من جديد، عادت الحكومة هذا الشهر للحديث عن إلزام التجار بتدوين الأسعار على السلع قبل بيعها، في محاولة لتجنب تكرار أزماتٍ على غرار ما حدث للأرز والسكر وسلع أخرى خلال الشهور الماضية.
التوجه نحو إلزام الأسواق بتداول سلع محددة السعر ليس جديدًا، حيث سبق وأصدر وزير التموين تعليمات بذلك خلال 2017، لكن عمليًا لم تلتزم الأسواق بالتنفيذ، فهل علينا أن نتوقع نجاحها هذه المرة؟
مبادرة قديمة بطريقة مختلفة
يقول مصدر في قطاع التجارة الداخلية بوزارة التموين لـ المنصة إن غالبية التجار لم يلتزموا بتنفيذ تعليمات الوزير بتدوين الأسعار على السلع، ما حدَّ من قدرة تلك التعليمات في السيطرة على أسعار السوق.
وأضاف المصدر، الذي طلب عدم نشر اسمه، أن "ضخامة حجم التجارة العشوائية (غير المرخصة)، وقلة أعداد المفتشين في الوزارة مقارنة بحجم السوق، عطلا تنفيذ قرار كتابة الأسعار على السلع حوالي 6 سنوات، رغم النجاح الجزئي لدى السلاسل التجارية الكبرى، وعدد قليل نسبيًا من المحال والبقالات الصغيرة".
وأصدر وزير التموين والتجارة الداخلية في 13 ديسمبر/كانون الأول 2017 قرارًا بإلزام كافة نقاط العرض والبيع للمستهلك النهائي بالإعلان عن أسعار البيع للمستهلك باللغة العربية، وبخط واضح لجميع أنواع السلع الغذائية، مع الالتزام بالبيع بالسعر المعلن.
وأكد ضرورة أن تتوفر أعداد أكبر من المفتشين في الإدارات الرقابية التي تشرف عليها وزارة التموين، بداية من جهاز حماية المستهلك، وقطاع الرقابة والتوزيع، ومفتشي قطاع التجارة الداخلية، والمفتشين بمديريات التموين المنتشرة بكل المحافظات، حتى يمكن تنفيذ تلك التعليمات، و"هو ما لم يتحقق حتى الوقت الراهن"، وفق المصدر.
وجدد مجلس الوزراء هذا الشهر حديثه عن إلزام المنافذ التجارية ببيع سلع مدون عليها السعر، في محاولة للسيطرة على موجة زيادة الأسعار.
وتصاعدت معدلات التضخم خلال العام الحالي، ليصل إلى ذروته في سبتمبر/أيلول الماضي مع تجاوزه مستوى 40% قبل أن ينخفض بشكل طفيف خلال الأشهر التالية.
لكن مصدرًا مقربًا من وزير التموين قال لـ المنصة إن الوزارة تراهن هذه المرة على إلزام المصانع، وليس التجار، بتدوين الأسعار، ما "يضمن نجاح التجربة بشكل أكبر".
وأضاف المصدر، الذي طلب عدم نشر اسمه، "في المرة الأولى أردنا من كل محل أن يدون سعر السلعة تحتها بشكل واضح أو يعلق قائمة بأسعار السلع التي يبيعها بشكل واضح، هذه المرة سنجعل المصنع يطبع سعر البيع للمستهلك على غلاف المنتج نفسه، وبعض المصانع بدأت بالفعل في ذلك".
وأوضح المصدر أن المصانع ستتمكن بذلك من تحديد هامش ربح البيع لتاجر الجملة والتجزئة، ويستطيع المواطن بسهولة الإبلاغ عن أي مخالفة للأسعار المدونة، كما يستطيع المفتش أن يقارن بين الأسعار المكتوبة على السلع وبين فواتير البيع.
وواجهت وزارة التموين العام الماضي أزمة ارتفاع أسعار الأرز بإصدار قرار بتحديد أسعاره للمستهلك، لكن التسعيرة الجبرية تسببت في شح المعروض من الأرز في الأسواق ما دفع التموين لإلغاء القرار في فبراير/شباط الماضي.
ومع ارتفاع أسعار السكر هذا العام لم تكرر التموين تجربة التسعير الجبري، ولجأت لضخه بأسعار مخفّضة في منافذ التوزيع، لكنها لم تستطع السيطرة على السوق، حيث تتجاوز أسعاره نحو ضعف سعر سكر "التموين"، وتصل إلى 50 جنيهًا للكيلو.
وأقر المصدر بـ"وجود نقص حقيقي بأعداد المفتشين"، خصوصاً جهاز حماية المستهلك، لكنه قال إنه "سيتم العمل على زيادة أعدادهم وافتتاح فروع جديدة للجهاز لتغطية كل المحافظات، بالتعاون مع رئيس الجهاز".
فشل جديد
في المقابل، تبدو أي محاولة للإلزام بتدوين الأسعار على السلع في نظر البعض "غير كافية"، في ظل استمرار مشكلة نقص المعروض وارتفاع أسعار المنتجات المستوردة نتيجة شح الدولار وزيادة سعره في الأسواق الموازية.
وتعاني البلاد من عدم استقرار سعر صرف الدولار ، مع نقص المتاح منه في المنافذ الرسمية، ما أدى لانكماش حجم الواردات خلال العام المالي 2022/2023 بنحو 17 مليار دولار مقارنة بالعام السابق.
"القرار جيد لكنه لن يستمر طويلًا على أرض الواقع"، يقول تاجر الجملة بمنطقة حلوان بالقاهرة، شريف طه. ويضيف لـ المنصة "كلنا عايزين الأسعار تهدى، وأي تاجر محترم وبيتعامل بما يرضي الله، مش عايز غير القرشين المكسب بتوعه، بس الأسعار بتطلع وتنزل في السوق، ولما نطبع سعر واحد ثابت محدش هيلتزم زي ما حصل في السكر والرز".
وأكد أن أي تحرك في سعر السلعة بالأسواق، سواء بالارتفاع أو الانخفاض، سيجعل التسعيرة المطبوعة على عبوة المنتج لإحدى الشركات بلا معنى على الإطلاق، ويتساءل مستنكرًا هل سيلتزم التجار في الوقت الحالي ببيع كيلو السكر بسعر وزارة التموين عند 27 جنيهًا لمجرد طباعة السعر على العبوة، ويرد مؤكدًا "بالطبع لا".
ويشير طه إلى أن شركة المياه الغازية سبيرو سباتس حاولت الفترة الماضية التحكم في أسعار منتجها بعد الإقبال عليه بسبب مقاطعة المنتجات الداعمة لإسرائيل، ووجهت التجار بالبيع بسعر 8 جنيهات للمستهلك، لكنه عمليًا كان يصل للمستهلكين بـ12 و13 جنيهًا.
فيما أشار تاجر التجزئة بمنطقة حدائق المعادي، هشام عبد المجيد، إلى "قصور آليات الوزارة في المراقبة وعجزها عن النجاح في أي مبادرة"، وقال لـ المنصة "لو منزلش حد يبص على المحلات في الشوارع مفيش حاجة هتتغير، وهنفضل نلف حوالين بعض كده، لازم نشوف حل للوضع ده، الناس مش ملاحقة على الأسعار اللي بتزيد، لا وكمان بقا كل تاجر عايز ياكل اللي تحته وياخد منه لقمته في البضاعة".
الأمر الذي يعني، وفي إطار مثال سبيرو سباتس التي أعلنت أسعار منتجاتها، أن قرار التسعير ربما لن يكفي وحده لتجنب المغالاة في أسعار السلع الاستهلاكية، ما يستلزم أن تفرض وزارة التموين إجراءات أخرى مثل المراقبة الدائمة على الأسواق. فهل ستسفر الأيام المقبلة عن ذلك إن تم تنفيذ القرار بشكل فعلي؟