أنثى"، مستهدفة النساء في الريف للتعريف بأضرار حبوب منع الحمل على النساء بعد سن الـ35. سلطت الحملة الضوء على الوسائل الآمنة التى يجب أن يستخدمها الرجال.
تعزو سارة كحلة، الناشطة النسوية ومنسقة مبادرة "أنثى" عدم اهتمام الرجال بتنظيم الأسرة لـ المنصة إلى تركيز الحملات الرسمية الخاصة بتنظيم الأسرة على النساء في المقام الأول، وإسناد دور الإنجاب وتربية الأطفال إلى المرأة فقط.
تعتقد سارة أن التوقعات الاجتماعية للرجال عن دورهم في الأسرة يقتصر على كسب المال، ومحاولات استخدام الوقت المحدود لمناقشة تنظيم الأسرة يعتبر مُرهقًا وفارغًا.
تقول كحلة "الرجالة بترفض الواقي الذكري والستات دايمًا هى اللي بتتورط، لأن الراجل يقدر يخلع في أي وقت".
غير متحملين للمسؤولية
فيما ترفض الثلاثينية نورا رجب الاعتماد على زوجها في مسألة تحديد النسل، تقول لـ المنصة "أنا ممكن أستحمل أثر الوسيلة اللي بستخدمها من تغير في المزاج واكتئاب وزيادة وزن لكن ماعتمدش على جوزي ياخد وسيلة بدل مني عشان أكيد هينسى مرة ياخدها وأدّبس أنا في حمل مش مقصود، الموضوع صعب".
نورا لديها طفلان، وتعلم جيدًا عواقب الحمل غير المخطط له، وتصدق أن النساء أكثر مسؤولية من الرجال في عملية تنظيم النسل "لأنها هي اللي بتتحمل وحدها عواقب نسيان استخدام الوسيلة من حمل غير مقصود أو إجهاض وتربية وغيرها"، حسب قولها.
ورغم التقارير الطبية المشجعة وتأكيد الأطباء على أمان استخدام الرجال لوسائل منع الحمل، فحبوب منع الحمل المخصصة للرجال لا تزال مجمدة ولن تكون في الأسواق العربية في الوقت القريب بسبب نقص التمويل ورفضها مجتمعيًا.
يستخدم محمد بجانب الواقي الذكري أسلوب العزل الطبيعي، لأنه يعتقد أنه آمن له ولزوجته. يؤثر عمل محمد كصيدلي على رؤيته الأمور بالتأكيد، لهذا فهو على استعداد لتجربة أي دواء جديد لتحديد النسل بدلًا من زوجته في المستقبل.