تصميم سيف الدين أحمد، المنصة، 2025
خطة دونالد ترامب تنقذ نتنياهو من عزلته

بالخداع أم بالنار والدم؟ ترامب وإخضاع الشرق الأوسط

منشور الأحد 5 تشرين الأول/أكتوبر 2025

لم تكُ المبادرة التي جرى تسويقها الأسبوع الماضي تحت مسمى "خطة ترامب للسلام في الشرق الأوسط" سوى محاولة أمريكية لإصابة عدة أهداف بحجر واحد. فإلى جانب رغبة الرئيس الأمريكي المجنونة في الفوز بجائزة نوبل للسلام، باعتباره الرجل الذي "حقق إنجازًا تاريخيًا في وقف الحروب والصراعات"، استهدفت الخطةُ أيضًا قلبَ الطاولة وإعادة ترتيب المشهد بما يخدم مستقبل إسرائيل وينقذ سمعتها من الوحل.

"الخطة التي وضعناها مع ترامب حققت أهدافنا الخمسة من الحرب، دون أن تعترف الولايات المتحدة بالدولة الفلسطينية، والرئيس الأمريكي يتفهم ذلك"؛ هكذا لخص رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو جوهر اللعبة. يسعى الرجل إلى تبديل المواقع؛ فبعدما كانت إسرائيل معزولة، عملت الخطة على عزل حركة المقاومة الفلسطينية حماس، في حال رفضت المقترح أو تحفظت على بعض بنوده.

فبعد أن بدأ العالم يتعامل مع إسرائيل دولةً مارقةً منبوذةً، ترتكب جرائم حرب وتطهير عرقي ضد الشعب الفلسطيني، جاءت خطة ترامب لإنقاذ الكيان المأزوم، وتخفيف الضغوط على الرئيس الأمريكي نفسه بعد أن اتُّهم بأنه "لعبة بيبي"، يوجهه نتنياهو كما يشاء ووقتما يشاء فيما يخص سياسات الشرق الأوسط.

القفز فوق جحيم ترامب

قبل أن تعلن حماس موافقتها "المشروطة" على المبادرة الأمريكية، توعد ترامب الحركة بـ"جحيم لا مثيل له"، إن لم تنصَع لإرادته وتعلن استسلامها وتُسلِّم الأسرى دون قيد أو شرط، وهو ما تنبهت له الحركة ومعها عواصم عربية وإسلامية أدركت أن حصول نتنياهو على "نصره المطلق" سيفتح شهيته إلى المزيد. والمزيد هنا لن يقف عند حدود فلسطين التاريخية بل سيشمل دول الشرق الأوسط الذي يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى تسيّده وإعادة رسم خرائطه.

إرضاءً لغرور ترامب، وفي محاولة لإنزاله من أعلى شجرة الهوس "الجحيمي"، صاغت حماس بيانها بدهاء شديد، وبترتيب مع عواصم عربية وإسلامية. فأعلنت قبولها الخطة وتسليم الأسرى والجثامين، بما يحقق وقف الحرب والانسحاب الكامل من القطاع، مع توفير الظروف الميدانية لعملية التبادل.

القيادي الفلسطيني لفت إلى أن القاهرة تشارك الفصائل الفلسطينية مخاوفها من تداعيات خطة ترامب

لم تضع الحركة في بيانها المصاغ بعناية مفردةً تدل على الرفض أو حتى التحفظ، لكنها وضعت شروطًا دون أن تُسمِّيها شروطًا، فبدلًا من أن ترفض تسليم غزة للجنة دولية، جددت موافقتها على تسليم إدارة القطاع لهيئة فلسطينية من المستقلين، وذلك بناءً على توافق فلسطيني استنادًا إلى دعم عربي وإسلامي، ما يعني أنها لن تقبل بمجلس توني بلير الذي تضمنته الخطة الترامبية.

ووضعت الحركة، التي ظلت على تواصل مع دوائر صنع القرار في أربع عواصم عربية وإسلامية حتى قبل نشر بيانها بدقائق، القوانين والقرارات الدولية ذات الصلة مرجعيةً لأي قضايا تتعلق بمستقبل غزة وحقوق الشعب الفلسطيني الأصيلة. ما يعني أن ما تضمنته الخطة الأمريكية من تفاصيل تمنح نتنياهو "النصر المطلق" وتحقق له أهداف الحرب الخمسة التي حددها، فُرِّغت من مضمونها وستخضع كثير من بنودها إلى تدقيق ومناقشات قد تكون بدأت في القاهرة.

لم يكُ للحركة أو باقي الفصائل الفلسطينية ومن خلفها الدول العربية والإسلامية المنخرطة أن تقبل بالصيغة التي تتضمن "العديد من الثغرات" على حد تعبير وزير الخارجية بدر عبد العاطي، فقبولها كما هي من شأنه أن "يضع مشهد النهاية لفصل من فصول نضال الشعب الفلسطيني" حسبما قال قيادي فلسطيني لكاتب المقال.

القيادي الفلسطيني المطلع على أجواء المفاوضات لفت إلى أن القاهرة كانت تشارك الفصائل الفلسطينية مخاوفها من تداعيات خطة ترامب على الأمن القومي العربي والمصري، إلى جانب تأثيرها بالغ السوء على مستقبل القضية الفلسطينية. فمبدأ إدارة غزة عبر مجلس دولي تشارك فيه شخصيات عليها علامات استفهام مثل توني بلير، كان وما زال غير مقبول لمصر التي تتحفظ على فتح أراضيها أمام دخول قوات أممية قبل الدفع بهم إلى القطاع لإنهاء المهمة التي فشل جيش الاحتلال في إنجازها.

تَوَجُّه القاهرة دعمته الدوحة وأنقرة والرياض وعمان، وظلت قنوات الاتصال مفتوحة مع الإدارة الأمريكية حتى قبل إعلان حماس عن ردها بدقائق، حتى تم التوافق على صيغة يمكن لترامب أن يعلن بها قبول الحركة لمقترحه وتنفيذ بنده الأول الخاص بتسليم الأسرى الأحياء والجثامين، وأن يجري من خلال مبعوثيه مفاوضات على باقي البنود. ما يعني أن هدف الحركة والعواصم العربية كان إنزال الرئيس الأمريكي من الشجرة إلى مائدة مفاوضات تُطرح عليها حلول وسط، يمكن لكل الأطراف التعاطي معها.

لا شيء سوى الإخضاع

منذ إعلان الرئيس الأمريكي خطته بشكل مسرحي من واشنطن، الأسبوع الماضي، بدا أن هناك هدفًا خفيًا آخرَ بخلاف وقف إطلاق النار وتسليم الأسرى. فالرجل، ومعه صديقه "بيبي"، أراد تهيئة المسرح بستار دخاني استعدادًا لتوجيه ضربة لإيران بمباركة دولية، بذريعة استكمال ضرب مقدراتها النووية.

تحدَّث ترامب عن "السلام الأبدي في الشرق الأوسط"، ولفت إلى أن الأمر لا يقتصر على غزة وحدها. عين الرجل يبدو إذن أنها على "الرأس التي تدير الصراع وتحرِّك وكلاءها لضرب الدولة العبرية".

ذهب الرئيس الأمريكي إلى ما هو أبعد من ذلك، حين قال إن انضمام طهران إلى اتفاقات أبراهام سيكون "أمرًا رائعًا"، تاركًا باب التأويل مفتوحًا؛ هل يقصد الجمهورية الإسلامية الحالية التي ترفع شعار "الموت لأمريكا"، أم إيران الجديدة بعد تفكيك نظامها القائم الذي أسس شرعيته على معادة أمريكا وإسرائيل؟

في موازاة ذلك، كشف نتنياهو عن امتلاك بلاده معلومات دقيقة عن أماكن تخزين نحو 400 كيلوجرام من اليورانيوم المخصب بدرجات قريبة من مستوى تصنيع السلاح النووي، مؤكدًا أن هذه المعلومات جرى تبادلها مع واشنطن، ما يعني أن الملف الإيراني حظي بمناقشات عميقة في اجتماعات واشنطن ونيويورك. فتزامن حديث ترامب عن "السلام الأبدي" مع تصريحات نتنياهو عن "أماكن اليورانيوم المخصب الإيراني" لم يكن مصادفة.

بعد إعلان دول الترويكا الأوربية إعادة تفعيل العقوبات الأممية على إيران، شددت الأخيرة على أنها ستدافع عن مصالحها بقوة، متوعدةً بردٍّ حازم ومناسب على أي تحرك ضدها، وهو ما عبّر عنه رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قالبياف بقوله إن "طهران ليست ملزمة بتنفيذ القرارات بما فيها تعليق التخصيب"، فيما حذر قادة الحرس الثوري من "أبواب الجحيم التي ستفتح على إسرائيل في حال أقدمت مجددًا على أي مغامرة جديدة".

نحن إذن أمام مشهد قاتم؛ خطة ترامب التي قد تتبدد في مسارات التفاوض، وتبدو في الوقت نفسه ستارًا لمشروع أكبر؛ هي إعادة تموضع استراتيجي يفتح الباب لمواجهة مع إيران لـ"إعادة تشكيل الشرق الأوسط"، وفق المعادلة الأمريكية الإسرائيلية.

المعركة المحتملة لن تكون كسابقاتها، بل جزءٌ من مشروع أشمل لتدجين المنطقة وتحويلها ساحة نفوذ أمريكي - إسرائيلي خالصة، تُمحى فيها كل الكيانات الرافضة المُقاوِمة حتى يفرض على باقي المكونات "الخضوع". فالسلام - وفق الرؤية الأمريكية كما قال مبعوث ترامب توم برّاك - "مجرد وهم"، أما الحقيقة فهي فرض الهيمنة على الطرف الآخر الذي لا يملك إلا الاستسلام.

ذلك هو جوهر مشروع التحالف الأمريكي الإسرائيلي؛ "إخضاع المنطقة بالخداع، أو بالنار والدم".