برخصة المشاع الإبداعي: ويكيبيديا
جنود إسرائيليون يجلون جرحاهم في طائرة هليكوبتر خلال حرب أكتوبر 1973

على مصر أن تستعد لجنوح إسرائيلي وارد

منشور الخميس 13 مارس 2025

ينسى البعض، أو الكثيرون، أن جميع الحروب العربية الإسرائيلية، باستثناء حرب 1948، بدأت بعدوان إسرائيلي. دعكم من الدعايات الصحفية والبروباجندا العربية قبل حربي 1956 و1967 عن شهيتنا المفتوحة للحرب. في الواقع، الشهية الإسرائيلية كانت طوال الوقت هي الأقوى.

يتحمَّل جمال عبد الناصر بالطبعِ مسؤولية الهزيمة الكارثية، ولكن ما يُلام عليه هو عدم الجاهزية والاستعداد، لا مسؤولية الذهاب إلى الحرب. إسرائيل تريد العدوان على مصر منذ انكشاف فضيحة بنحاس لافون عام 1954، وظلَّت طوال العامين التاليين لها تُصعِّد حتى نالت مرادها بالتحالف الأنجلو - فرنسي في خريف 1956.

لكن هناك إصرارًا من بعض الجرابيع على بدء سرد قصة حرب 1967 من لحظة قرار عبد الناصر إغلاق خليج العقبة ومضيقي تيران وصنافير، في ترديد يتطابق مع الرواية الإسرائيلية، متجاهلين ما مارسته تل أبيب طوال العامين السابقين على الحرب من عدوان، من تحويل مسار نهر الأردن والاعتداء على مياه بحيرة طبرية، وهي إجراءات ترتب عليها عقد قمة الدار البيضاء العربية عام 1965.

أعقبت ذلك تغولات جوية وبرية لا تتوقف في سوريا، مثل التي تحدث هذه الأيام، وكانت التهديدات بالزحف واحتلال دمشق تتكرر من حمائم وصقور تل أبيب. إذا أردت لوم عبد الناصر فلتلُمه على عدم استعداده وكل المؤشرات كانت تسير في اتجاه عدوان إسرائيلي قادم. العَنْه لأنه فكَّر بالتمني وراهن على تكرار سيناريو حرب 1956 الذي انتصر فيه بالسياسة رغم تعثره العسكري، لكن لا تكن كالجرابيع الذين يدعمون كل وأي استسلام، فيلومونه على موقفه المبدئي بالمواجهة.

أي صراع قادم مع إسرائيل سيكون طويلًا ومريرًا ومُكلِّفًا لا تحتمله مصر المخملية وسكان إيجيبت

منذ أيام، غرد أحد الكولونيلات الأمريكيين من تيار اليمين المسيحي الصهيوني محذرًا مصر من أن إسرائيل ستحتل سيناء من جديد. دوجلاس ماك جريجور هذا ليس شخصًا مهمًا بالضرورة وربما لا يمثل إلا أصواتًا شديدة التطرف والنزق، لكن هو نفسه لم يكن ليُدلي بمثل هذا الكلام قبل عام واحد.

يجب أن نأخذ كل ما يصدر عن الصهيونية القومية الدينية في إسرائيل، والصهيونية المسيحية في أمريكا، مأخذ الجد، فإسرائيل بنت اشتراكية الكيبوتسات انتهت إلى غير رجعة، ونحن الآن نجاور بلدًا محكومًا بمنطق الأسطورة والهوس الديني، يتحالف استراتيجيًا مع مكوِّن أمريكي هو الأكثر يمينيةً وعنفًا، هذا المكون مُعادٍ للسامية ولكن إباديته ونزعته الخلاصية الانتحارية تتجاوزان أي حد أو خيال.

إذا كنت تتعامل مع هؤلاء باعتبارهم مجانين، فنصيب هؤلاء المجانين من صنع القرار هو الأكبر في التاريخ، وأيّ طيفٍ من رشدٍ سابق محمول على تراث الدولة العلمانية الحديثة في إسرائيل انتهى إلى غير رجعة في السابع من أكتوبر، ولم يعد أمام هذا الكيان سوى تفعيل خواص العدوان ليبقى في ظل توازناته الحالية وطوره الأيديولوجي المتعفن الحالي.

أنا لا أريد الحرب ولا أحد يريدها، لكن علينا ألَّا نفكر بالتمني أو نغرق في ترعِ ومصارفِ الإنكار كما اعتدنا دائمًا لنراكم هزائمَ فوق بعضها البعض. علينا الاستعداد والتعامل مع هذا الاحتمال بجدية شديدة، باعتباره احتمالًا واردًا في السنوات المقبلة.

ربما من أصدق ما كان يردده حسنى مبارك باستمرار هو أن 1967 لن تتكرر مرة أخرى. كان ذلك مسعاه وتلك أمنياته، وكان يعني بهذه المقولة المتكررة أننا لن ننجر إلى حرب ولن ندعو إليها وسنكون مستعدين لها في الوقت نفسه، لكن تجنب الصراع والمهادنة لن يمنعها حال استمرت إسرائيل والولايات المتحدة على حالتهما الحالية.

أي صراع قادم مع إسرائيل لن يكون كصراعات القرن العشرين، تلك الحروب المحدودة المنضبطة جدًا التي لا تستمر إلا أيامًا أو أسابيع. الحروب المحكومة بقواعد اشتباك تحمل قدرًا كبيرًا من التعقّل والتحضّر كونها محكومة الخيوط من قبل القوتين العظميين في الحرب الباردة.

هذا الزمن انتهى، وأي صراع قادم مع إسرائيل سيكون طويلًا ومريرًا ومُكلِّفًا، لا تحتمله مصر المخملية وسكان إيجيبت، ولن يُضحِّى فيه عوام المصريين الذين أصبحوا أفضل تعليمًا وأكثر تحضرًا قياسًا بأجدادهم المهزومين، إلا في صراع سيأخذ بتضحياتهم نحو حياة أفضل وأكثر عدلًا.

وحين نقول إن على مصر الاستعداد، فنحن لا نعني الإيجيبشان في أحيائهم المسورة ولا أبطال مسلسلات محمد سامي. نحن لن نواجه إسرائيل بهرمونات أحمد العوضي وجعير عمرو سعد، ولا بكتلٍ برجوازية تكره كل ما هو عربي وتتشدق بماضٍ فرعوني وبعضهم لا يتحدث إلا الإنجليزية، فهذه الحالات وصفات مؤكدة للهزائم.

وحين نقول إن على مصر الاستعداد، فإننا نعني أيضًا وقفًا حاسمًا لامتدادات الاختراق الإماراتي غير معلوم المدى الذي نخر في الجسد المحلي. صدَّعوا رؤوسنا بالحديث عن الطوابير الخامسة، وهذا هو الطابور بـ أل التعريف.

مرة أخرى ليس هناك عاقل يريد الحرب في بلد منهك بالفساد والتخبط والمديونية مثل مصر، ولكن يبدو أن تفعيل إسرائيل لخواص العدوان أصبح شرطًا من شروط بقائها في طورها الديني المأفون. نستطيع تجنب الحرب مؤقتًا عبر إزاحة الصراع إلى أماكن أخرى، لكننا الآن نرى إسرائيل تتحرش بسوريا تحرشًا جادًا لا هدف فعليًا منه إلا العدوان في ذاته.

هزيمة 1967 لن تحدث مرة أخرى ولو وجب علينا القتال بأظافرنا. لن نفقد الممرات أو محاور أبو عجيلة، لكن هذا يتطلب جبهة داخلية أخرى غير الموجودة الآن، أكثر جدية وجلاء ومسؤولية، أكثر عقلانية ومادية، تبدأ من حيث يؤخذ أصعب القرار، لا مجال للدروشة أو التفكير بالتمني أو الاستمناء الفرعوني.

عدا ذلك، ستكون هذه البلاد معرضة لمخاطر وجودية بحق، ربما لم تعرف لها مثيلًا من قبل، وستكون الأثمان المترتبة على ذلك أكبر بكثير من أي صراع مرير محتمل مع إسرائيل مهما بلغت تكاليفه.

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.