مرآة عاكسة. لا كاميرات مراقبة في المكان. لست متأكدة كم كان عمري آنذاك، ولكن الأكيد أنني لم أكن تجاوزت ثلاثة عشر سنة، حين سرقت لصديقتي فوطة صحية.
يوم جمعة في أجواء صيفية خانقة في القاهرة، كنت مع صديقتي التي تكبرني بستة أشهر. فاجأتني بأن الدورة الشهرية جاءتها على حين غرة وليس لديها أي فوط صحية.
وبحُكم إننا من أبناء الطبقة فوق المتوسطة، كان مصروف كل منا حوالي 20 جنيهًا في العطلة الأسبوعية، وكانت سعر العبوة الصغيرة من الفوط الصحية وقتها حوالي 7 جنيهات ونصف. لا أذكر ماذا كانت ملابسات الحاجة يومها، ولكن أعتقد أننا صرفنا كل ما لدينا من نقود ولم يتبقى معنا سوى جنيه ونصف.
أخذتني صديقتي بعيدًا عن الآخرين وهمست في أذني أن الدورة جاءتها وليس لديها فوطة صحية. إذن علينا التحرك بسرعة. في المواقف المشابهة يكون أسهل حل أن نجد فتاة في المكان ونسألها إذا كان لديها واحدة زائدة عن حاجتها. لم يحالفنا الحظ في تلك الخطة فتوجب علينا إيجاد حل آخر.
دخلنا إلى المتجر الذي اعتدنا الذهاب إليه لشراء الحلوى والتسالي، وتوجهنا إلى الجانب المخصص للفوط الصحية. ألوان كثيرة، وردي وأزرق وأخضر وأبيض وبنفسجي، أحجام وأطوال بأجنحة و من دون، عبوات بها ستة وأخرى 12 أو 20.
حيرة رهيبة لأخذ قرار لم نأخذه من قبل. جرى العرف أن أمهاتنا يشترون لنا الفوط الصحية ونستخدم ما يُعطى لنا. لم نكن نعرف أن هناك خيارات أخرى أو أنه سيأتي علينا اليوم الذي يتعين علينا فيه اتخاذ قرار.
اخترنا أصغر عبوة وأرخص الأنواع سعرًا، ولكنها كانت بسبعة جنيهات ونصف، مبلغ لم نكن نملكه ولا نستطيع الانتظار حتى تأتي أمهاتنا لتحله، وبالطبع كنا نفضل الموت على أن نشرك أحد أصدقائنا الذكور فيه.
نظرنا إلى بعضنا البعض والتفتنا حولنا لنتأكد أن العاملين بالمحل ليسوا بجانبنا ولا يروننا من أي زاوية، فتحنا عبوة فوط صحية وأخذنا واحدة منها ثم وضعنا الجنيه والنصف مكانها ووضعناها في الصف الأخير بجانب زميلاتها.
وضعت صديقتي الفوطة المسروقة داخل قميصها ولفت ذراعيها حول خصرها حتى لا تسقط الفوطة من القميص وخرجنا مسرعين، ووجهنا متوهج من الأدرينالين الممزوج بالقلق والخجل.
لم نسرق عبوة، فقط سرقنا فوطة واحدة. لم نملك سبع جنيهات ونصف ولكننا وضعنا كل النقود التي كانت بحوزتنا. لم نعلم أن النظام الرأسمالي لن يفرق بين فوطة واحدة أو عبوة كاملة، هي في النهاية بضاعة تالفة.
ليست رفاهية
لم أعرف وقتها أن الفوط الصحية من الأساسيات وليست رفاهية، لم أعلم أن من حقنا أن يتاح لنا فوط صحية دون مقابل مادي يجعلنا نسرق للحفاظ على صحتنا الجسدية والنفسية. لم أعلم أن الدورة شيء طبيعي وليست شيئًا يدعو للخجل. لم أعلم أن لدي أي حقوق من الأساس.
تتسارع إلى ذاكرتي مباركات والدتي وصديقتي ذاتها عندما جائتني الدورة لأول مرة وشعوري بالغضب وقتها. ماذا يدعو للمباركة؟ أنا متألمة وحزينة، هذا الشيء الدخيل على جسدي لا يدعو لأي فرح. فقط مزيد من التساؤلات والنفور من جسدي والعار تجاهه.
أنسحب إلى الحمام، وفي يدي كيس أسود به فوط صحية أخفيها في القمامة وفي حقيبتي، عندما أخرج من المنزل وأفعل كل الحركات البهلوانية حتى أتأكد أن ملابسي لم تتسخ أو تتسلل إليها قطرات من الدماء يراها أحد.
استطعت التغلب على ذلك الخجل بعدما تجاوز عمري الخامسة والعشرين، بدأ الأمر في منزلي عندما امتنعت عن إخفاء الفوط الصحية، وبعدها مع أبناء خالتي عندما أصبحت أقول إنني مرهقة لأنني في فترة الحيض بدلًا من الجملة المعتادة "معدتي تؤلمني".
ثم نظفت أريكة صديقتي بهدوء عندما تسللت بعض قطرات الدم إليها وسط أصدقائنا بدلًا من النحيب على الكارثة التي سببتها. وعندما ذهبت إلى الصيدلي كي أشتري فوطًا صحية وطلب مني العامل أن يضعها في كيس أسود متجاهلًا كلامي عندما طلبت كيس الصيدلية العادي، ثم امتعض عندما أصررت ألا أخذ كيس أسود ومشيت من هناك أشعر بانتصار غريب.
وأخيرًا، وضعت فوط صحية في دورة المياة داخل مقر عملي ومنازل أصدقائي الرجال، في أماكن ظاهرة حتى تجدها أي امرأة عندما تحتاجها دون الحاجة للطلب أو الانتظار.
والآن أتساءل مجددًا، ماذا يدفع بنتين لم يتعديا 12 سنة للسرقة بهذا الشكل الساذج؟ وأفكر في ملايين الفتيات اللاتي لا يستطعن شراء الفوط الصحية ليس لأن مصروفهن قد نفد، ولكن لأنهن يعشن تحت خط الفقر وحالة أُسرهن المادية لا تسمح بشراء فوط صحية شهريًا.
لم نكن نعاني من الفقر أنا وصديقتي عندما سرقنا تلك الفوطة الملعونة، ولكننا في ذلك الموقف فضلنا السرقة على أن يعلم أحد بسرها الدفين، وينتابها مشاعر الخزي والعار وتنهال عليها أسئلة الذكور المراهقين اللزجة عن تكوين جسد المرأة.
المشكلة مزدوجة، من ناحية اجتماعية، لا زال هناك وصم شرس ومرهق تجاه الدورة الشهرية، بعيدًا عن كل ما سبق ذكره، يقع على الفتيات والنساء عبء الشرح والتبسيط للرجال من حولهن؛ الذين ليس لديهم فكرة عن الدورة الشهرية، ولا يتكبدون عناء القراءة أو البحث بمفردهم لأنه كما جرت العادة، الأسهل دائمًا هو أن تشرح النساء.
ظللت لشهور أترك ربع أو نصف جنيه من مصروفي كلما اشتريت شيئًا من ذلك المتجر، أملًا في تصحيح الخطأ الذي اقترفته وإرضاءً لضميري المتألم.
الآن، لم يعد ضميري يؤلمني.