في سوبر ماركت كبير وقفت آية سعد حائرة وهي تحاول اتخاذ قرار عما ستتخلى عنه من المستلزمات التي تملأ عربة التسوق، "في شهر يناير كنت في كارفور مع جوزي بنشتري طلبات الشهر، واتصدمت إن الأسعار ولعت فجأة والمبلغ الكاش اللي كان معايا مش هيقضي المشتريات. كان لازم أرجع حاجات كتير" تقول آية لـ المنصة.
أنقذها الكاشير بعرضه برنامجًا للتقسيط على 3 أشهر بدون فوائد أو مصاريف، "اقتنعت على طول، الإجراءات كانت سهلة، البطاقة الشخصية وكارت تأمين صحي أو كارنيه نادي أو امتلاك سيارة".
نجحت آية، وهي مصممة جرافيك مستقلة، بناءً على نصيحة الكاشير، في الخروج من السوبر ماركت بكل طلباتها دون الوقوع في فخ الأولويات. اشترت من هناك اللحوم والأجبان والمجمدات، ثم استغلت عرضًا آخر من تطبيق لشراء البقالة أونلاين لشراء أطعمة جاهزة وسكر وأرز ومعلبات ومنظفات، بالتقسيط على ثلاثة أشهر دون فوائد.
حملت المشتريات لشقتها في القاهرة، وقسمتها بين ما ستخزنه لرمضان وما ستستهلكه خلال يناير/كانون الثاني وفبراير/ شباط، "خزنت جزء من المجمدات في الديب فريز لرمضان، والزيت والسمن والرز والمكرونة وحاجات العطارة شلت منها كميات لرمضان، وجبت طلبات الشهر اللي فات كاش".
أنهت آية خطتها باستهلاك الحد الائتماني لكارت الفيزا الذي تملكه "الحد الائتماني للكارت 3000، فقلت أجيب بيهم الياميش بقى، وبطة لأول يوم رمضان، ولحمة من كارفور. وأقسطهم هما كمان على 3 شهور ".
تتكامل هذه الحيل التي تلجأ لها آية في محاولة منها لتجنب تأثر عاداتها الرمضانية بالأسعار التي تضاعفت خلال الأشهر الماضية، مع نيتها توجيه دعوات إفطار لأهلها وأصدقائها، "الدخل اللي بكسبه من الفريلانس وراتب جوزي ماعدش بيكفي، وبنضطر نستلف".
يرصد الدكتور عادل عامر، الخبير الاقتصادي والقانوني، ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية، التغيرات التي طرأت على السلوك الاستهلاكي، فيقول لـ المنصة "ارتفاع نسبة التضخم أدت لتآكل القيمة الشرائية لدخول المصريين"، ويضيف "الفئة المتوسطة التي تشكل نسبة 75% منه المعتمدة على رواتبها من الوظائف العامة أو الخاصة أو المعاشات، هي الأكثر تضررًا".
تقلصت نسبة الأسر التي يتجاوز دخلها ما يعادل 5000 دولار سنويًا، التي كانت الركيزة الأساسية للطبقة الوسطى، إلى 12.1% في 2023 مقارنة بـ39% عام 2021. كما أصبحت نسبة الأسر التي يتجاوز دخلها 10 آلاف دولار سنويًا 1.2% في 2023 مقابل 4.5% في 2022.
وصل أمانة
في محافظة القليوبية، بدأت رشا حلمي، ذات الـ38 سنة، مشروعًا صغيرًا منذ 5 أشهر لبيع المواد الغذائية بالتقسيط. فكرت في ذلك بعد ملاحظة سحق موجات ارتفاع الأسعار لجيرانها، وانكماش قدرتهم على شراء احتياجاتهم الأساسية من أرز ومكرونة وزيت وسمن وسكر ودقيق. تقول رشا لـ المنصة "ببيع المواد التموينية بمقدم 25% والباقي بقسطه بفايدة".
تراجع القوى الشرائية أثر سلبًا على مبيعات الشركات والمتاجر فظهر نظام التقسيط
كل ما يلزم للتقسيط مع رشا هو صورة بطاقة ووصل أمانة، "أقل مشتريات قسطتها لزبون كانت 400 جنيه، وأعلى رقم كان 5 آلاف جنيه".
مع الوقت توسعت دائرة زبائنها لتشمل الموظفين وأصحاب المعاشات إلى جانب أصحاب الأعمال الحرة والعمالة غير المنتظمة، "عرفت إنهم موظفين عشان بيلتزموا بالدفع في بداية الشهر، وماكانوش بيتعاملوا بالقسط قبل كده".
تعلمت رشا التسويق لمشروعها على السوشيال ميديا، "بسوَّق من بيتي وبشتري البضاعة وبسدد تمنها من الأقساط. بس الأزمة مأثرة عليا". يجعلها الارتفاع المتواصل في أسعار المواد الغذائية تواجه مأزقًا حين تشتري بضائع جديدة بينما لا تزال تتقاضى أقساط السلع الغذائية التي باعتها بالأسعار القديمة.
يعتبر عادل عامر اللجوء لبيع وشراء المواد الغذائية بالتقسيط هو أحد آثار الأزمة الاقتصادية في مصر، يوضح أن "تراجع القوة الشرائية أثر سلبًا على مبيعات الشركات والمتاجر، ومن هنا ظهرت فكرة تقسيط السلع الغذائية".
لا يفوت الخبير الاقتصادي التحذير من التعثر في السداد "هنلاقي نوع جديد من الغارمين والغارمات في المجتمع، بسبب الجوع والرغبة في سداد الاحتياجات الأساسية للمنزل".
قرطاس سكر
في منطقة الجبل الأصفر بمحافظة القليوبية تستعد هدى محمد لشهر رمضان بشراء أساسيات الطعام كالأرز والزيت والسمن والسكر، بالإضافة للتمر والكبدة المجمدة المستوردة. منذ سنوات، بات توفير اللحوم على مائدتها آخر همها. فمن ذا الذي يحرص على اللحوم إن كان عاجزًا عن شراء السكر "بقينا بنشتريه في قراطيس، الواحد بعشرة جنيه".
الحد الأدنى العادل لدخل الأسرة في ظل الأسعار الحالية يُفترض ألا يقل عن 30 ألف جنيه شهريًا
منذ خمسة أشهر، مع زيادات أسعار الغذاء بشكل غير مسبوق، وفي ظل ارتفاع التضخم واستمرار الأزمة الاقتصادية، لجأت الخمسينية هدى لشراء غالبية احتياجاتها من الطعام بالتقسيط المريح، تسددها على دفعات أسبوعية أو نصف شهرية، بفوائد 30%.
تبرر الأرملة "الطريقة دي بتخلينا نعرف ناكل، ويبقى البيت فيه خير. مش بيبقى متوفر معانا السعر كاش، فبندفع حاجة حاجة ونسدد على راحتنا. الدنيا بقت غالية".
تعيش هدى مع ابنتها تلميذة الثانوي، ولا دخل لهما سوى معاش الزوج الراحل، الذي يبلغ نحو ألفي جنيه. وتوثق الإحصاءات الرسمية وجود نحو 12 مليون امرأة معيلة من إجمالي عدد السكان، وفق الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
يشير الخبير الاقتصادي عادل عامر إلى وجود فجوة بين متوسط الأجور وحجم الإنفاق، تضطر كثيرين إلى الالتحاق بأكثر من وظيفة لمحاولة توفير النفقات "الحد الأدنى العادل لدخل الأسرة، في ظل الأسعار الحالية، يُفترض ألا يقل عن 30 ألف جنيه شهريًا" وفقًا لأبحاث قام بها مركز المصريين.
كان الرئيس عبد الفتاح السيسي أصدر قرارًا بزيادة الحد الأدنى للأجور ليصل إلى 6 آلاف جنيه يبدأ تطبيقها من الشهر الحالي.
الحل في النيش
وفي الوقت الذي لجأت فيه بعض النساء للتقسيط والقروض، اضطرت بعضهن لبيع بعض المقتنيات الشخصية بدءًا من الحلي الذهبية وقطع الأثاث، خاصة "النيش"، انتهاء بأدوات الطهي وأطقم الصيني والبايركس والأركوبال، كما فعلت هَنا زيادة موظفة العلاقات العامة بإحدى شركات القطاع الخاص.
في محافظة الجيزة تعول هَنا ابنًا في السادسة من عمره بعد انفصالها عن أبيه، ومع اشتداد الأزمة وجدت أن محتويات النيش التي كانت جزءًا مهمًا من "جهازها" قبل سنوات، لم تعد لها فائدة. عرضت هَنا التي بلغت عامها الثلاثين مؤخرًا محتويات النيش للبيع على السوشيال ميديا بقيمة تتراوح بين 500 إلى ألفين وخمسمائة جنيه للطقم الواحد، "بعت 3 صواني بيركس بوركام بـ500 جنيه، وطقم للعشاء زجاج حراري بألف جنيه. عارفة إن قيمة الحاجة أكتر من كده بس أنا محتاجة فلوس"، تقول هنا لـ المنصة.
بمجرد تحصيل المبالغ، اصطحبت هَنا ابنها إلى السوبر ماركت لشراء طلبات البيت استعدادًا لشهر رمضان.
فيما تحاول كل من هدى وهنا تدبير أمورهما باعتبارهما نساء معيلات، تحاول آية الحفاظ على عاداتها الشرائية ومستوى معيشتها في ظل الأزمة الاقتصادية، بكل حيلة ممكنة.