وكالة معًا الفلسطينية
مظاهرة لذوي الأسرى الإسرائيليين في تل أبيب- نوفمبر 2023

الداخل الإسرائيلي على دين نتنياهو.. تأييد للإبادة ورفض لفلسطين

منشور الأربعاء 8 تشرين الأول/أكتوبر 2025

عامان من الحرب على غزة، ولا تزال التحليلات تتضارب حول تأثير الصراع على المجتمع الإسرائيلي؛ فبينما توحي المظاهرات المتكررة والأصوات الداعية لوقف الاستيطان وإقامة الدولة الفلسطينية في صحفٍ إسرائيليةٍ بتحولاتٍ في المجتمع الإسرائيلي، تكشف استطلاعات رأي أن الحرب أنتجت المزيد من التشدد ودعم اليمين المتطرف وإنكار الحقوق الفلسطينية.

منذ السابع من أكتوبر 2023 ارتكب جيش الاحتلال مئات المجازر أسفرت عن مقتل أكثر من 66 ألف فلسطيني وإصابة ما يزيد عن 168 ألفًا آخرين، كما مارس سياسة التجويع عبر الحصار ما أسفر عن وفاة 453 فلسطينيًا من بينهم 150 طفلًا. 

هذه الدماء التي تسيل يوميًا ضمن حرب الإبادة وحجم الدمار الكارثي في غزة لم يخلقا شعورًا عامًا بالذنب لدى الشعب الإسرائيلي، بل على العكس ذهبَ التغييرُ الكبيرُ في توجهات الرأي العام الإسرائيلي بعد السابع من أكتوبر  نحو رفض حل الدولتين، وزيادة كراهية الشعب الفلسطيني؛ هذا ما رصده خبير  الشؤون الإسرائيلية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية سعيد عكاشة.

استطلاع كاشف

في الـ30 من سبتمبر/أيلول الماضي، ومع اقتراب ذكرى السابع من أكتوبر، أظهر استطلاع رأي أن 66% من الإسرائيليين يرون أن الوقت حان لإنهاء الحرب في غزة، بزيادة 13 نقطة مئوية عن الفترة نفسها من العام الماضي.

شارك في هذا الاستطلاع الذي أجراه مركز فيتيربي للرأي العام وبحوث السياسات، التابع لمعهد الديمقراطية الإسرائيلي، عينة مكونة من 1000 إسرائيلي، 800 منهم أُجريت المقابلات معهم باللغة العبرية و200 باللغة العربية، في إشارة إلى مشاركة يهود وفلسطينيين في الاستطلاع.

أيد 2% من الإسرائيليين اليهود وقف الحرب لإنهاء الضرر الذي يلحق بالفلسطينيين في غزة

ذهب 93% من فلسطينيي 48 المشاركين في الاستطلاع إلى أن الوقت حان لوقف الحرب، مقابل 60% من المشاركين اليهود، وجاء الخوف على الرهائن على رأس الأسباب الدافعة لطلب إنهاء الحرب إذ قال بذلك 50.5% من اليهود و34.5% من فلسطينيي الداخل، بينما أيد 2% فقط من المشاركين اليهود وقف الحرب لإنهاء الضرر الذي يلحق بالفلسطينيين في غزة والبدء بإعادة إعمار القطاع.

ما أثار "دهشة" مُعدِّي الاستطلاع حلول إنهاء الضرر بالفلسطينيين والبدء بإعادة إعمار القطاع في المرتبة الثالثة بين المشاركين الفلسطينيين، بعد حماية الرهائن والأضرار الاقتصادية والاجتماعية التي سببتها الحرب.

فيما أظهر استطلاع رأى آخر أجراه معهد الديمقراطية الإسرائيلي، ونشر في 5 أغسطس/آب الماضي، أن 79% من اليهود الإسرائيليين غير منزعجين من التقارير التي تتحدث عن المجاعة والمعاناة الفلسطينية في غزة.

ولم يذهب مقال نشرته فورين بوليسي بعنوان "المشكلة لا تقتصر على نتنياهو وحده بل في المجتمع الإسرائيلي" بعيدًا عما انتهت له نتائج الاستطلاعين، وأشارت الباحثة الأمريكية الإسرائيلية ميراف زونسزين، كبيرة محللي الشؤون الإسرائيلية في مجموعة الأزمات الدولية، إلى أنه رغم إلقاء اللوم على نتنياهو، فإن أغلبية المواطنين اليهود الإسرائيليين يؤيدون سياساته التدميرية في غزة وخارجها.

يفسر سعيد عكاشة لـ المنصة نمو هذه التوجهات المعادية بوجود "رغبة جامحة" في المجتمع الإسرائيلي للانتقام من كل ما هو فلسطيني، لافتًا إلى أن من يتابع الإعلام الإسرائيلي سيجد تأييدًا من معظم اليهود في الداخل الإسرائيلي للتهجير القسري، وتشجيعًا على تجويع سكان غزة وقتل أطفالهم، وعليه "فالتحول لم يحدث تجاه رفض حل الدولتين فقط بل لضرورة الانتقام من الفلسطينيين".

أين الدولة الفلسطينية

تضمن استطلاعٌ أجراه مركز فيتيربي للرأي العام وبحوث السياسات سؤالًا حول إمكانية قيام الدولة الفلسطينية أظهرت الإجابات عليه أن ما يقرب من ثلاثة أرباع الجمهور اليهودي يعتقدون أن الشعب الفلسطيني ليس له الحقُّ في دولة خاصة به، وهي زيادة قدرها 11 نقطة مئوية عن العام الماضي.

الأمر لم يتوقف عند المشاركين اليهود، وإنما تجاوزه إلى العرب إذ سجل الاستطلاع انخفاضًا حادًا غير معتاد في نسبة من يعتقدون أن للشعب الفلسطيني الحقَّ في دولة، إلى جانب زيادةٍ في نسبة من اختاروا إجابة "لا أعرف".

يشير معدو الاستطلاع إلى أنه "من المحتمل أن درجة عدم اليقين غير المعتادة التي أظهرتها العينة العربية تشير إلى خوفٍ من التعبير عن موقفٍ بشأن هذه القضية الحساسة".

دعم حل الدولتين يؤيده 27% من الإسرائيليين مقابل معارضة 63%

لم تختلفْ نتائجُ استطلاع آخر أجرته مؤسسة جالوب بين يونيو/حزيران وأغسطس/آب 2025، حيث لم تؤيد إمكانية تحقيق سلام دائم بين إسرائيل وفلسطين سوى نسبة 21% من البالغين.

وأشارت المؤسسة إلى أن دعم حل الدولتين ما زال محدودًا في إسرائيل، حيث لم يؤيده سوى 27% من الإسرائيليين مقابل معارضة 63%، لافتة إلى استقرار هذه الآراء منذ عام 2023، لكنها أدنى كثيرًا من عام 2012، عندما أيدت أغلبية الإسرائيليين 61% هذه الفكرة.

يتفق أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس أيمن الرقب مع ما انتهت إليه هذه النتائج، مؤكدًا تصاعد الأصوات التي تتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني، وأن أغلبية المجتمع الإسرائيلي لا تزال ضد قيام دولة فلسطينية.

ويشير عكاشة إلى وجود افتراض نظري يذهب ناحيةَ أن ما حدث في 7 أكتوبر يثبت أنه لا يمكن العيش في حالة حرب دائمة مع الشعب الفلسطيني، ويجب إيجاد حل نهائي للأزمة، لكن الحقيقة عكس ذلك، إذ أحيا لدى الداخل الإسرائيلي فكرة "أن الآخرين يريدون إحراقنا كما حدث في المحرقة النازية".

"نشر الخوف"؛ يشير المدير التنفيذي المشارك لمبادرات إبراهيم، ثابت أبو راس، إلى هذه الاستراتيجية التي توسع استخدامها في الداخل لتوجيه الرأى العام باتجاه رفض التسوية وتأييد استمرار الحرب.

سبق ولفت المدير التنفيذي المشارك لجمعية مبادرات إبراهيم، خلال مشاركته في ندوة أونلاين عقدها معهد تشاتام هاوس، حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلى أن "نتنياهو وبن غفير وسموتريتش يستخدمون بالفعل الكثير من سياسة الخوف، من العرب، من الفلسطينيين".

أبو راس ليس غريبًا عن المجتمع الإسرائيلي، فهو فلسطيني عربي يحمل الجنسية الإسرائيلي. وتعمل جمعية مبادرات إبراهيم، التي يتولى جزءًا من مسؤوليتها، باعتبارها منظمة يهودية إسرائيلية فلسطينية على تعزيز الاندماج الاجتماعي والمساواة في الحقوق للمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، من خلال التأثير على السياسات العامة، وتشكيل الرأي العام.

وحسب أبو راس، فإن "المجتمع الإسرائيلي يمر بأوقات عصيبة للغاية"، و"خطاب الخوف داخل إسرائيل قوي جدًا جدًا في الوقت الحاضر".

موقف أحزاب الاحتلال

مظاهرات في إسرائيل تطالب حكومة نتنياهو بعقد اتفاق مع حركة حماس يفضي إلى تحرير المحتجزين، 1 سبتمبر 2024

في مقالها، تشير ميراف زونسزين إلى أن غياب حل الدولتين عن الداخل الإسرائيلي لا يحتاج إلى استطلاعات رأي لتكشفه، بل "يمكنك فقط النظر إلى مواقف الأحزاب السياسية اليهودية في إسرائيل"، لتدرك مدى غياب هذا الطرح، وتتأكد من تراجع الحديث عن الحقوق الأساسية للفلسطينيين في الحرية وتقرير المصير في السنوات الأخيرة، الذي ربما وصل الآن إلى أدنى مستوياته على الإطلاق. 

تشير ميراف إلى أنه "لا يوجد تقريبًا أيٌّ من هذه الأحزاب يؤيد حل الدولتين، بل إن الأحزاب الموجودة في السلطة لا يقتصر موقفها على رفضه و"تعمل بجد على إحباطه ومنع تحققه".

ويلفت الرقب إلى أن أصواتًا إسرائيلية تتحدث صراحة عن طرد الشعب الفلسطيني من كل أرضه، والبعض الآخر يتحدث عن حل أمني أو اقتصادي، معتقدًا أن "ما حدث في السابع من أكتوبر حتى الآن لم يغير شيئًا في الشارع الإسرائيلي، ولا في نمطية تفكيره تجاه حقوق الشعب الفلسطيني".

يستبعد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس أي تأثير للتيار اليساري في المجتمع الإسرائيلي، لافتًا إلى أن صحيفة هآرتس، التي تنشر آراء مؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني وحل الدولتين أو حل الدولة الواحدة التي يعيش فيها الجميع متساوين في الحقوق لا يمكن القياس عليها.

يبرهن على ضعف هآرتس بوصفها صحيفة اليسار الوحيدة المتبقية، التي تُطرح مواقفَ خارج الإجماع الإسرائيلي، بأنه "عندما صوَّت الكنيست على مدار جلستين بأغلبية ساحقة ضد حل الدولتين، كان لذلك دلالة بأن هناك نزعةً يمينيةً متطرفةً تزداد داخل دولة الاحتلال"؛ عليه لا يمكن اعتبار ما يكتب في هآرتس دليلًا على تغيرات جذرية داخل المجتمع الإسرائيلي.

ويحصر الرقب الموقف الإسرائيلي من الحقوق الفلسطينية في التقسيم الحالي ما بين أقصى اليمين الذي يقوده نتنياهو ومعه وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، ويمين الوسط الذي يمثله رئيس الوزراء الأسبق نفتالي بينيت ومعه رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق جادي إيزنكوت وغيرهما.

ويشدد على أن جميع الأحزاب السياسية داخل الاحتلال ضد الحقوق الفلسطينية "باستثناء صوت واحد وهو يائير جولان رئيس حزب الديمقراطيين، فربما هو الوحيد الذي يتحدث عن حل سياسي مع الفلسطينيين أما البقية لا تتحدث عن حل سياسي".

المظاهرات لا تعني دعم فلسطين 

لا يوجد حصرٌ عدديٌّ للمظاهرات المطالبة بوقف الحرب والتوصل إلى صفقة لتبادل الأسرى مع حماس، وإن أشارت تقارير صحفية إلى أن المظاهرات المطالبة بوقف الحرب واستعادة الرهائن متصاعدة ومكثفة، من بينها الاحتجاج الذي شارك فيه نحو مليون إسرائيلي في أغسطس/آب الماضي، نصفهم تقريبًا كانوا في تل أبيب وحدها.

لكن تصاعد هذه المظاهرات لا يعني تنامي العرفان بالحق الفلسطيني، ففي تغطيته الإعلامية للمظاهرة المليونية في أغسطس أشار أورين زيف المراسل والمصور في مجلة "+972" الإسرائيلية إلى أن معظم المشاركين الذين خرجوا إلى الشوارع "لا يتحدثون مباشرة عن المعاناة في غزة، وعن القتل، وعن الأطفال، وعن المجاعة، بل يلومون نتنياهو" على إعطائه الأولوية لبقائه السياسي على إنهاء الحرب، وتحرير الرهائن المحتجزين في غزة.

وهو الرأي الذي يؤيده الرقب لافتًا إلى أنه حتى المظاهرات التي تخرج في الشارع الإسرائيلي حول مآسي أطفال غزة تظل كتلة صغيرة لا تؤثر  على نتائج الانتخابات "بالتالي لا أعتقد أنه في المشهد الإسرائيلي من يدفع باتجاه أن يكون هناك حل سياسي واضح مع الشعب الفلسطيني يقرر به الفلسطينيون قيام دولتهم".

 يشير الدكتور سعيد عكاشة إلى ملحوظة مهمة فيما يخص بعض التحركات والفعاليات القليلة المتضامنة مع الحق الفلسطيني، وهي أن مدينة تل أبيب ليست إسرائيل "دي بنسميها دولة تل أبيب يعيش بها علمانيون اللي هم عندهم دخل مرتفع، وأقرب لثقافة الغرب ولا يعبرون عن المجتمع الإسرائيلي".

بالتالي فإنه عند التدقيق في التغيير الذي طرأ على المجتمع الإسرائيلي بشكل عام، سيتضح أن هذا التغير كان للأسوأ؛ نحو المزيد من التشدد والانتقام من كل ما هو فلسطيني كما يظهر جليًا في استطلاعات الرأي الداخلية والمواقف السياسية، أما الحركة الاحتجاجية التي يتحدث عنها الجميع فهي لا ترفع مطلب السلام الدائم أو منح الشعب الفلسلطيني حقه في تأسيس دولته، بل إن دافعها الأساسي هو إنقاذ الرهائن وإسقاط نتنياهو.