منشور
الأربعاء 31 مايو 2023
- آخر تحديث
الأربعاء 31 مايو 2023
في فترة مراهقتي عَلِقَ في ذهني مشهدٌ من رواية لا أتذكر كاتبها، يقترب في أحد مشاهدها رجل من امرأته على الفراش، فتبتعد عنه وتهمس بخجل أنها تنزف، فيجيبها "وأنا أيضًا أنزف".
هنا بدأ شريط الذكريات يمر من أمامي متذكرًا كيس طحين أبيض فارغ، كانت أمي تشتريه من الفرن وتنفض غبار الطحين عنه، ومن بعد غسيله، تخيط لنا من الكيس بديل المحارم نستعملها في المدرسة، وأيضًا ثيابنا الداخلية. وأكثر ما كان يثير دهشتي أنها، أي أمي، تقص من الكيس قماشة مستطيلة وتهرب بها خلسة للحمام.
وفي مناسبة أخرى كنت أشاهد تلك القطعة مركونة بعلبة معدنية فارغة ومبللة بالدم، ركضت مرعوبًا نحو والدي وبيدي قطعة القماش لظني أن مكروها حدث لأمي، وما أن شاهد القماشة حتى كاد أن يتقيأ وشتم والدتي وكل النساء.
حتى يومنا هذا، هناك رجال يبتعدون عن نسائهم طوال فترة الحيض، ومنهم من لا يأكل من طبخ يديها، والبعض ينام في الصالون ريثما تنتهي تلك الدورة والملعونة عند البعض. وهناك رجال عندما تلد قريباتهم لا يهنئونها بالمولود إلا بعد أربعين يومًا من ولادتها، وحجتهم انتظارها حتى تصبح نظيفة من تبعيات الولادة.
في طفولتي، بعد اختراع الفوط الصحية، وضرب أمي لي وضرب والدي لها لأنني قلت لوالدي عن قطعة القماش المبللة بالدماء. كانت تعطيني قصاصة ورق مكتوب عليها كلمة "دليلة"، تضعها بيدي الصغيرة وتضغط عليها وتهمس لي أعطيها للحانوتي (صاحب المتجر) عندما يكون بمفرده.
يقول المثل الذكوري "كذب الرجال كحيض النساء"، وهنا أقول إن الرجل يحيض أيضًا
وقتها لم أشك في أخلاق والدتي، أو أن مضمون الرسالة، وهي عبارة عن كلمة واحدة "دليلة"، ليست سوى شفرة ما بين الحانوتي وأمي. بخطى مرتبكة انتظرت حتى خلى الحانوت إلا من صاحبه أبو الكرش، ناولته الورقة، وما أن قرأها حتى تغيرت ملامحه. ظننت وكأني سمعته يشتم نساء العالم كشتائم والدي. ثم ناولني علبة كرتون في كيس ورقي وهو قرفان. حين أعطيت العلبة لأمي بدت وكأنها تلقت مني هدية عيد الأم وفرحت مهرولة نحو الحمام. فركت أذني الصغيرة بقوة ونبهتني ألا أحكي لوالدي.
بعدها عرفت أن كلمة دليلة وتلك الكرتونة الخضراء عبارة عن فوط صحية، البديل عن كيس الطحين.
كانت ماركة دليلة أول معمل ببلدي سوريا يصنع تلك الفوط. عرفت ذلك من ابن جارنا الذي يكبرني بثلاث سنوات، والذي على الرغم من كونه الصبي الوحيد بين خمسة بنات، كانت والدته تصر على أن يقوم هو بتلك المهمة دون إخوته.
وتكرر هذا الأمر مرات، كل شهر تكلفني أمي بمهمة إيصال الرسالة للحانوتي أبو الكرش، والذي ما أن يشاهدني حتى يكاد يتقيأ، ثم يناولني علبة الكرتون من دون أن يتناول مني الورقة. في إحدى المرات، رأيت شقيقتي التي تكبرني بخمس سنوات خارجة من المدرسة مرعوبة وهي تضع يديها بين فخذيها. ركضت نحوها وشاهدت بقع الدم أسفل مريولها المدرسي، فصحتُ "من ضربك؟"، أجابت وهي مذهولة "لا أحد".
وعند وصولنا إلى البيت استقبلتها أمي وهي تلوم نفسها قائلةً "كان عليَّ تنبيهك كيلا تخافين كما حصل معي". وهمست لأختي بعيدًا عني "والله وصرتي بالغة". ثم قالت لي من دون أن تعطيني الورقة "روح لعند الحانوت واشتري لي علبتي محارم دليلة".
كذب الرجال
يقول المثل الذكوري "كذب الرجال كحيض النساء"، وهنا أقول إن الرجل يحيض أيضًا. كان رفاقنا الذين يكبروننا بسنوات قلية، وكي يعرفوا ما إذا كنا نمارس العادة السرية، يقولون إن من يمارس العادة السرية ينبت بين أصابع يديه الشعر.
وفي ردة فعل لا إرادية نفتح أصابع يدينا نفحصها. هنا يضحك علينا الكبار ويتأكدون أننا نمارس العادة السرية. كان أغلبهم يمارسها بالحمام إلاي، مارستها أول مرة بالخزانة/الدولاب، لأنه المكان المختلف والذي لا يعرف صلتي به سواي. أذكر وقتها أني انتشيت دون أن أحيض؛ أي أن يخرج سائل مني.
وقتها، وبعد خروجي من الخزانة بصعوبة، بعدما أغلقت عليّ وكدت أن أصرخ لإنقاذي ﻷن وزني سبب خللًا ببابها، قررت الانتقال إلى الحمام لممارسة العادة. يومها تطاير السائل المنوي، ونزل إلى بالوعة الحمام، رحت حينها أتمتم قائلاً "يا حرام طاروا أولادي من الطاقة ومات البعض منهم بمجرور الحمام".
ومع أول احتلام لي مع آنستي أم التنورة القصيرة وكأنني نمت معها على طاولتها في المدرسة وشيء لزج خرج بدلاً من البول، تذكرت بقع الدم على مريول أختي. فكرت أن أركض نحو أمي أناولها ورقة مكتوب عليها "دليلة" وأهمس بأذنها "وقت خروج الزبائن من عند الحانوتي أبو الكرش اشتري لي علبة دليلة".