
ادفع براحتك على 13 سنة.. الفقاعة العقارية بنكهة مصرية
أتاحت الشركات العقارية الكبرى مؤخرًا مدد تقسيط تصل إلى 12 و13 عامًا، بعدما كانت تتراوح بين 5 و7 سنوات حدًا أقصى، وهو ما يعدَّه خبراء بمثابة انفجار غير معلن للفقاعة العقارية التي انتفخت خلال العامين الماضيين بفعل الارتفاع المتسارع لسعر صرف الدولار مقابل الجنيه في السوقين الرسمية والموازية.
وتعني الفقاعة العقارية نمو أسعار الوحدات بشكل مبالغ فيه ثم انهيارها بشكل مفاجئ. ورغم أن الأسعار في مصر لم يحدث لها أي انهيار حتى الآن، فإن إطالة مدد التقسيط يشير إلى توقعات من الشركات بعجز المواطنين عن ملاحقة الارتفاعات المتلاحقة في أثمان الوحدات، التي باتت تقدَّر بالملايين.
الأقساط على 13 سنة
المتابع لإعلانات الشركات العقارية الكبرى يلاحظ اتجاه العديد منها لطرح وحدات بمدد تقسيط طويلة، مثل مجموعة طلعت مصطفى، وبالم هيلز، والأهلي صبور، ومدينة مصر للإسكان، ومصر إيطاليا، تمتد إلى 12 أو 13 عامًا.
ويشير المطور العقاري بهاء حفظ الله إلى أن "بعض الشركات وصلت بمدة التقسيط لــ15 سنة في غرب القاهرة".
فيما كانت "مدد التقسيط المعتادة حتى وقت قريب تتراوح بين خمس وسبع سنوات، والقليل من المطورين كانوا يطرحون نظم سداد تصل إلى ثماني سنوات"، كما يقول رئيس مجلس إدارة شركة كولدويل بانكر مصر للاستثمار والتسويق العقاري محمد عبد الله لـ المنصة.
ويصف المسوق العقاري صابر قطب ما يحدث حاليًا بالسوق بأنه "نوع من انفجار فقاعة العقارات، ونتاج للتسعير المبالغ فيه للوحدات في فترة الــ18 شهرًا التي سبقت التعويم في بداية 2024 عندما كان يتوقع البعض وصول الدولار لـ100 جنيه".
وحذر خبراء خلال الأشهر الأخيرة من الارتفاع المبالغ فيه في أسعار الوحدات الفاخرة، خصوصًا في ظل التذبذب في تكاليف البناء في فترة انتعاش سوق الصرف الموازية بداية من عام 2022 حتى مارس/آذار الماضي.
ويؤكد قطب لـ المنصة أن "اللجوء لمد فترة السداد كان الحل أمام المطورين للترويج لوحداتهم باهظة الثمن بدلًا من تخفيض سعرها".
وحسب أحمد العتال، وهو مطور عقاري يمتلك مشروعات بالعاصمة الإدارية ومستقبل سيتي شرق القاهرة، فقد كانت مدة تقسيط العشر سنوات تُمنح "في الماضي فقط للوحدات في المناطق الجديدة التي لم تصلها الخدمات بعد كنوع من التشجيع على الشراء".
فقاعة مصرية
يختلف مفهوم الفقاعة العقارية الذي يتداوله الخبراء في مصر عن "الفقاعة" التي أنتجت أزمات مالية مثل الأزمة الأمريكية في 2008، إذ ترتبط الأزمات في الخارج بنظام التمويل العقاري، بينما في الحالة المصرية ترتبط أكثر بسياسات الشركات العقارية.
الوحدة التي سجلت مليوني جنيه في 2014 ارتفع سعرها إلى 6 ملايين جنيه
يبيَّن الخبير المالي هاني توفيق لـ المنصة طبيعة الفقاعة العقارية في مصر بأن "لها شكلًا مختلفًا يناسب طبيعة السوق المصرية، فهي لا تنعكس في صورة انخفاض أسعار الوحدات، لكن في صورة صعوبات في البيع، فالكثير من الحاجزين يحاولون بيع وحداتهم بدون مكسب، حتى ذلك بات صعبًا".
ويقدم توفيق الدليل على انفجار فقاعة عقارية في مصر بانخفاض القيمة الحقيقية للعقارات "على سبيل المثال الوحدة التي سجلت مليوني جنيه أو أقل في 2014 في خلال 10 سنوات ارتفع سعرها إلى 6 أو 7 ملايين جنيه، وبيعها صعب للغاية، وعائدها في حالة الإيجار محدود، بينما كانت المليونا جنيه في 2014 تساوي نحو 8 كيلوجرامات من الذهب، أي أكثر من 30 مليون جنيه اليوم تقريبًا".
كيف بدأت الأزمة؟
اللجوء لمدد التقسيط الطويلة بديلًا لخفض أسعار الوحدات ليس جديدًا على السوق المصرية، فقد بدأ المطورون يعتمدون عليه قبل سنوات، خصوصًا مع التغيرات التي شهدتها السوق بدايةً من أزمة كورونا، عندما اتجهوا لطرح الوحدات بالتقسيط على أكثر من خمس سنوات، كما يوضِح رئيس مجلس إدارة شركة كولدويل بانكر مصر، محمد عبد الله.
ويشرح أن اللجوء للتقسيط الطويل كان بديلًا لفشل نظام التمويل العقاري في مساعدة المواطنين على الحصول على العقارات مرتفعة السعر، "في السوق العالمية تمتد سنوات التمويل العقاري لمدد بين 10 و30 سنة، لكن مع محدودية انتشار هذا التمويل في مصر لجأت الشركات إلى الاستعانة بسنوات تقسيط طويلة وتمويل المشروع من أقساط الحاجزين فيما يعرف بنظام البيع على الخريطة".
وتمثل تعاملات التمويل العقاري نسبةً محدودةً من مبيعات السوق العقارية التي حققت مبيعات بقيمة 2.5 تريليون جنيه مصري خلال 2024.
رسم بياني يوضح حجم تمويلات التمويل العقاري في مصر خلال سنة
ويرى رئيس كولدويل بانكر مصر أن اللجوء لمد فترات التقسيط قد لا يكون حلًا كافيًا لتحقيق الرواج الكافي للوحدات "البعض حاليًا يفضل الاحتفاظ بأي سيولة مالية ممكنة كاش أو الاستثمار في المنتجات البنكية بدلًا من تجميد الأموال في عقار مهما كان مميزًا، فرغم الارتفاعات الكبيرة في أسعار الوحدات العقارية يجد العملاء صعوبةً بالغةً في إعادة بيعها (Resale) وتحقيق ربح".
مخاطر المدى الطويل
تعكس بيانات القطاع العقاري، الصادرة عن وزارة التخطيط، تراجع معدلات نمو القطاع منذ عام 2020، وهي الفترة التي شهدت أزمتي وباء كورونا وشح النقد الأجنبي، ويقول الخبراء إن هذا التباطؤ لا يعني انخفاض طلب المصريين على العقارات، لكنه يعكس بطء التوسع في المشروعات العقارية باهظة الثمن التي بات من الصعب تسويقها.
رسم بياني يوضح معدل نمو القطاع العقاري خلال 10 سنوات
في هذا السياق يشدد المطور العقاري بهاء حفظ الله على أن "عروض التقسيط لا تعني أننا أمام سوق تشبع فيه الطلب، أو مجتمع لا يحتاج للسكن"، لكنها تشير إلى مصاعب تسويق الوحدات.
ورغم اتجاه الشركات العقارية الكبرى مؤخرًا للتركيز على البيع للأجانب، لا يكفي ذلك لتحقيق الرواج لمنتجاتها، كما يقول، فـ"الأساس هو المشتري المصري الذي تعتمد عليه السوق المحلية بشكل رئيسي".
ويتخوف العديد من الخبراء من تحديات تسويق الوحدات العقارية مرتفعة السعر، ما يحوّل سنوات التقسيط الطويلة إلى عبء على المطورين، ويؤكد محمد سراج، وهو مطور عقاري يعمل بمنطقة شرق القاهرة، على ضرورة تعزيز دور الدولة الرقابي حتى تتوفر للسوق العقارية بيئة أفضل للنمو، مشيرًا إلى أن الحكومة "اكتفت بالرقابة على شكل ونوع المباني في بعض المدن، وتركت التسعير والتسويق والالتزام بين العملاء والشركات بدون رقابة كافية".
ويرى أنه يجب أيضًا "دفع الجهاز المصرفي للتدخل لتوفير تمويل للعقارات بفائدة معقولة مع خفض سعر الوحدة، حتى ننقذ السوق العقارية".
ويشدد سراج، في المقابل، على أهمية التسريع بإصدار مشروع قانون الاتحاد المصري للمطورين العقاريين، الذي سيضع أسسًا واضحة للانضمام لمهنة التطوير العقاري، ويستبعد من لا تنطبق عليهم الشروط القانونية، بما يؤمِّن السوق من أي أزمات محتملة.