canva
القيادي في حركة فتح مروان البرغوثي

مروان البرغوثي.. أبو القسام المتفق عليه إلا قليلًا

منشور الثلاثاء 11 فبراير 2025

يبرز اسم مروان البرغوثي بوصفه واحدًا من القادة القلائل الذين يمكنهم لعب دور محوري في المشهد السياسي الفلسطيني خلال الفترة المقبلة، في ظل الحديث عن المستقبل في الأراضي المحتلة بعد التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة، الشهر الماضي، وذلك لما يتمتع به القيادي الفتحاوي من شعبية جارفة داخل حركة فتح والشارع الفلسطيني، وتمسُّك حركة حماس بفرض اسمه ضمن قائمة الأسرى الذين تطالب بإطلاق سراحهم ضمن المرحلة الثانية من صفقة التبادل.

واعتُقل البرغوثي المُكنَّى أبو القسام عام 2002 خلال عملية الدرع الواقي الإسرائيلية أثناء الانتفاضة الفلسطينية الثانية، واعتبر وزير الدفاع الإسرائيلي وقتها شاؤول موفاز اعتقاله "هدية عيد الاستقلال" التي يقدمها الجيش للشعب الإسرائيلي، واعتقاله "ضربة قاتلة للانتفاضة".

وجهت إسرائيل للبرغوثي، الذي يبلغ الآن 66 سنة، اتهامات بالقتل والشروع فيه، محملةً إياه المسؤولية عن تأسيس كتائب شهداء الأقصى، الذراع العسكرية لفتح، وحكمت عليه المحكمة العليا في تل أبيب في السادس من يونيو/حزيران 2004 بخمسة مؤبدات و40 عامًا، وهو الحكم الذي اعتبره يومها ضمن حديثه للمحكمة التي رفض الاعتراف بها "جريمة حرب"، مشددًا على استعداده لدفع ثمن حرية شعبه بقوله "إذا كان ثمن حرية شعبي فقدان حريتي، فأنا مستعد لدفع هذا الثمن". 

حاضر رغم الغياب

لم يغب البرغوثي المولود لأسرة فقيرة تعمل بالزراعة في قرية كوبر بالضفة الغربية عام 1962، في أي لحظة عن المشهد الفلسطيني، ورغم قضائه أكثر من عقدين في السجون الإسرائيلية، فشل خلالها السجانون والجدران في طمس تأثيره وشعبيته الجارفة، فاز من خلف القضبان في عام 2009 بعضوية اللجنة المركزية لحركة فتح، وتولى منصب نائب رئيس الحركة في المؤتمر السابع عام 2016، وأعلن ترشحه لرئاسة السلطة الفلسطينية في الانتخابات التي كان مفترضًا أن تتم في 2021.

طوال فترة سجنه، تصدَّر البرغوثي استطلاعات الرأي باعتباره أبرز الشخصيات المرشحة لتولي رئاسة السلطة الفلسطينة، متفوقًا على كل قيادات حركة فتح بما فيهم الرئيس الحالي محمود عباس، وكذلك قادة حركة حماس.

هناك محاولات ممنهجة لتصفيته داخل محبسه

وقبيل الانتخابات التشريعية والرئاسية التي أصدر أبومازن قرارًا بإلغائها بحجة رفض إسرائيل إجراءها في القدس، فرَضَ البرغوثي نفسه خليفة محتملًا للرئيس محمود عباس، وهو ما أظهره استطلاع للرأي أجراه مركز القدس للإعلام والاتصال بالتعاون مع مؤسسة فريديريش إيبرت الألمانية، بأن النسبة الأكبر من الفلسطينيين سيصوتون في الانتخابات الرئاسية للبرغوثي على حساب عباس.

وحسب نتائج الاستطلاع، الذي أجري في أبريل/نيسان 2021، حصَل البرغوثي على 33.5% من الأصوات مقابل 24.5% لعباس، فيما اختار 10.5% رئيس المكتب السياسي لحركة حماس حينها إسماعيل هنية حال قرر الترشح.

نتائج مقاربة أيضًا توصل إليها استطلاع آخر أجراه في التوقيت نفسِه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، إذ أكد خليل الشقاقي مدير المركز وقتها أن مروان البرغوثي أكثر شخصية تحظى بشعبية لدى الجمهور الفلسطيني، وأن لا أحد يستطيع الاقتراب من نسبته، وأنه سيفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة إذا ترشح لها بأغلبية كبيرة، هذا إلا إذا تحالفت حركتا فتح وحماس ضده.

ويملك البرغوثي تاريخًا نضاليًا يؤهله لقيادة الشعب الفلسطيني، ويحظى بإجماعٍ حتى لدى الكثير من الأسماء التي تتردد باعتبارها مرشحين محتملين للسلطة، على رأسهم زعيم ما يعرف بالتيار الإصلاحي لحركة فتح محمد دحلان، الذي يتردد اسمه دائمًا باعتباره بديلًا لخلافة أبو مازن ومرشحًا رئاسيًا محتملًا، وأعلن دعمه غير المشروط للمناضل القابع في سجون الاحتلال.

عبَّر دحلان عن موقفه من البرغوثي خلال حديث تليفزيوني لدويتشه فيله في نوفمبر/تشرين الثاني 2015 بأن "مروان البرغوثي دفع لفتح وبفتح في الانتفاضة الثانية وكان نجمًا لها، ولأجل ذلك يدفع ثمنها في أنه محكوم هذه الأحكام الطويلة"، مضيفًا "أتمنى أن أرى البرغوثي رئيسًا لفلسطين إذا رشَّح نفسه وانتخبه الشعب الفلسطيني، وبالتأكيد سأدعمه".

محاولات لتصفيته بمحبسه

صورة أرشيفية من لقاء وزير الخارجية سامح شكري مع فدوى البرغوثي، زوجة الأسير مروان البرغوثي القيادي في حركة فتح. 12 مارس 2023

ترفض إسرائيل الإفراج عن البرغوثي، الذي بدأ نشاطه السياسي مبكرًا، وانتمى لحركة فتح في سن الخامسة عشرة.

وتشددت إسرائيل عام 2010 في رفض الإفراج عن البرغوثي ضمن صفقة وفاء الأحرار لمبادلة الجندي جلعاد شاليط بمعتقلين فلسطينيين في سجونها، وهي الصفقة التي أُفرج فيها عن زعيم حركة حماس الراحل يحيى السنوار. كما تمسكت تل أبيب برفض إطلاق سراحه خلال مفاوضات غير مباشرة مع حركة حماس بشأن إطلاق سراح أربعة أسرى لدى الحركة قبيل طوفان الأقصى.

ولم تكتفِ الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة برفض تحرير البرغوثي فقط من سجونها، بل عمدت إلى التنكيل به داخل سجنه، وتعرض لاعتداءات بدنية أكثر من مرة، بخلاف إيداعه زنازين العزل الانفرادي لفترات طويلة.

في هذا الإطار تقول زوجته الناشطة والمحامية فدوى البرغوثي لـ المنصة إنه حتى أكتوبر/تشرين الأول الماضي تعرَّض لاعتداءات وحشية تضرَّر جسديًا من جرائها ثلاث مرات، معتبرة أن "هناك محاولات ممنهجة لتصفيته داخل محبسه".

تدعم حديث زوجة البرغوثي روايات عديدة نقلها أسرى محررون مؤخرًا ضمن صفقة التبادل في إطار اتفاق وقف إطلاق النار، إذ يقول الأسير الفلسطيني المحرر بشار شواهنة إن البرغوثي يواجه إجراءات عقابية قاسية داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، ويُعزل بشكل متكرر ونقله من زنزانة إلى أخرى، في محاولة لكسر معنوياته وفرض العزلة عليه بعيدًا عن الأسرى الآخرين. وأضاف في مقابلة مع الجزيرة مباشر أن البرغوثي تعرَّض لاعتداءات جسدية متكررة، خاصة بعد السابع من أكتوبر، ضمن حملة إسرائيلية استهدفت قادة المقاومة داخل المعتقلات.

شخص بعينه في السلطة

وتتشدد إسرائيل في موقفها خلال كل مرة يُطرح فيها اسم أبو القسام ضمن أي مفاوضات تبادل، وسط تسريبات وتلميحات عبرية بتلاقي الرغبة الإسرائيلية بشأن البرغوثي مع هوى ومطلب لدى قيادات في حركة فتح والسلطة الفلسطينية نظرًا لما يمثله من خطر على مستقبل بعضهم السياسي.

تلك التسريبات تعلِّق عليها فدوى البرغوثي بعبارات تحمل تأكيدًا أكثر مما تنفي "يجب التمييز بين أن السلطة الفلسطينية بشكل عام لا تريد إطلاق سراح مروان البرغوثي، وأن شخصًا بعينه ضد ذلك"، فربما يكون هناك من يرغب في منع إطلاق سراحه، لكن الأكيد أن مصلحة السلطة الفلسطينية بشكل عام في إطلاق سراح زوجها، مشددة على أن حركة فتح ستكون أكثر المستفيدين من الإفراج عنه، لأنه سيعيدها إلى مسارها الطبيعي ولصدارة المشهد مجددًا.

بذور الوحدة في الزنزانة 28

طالما كانت الوحدة الفلسطينية الشغل الشاغل للبرغوثي داخل محبسه، ولم تمنعه أسوار السجن من لعب دور فاعل في هذا السياق.

وكانت الزنزانة 28 في سجن هداريم الإسرائيلي شاهدة على الاجتماع الأول للاتفاق على  وثيقة الوفاق الوطني، بين مروان بصفته أمين سر حركة فتح وعضو المجلس التشريعي الفلسطيني، وعبد الرحيم ملوح عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ونائب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وبسام السعدي من قياديي ومؤسسي حركة الجهاد الإسلامي، وعبد الناصر عيسى المنسق العام للهيئة القيادية لأسرى حركة حماس وأحد قيادييها.

وكانت هذه الجلسة بداية الفكرة التي وجدت لاحقًا طريقها إلى النور بعد فترة من النقاشات والحوارات، حتى التوصل للاتفاق النهائي لنص الوثيقة، التي تمثلت أهميتها في كونها الأولى التي تأتي بشكل مشترك بين أجنحة الحركة الوطنية والإسلامية الفلسطينية، التي ترسم برنامجًا وتضع مبادئ أساسية، وتصلح أن تكون استراتيجية للحركة الفلسطينية للسنوات المقبلة.

يجعل هذا الإجماع الذي يحظى به البرغوثي بين أبناء شعبه والحركة، باستثناءات قليلة، أشارت لها زوجته في حديث سابق دون تسميتها، الشخصية الفلسطينية الأكثر شعبية بين الموجودين على الساحة، والقادرة على تحقيق الوحدة الفلسطينية ولم شمل كافة المكونات على هدف واحد.