رد الرئيس عبد الفتاح السيسي، أمس الأحد، مشروع قانون الإجراءات الجنائية، إلى مجلس النواب لمزيد من الدراسة، وهو القرار الذي قُوبل بترحيب واسع من قبل خبراء قانونيين وحقوقيين فضلًا عن مجلس النواب نفسه.
وأصدر مجلس النواب بيانًا مساء الأحد أكد فيه أن ملاحظات الرئاسة تنم عن "بصيرة دستورية"، ودعا لعقد جلسة عاجلة في الأول من أكتوبر/تشرين الأول المقبل لمناقشة الأمر، وفقًا لما تنص عليه اللائحة الداخلية للمجلس، ودعوة رئيس مجلس الوزراء لحضور تلك الجلسة.
غير أن التوقيت يثير تساؤلات حول جدوى المناقشات، فالمجلس الحالي على وشك إنهاء الفصل التشريعي مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المرتقبة. ومن المعتاد في مثل هذه الفترة أن يعقد المجلس ما يُعرف بـ"دور انعقاد منقوص"، يقتصر على جلسات محدودة، مما يضعف احتمالية إجراء مناقشات مستفيضة وتعديلات جذرية على مشروع بهذا الحجم والأهمية.
ولم تحدد اللائحة الداخلية لمجلس النواب مدة زمنية للانتهاء من التعديلات بعد رفض الرئيس؛ وقال مصدر مطلع على آليات العمل في مجلس النواب لـ المنصة إن اللائحة تركت للمجلس حرية الاختيار.
بشأن احتمالية عدم الانتهاء من التعديلات قبل الفصل التشريعي المقبل ومن ثم تركها للمجلس الجديد، قال المصدر الذي طلب عدم نشر اسمه "وارد جدًا مش هنلحق طبعًا".
وكان مجلس النواب وافق نهائيًا على مشروع قانون الإجراءات الجنائية في 29 أبريل/نيسان الماضي، ما أعقبه انتقادات أممية "لما يتضمنه من إقرار نظام للمحاكمات عن بعد دون ضمانات كافية، وتوسيع سلطة النيابة العامة فيما يتعلق بالحجز لدى الشرطة والحبس الاحتياطي، ومنحها سلطة تقديرية واسعة في منع المحامين من الحصول على ملفات القضايا، ومحاضر التحقيقات بدعوى مصلحة التحقيق".
من جانبه أوضح وزير الشؤون النيابية والقانونية والتواصل السياسي المستشار محمود فوزي في مداخلة هاتفية مع الإعلامي نشأت الديهي، أن هذه المرة الرابعة في تاريخ الحياة النيابية في مصر التي يمارس فيها رئيس الجمهورية صلاحياته الدستورية في رد مشروع قانون، وعدم التصديق عليه.
وقال فوزي إن الرئيس الراحل أنور السادات سبق ومارس هذا الحق مرتين، والمرة الثالثة في الفصل التشريعي السابق عندما رد الرئيس عبد الفتاح السيسي قانون التجارب السريرية للبرلمان.
وأوضح أنه من المعتاد في مثل هذه الأمور إحالة المذكرة المرسلة من رئيس الجمهورية إلى اللجنة العامة لمناقشتها، ثم تشكيل لجنة خاصة برئاسة وكيل مجلس النواب لإجراء التعديلات وعرضها على المجلس.
وحسب بيان لرئاسة الجمهورية أمس الأحد، ورد مشروع قانون الإجراءات الجنائية من مجلس النواب بتاريخ 26 أغسطس/آب الماضي بطلب إصداره "ووردت مناشدات عديدة لرئيس الجمهورية لإعادة النظر في بعض مواده".
والمواد المعترض عليها، وفق البيان، تتعلق باعتبارات الحوكمة والوضوح والواقعية "بما يوجب إعادة دراستها لتحقيق مزيد من الضمانات المقررة لحرمة المسكن، ولحقوق المتهم أمام جهات التحقيق والمحاكمة، وزيادة بدائل الحبس الاحتياطي للحد من اللجوء إليه، وإزالة أي غموض في الصياغة يؤدي إلى تعدد التفسيرات أو وقوع مشاكل عند التطبيق على أرض الواقع، وإتاحة الوقت المناسب أمام الوزارات والجهات المعنية لتنفيذ الآليات والنماذج المستحدثة في مشروع القانون، والإلمام بأحكامه ليتم تطبيقها بكل دقة ويسر وصولًا إلى العدالة الناجزة في إطار من الدستور والقانون".
من جانبه، وصف المحامي الحقوقي أحمد راغب الخطوة بأنها "مبشرة"، معتبرًا أنها أنهت حالةً من "الغموض" الذي أحاط بمصير مشروع القانون لفترة طويلة.
وأضاف لـ المنصة "هذا القرار يمثل خطوة مطلوبة كنا قد طالبنا بها، حيث يمثل الرئيس الحائط الأخير والملاذ لوقف تمرير مشروع عليه خلافات مجتمعية واسعة".
يرى راغب أن إعادة القانون للبرلمان تهدف بشكل أساسي إلى "إعادة فتح الحوار المجتمعي" حول نصوصه، وهو ما يمثل مضمون القرار الرئاسي.
ويشير إلى أن مشروع القانون بصيغته السابقة لم يكن يحقق مصلحة واضحة لأي طرف؛ فلا هو يخدم المصلحة العليا للمجتمع، ولا يحفظ حقوق المتهم، ولا حتى يدعم مصالح الدولة بشكل مباشر.
واستبعد راغب أن تكون الضغوط الدولية، مثل تقارير المقررين الخواص بالأمم المتحدة أو المراجعة الدورية الشاملة/UPR، هي الدافع الرئيسي وراء رد مشروع القانون.
وأكد أن "المعركة كانت داخلية بامتياز"، مشيرًا إلى الدور المحوري الذي لعبته نقابة الصحفيين في قيادة الاعتراضات.
واعتبر أن القرار يعكس استجابة للتوصيات التي خرج بها الحوار الوطني، خاصة فيما يتعلق بملف الحبس الاحتياطي.
وأشار البيان الرئاسي صراحةً إلى ضرورة بحث "بدائل للحبس الاحتياطي"، وهو ما يتوافق مع مخرجات الحوار.
في ظل هذه التطورات، أكد راغب أن استمرار العمل بقانون الإجراءات الجنائية الحالي لا يشكل ضررًا يستدعي التسرع في إقرار التعديلات الجديدة.
وقال "القانون الحالي به أدوات كافية يمكن تفعيلها لحل الكثير من الإشكاليات، بما في ذلك إخلاء سبيل المحبوسين احتياطيًا الذين تجاوزوا المدد القانونية. الأمر لا يتطلب تشريعًا جديدًا بقدر ما يتطلب تفعيلًا للنصوص القائمة".
وفي مايو/أيار الماضي أعربت لجنة مناهضة التعذيب بالأمم المتحدة عن "قلقها" إزاء مضي السلطات المصرية قدمًا في إصدار قانون الإجراءات الجنائية الجديد، وأشارت اللجنة الأممية في تقرير سلمته وقتها للحكومة المصرية إلى "استمرار منح رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة النطاق بموجب قانون الطوارئ، رغم وقف العمل به، تتضمن منحه سلطة تعيين قضاة محاكم أمن الدولة طوارئ، وإيقاف التحقيقات، والإحالة للمحاكمة، والتصديق أو تعديل أو إلغاء أو تعليق العمل بأحكامها".
وأوضحت اللجنة، في التقرير الذي حصلت المنصة على نسخة منه، أنها على علم بأن محاكم الطوارئ مستمرة في نظر القضايا المحالة إليها قبل إنهاء حالة الطوارئ في أكتوبر 2021، معربة عن "قلقها" من استمرار تعرض المتهمين المحالين إلى هذه المحاكم "لإجراءات قضائية استثنائية تفتقر للقواعد الواجب مراعاتها وضمانات المحاكمة العادلة".
كما سبق ووجه سبعة من المقررين الخواص بمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة رسالة مفصلة إلى الحكومة المصرية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حذروا فيها مما سيتسبب فيه مشروع القانون الجديد من عصف بحقوق كافة المواطنين المتعاملين مع منظومة العدالة الجنائية، سواء كانوا متهمين أو ضحايا أو شهودًا أو مدافعين.
ونهاية أبريل/نيسان الماضي، انتقد المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة إقرار مشروع القانون "لخطورة أثره على أوضاع العدالة في مصر"، مناشدًا السيسي عدم التوقيع عليه وإعادة طرح مواده للحوار المجتمعي لتفادي "العوار الدستوري والقانوني الذي أصابه".
وقبل موافقة مجلس النواب عليه، تعرَّض مشروع قانون الإجراءات الجنائية لانتقادات من الحقوقيين ونقابة الصحفيين التي أعدت ورقةً، وأرسلت تعليقات لمجلس النواب على النصوص التي تنتقص من حقوق المواطنين خلال مرحلة القبض والتحقيق والمحاكمات.
وخلال مناقشته بالمجلس واجهت مواده اعتراضات عدة تجاهلها البرلمان، من بينها النصوص المنظمة لإجراء المحاكمات عن بعد، وتوقيع غرامة 500 جنيه على الاستشكال الثاني على الأحكام، وضوابط التحفظ على الأموال، واعتماد الأسورة الإلكترونية كإجراء احترازي بديل للحبس الاحتياطي، ومنح المواطنين حق إقامة الدعوى الجنائية ضد الموظفين العموميين.
وسبق وأعلن محامون حقوقيون، خلال مؤتمر صحفي، استضافته المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، رفضهم مشروع قانون الإجراءات الجنائية، معتبرين أنه "يهدد استقرار منظومة العدالة".