برخصة المشاع الإبداعي: تصوير Garry Walsh من حساب Trocaire، فليكر
الجدار العازل الإسرائيلي يخترق مدينة بيت لحم الفلسطينية في الضفة الغربية. 13 أبريل 2012

النسخة الصهيونية من قوانين نورمبرج.. إسرائيل تتماهى مع جلادها النازي

منشور الاثنين 18 نوفمبر 2024

بينما يرتكب جيش الاحتلال الإسرائيلي جرائم حرب وإبادة جماعية ضد المدنيين العُزل في قطاع غزة وجنوب لبنان ضاربًا عرض الحائط بالقانون الدولي الإنساني وبالقرارت الأممية، يمضي ساسته وبرلمانيوه في الكنيست بالتوزاي في تنفيذ سلسلة جرائم تشريعية تهدف إلى مصادرة حقوق الفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية بل وأيضًا داخل الخط الأخضر.

تحت ستار الدخان الكثيف لعمليات التدمير الممنهج التي ينفذها الاحتلال سواء في غزة أو جنوب لبنان، قدم نواب أحزاب الائتلاف الصهيوني المتطرف الحاكم في إسرائيل إلى الكنيست عددًا من مشروعات القوانين التي تُرسخ للفصل العنصري وتمنح قوات الأمن الحق في ملاحقة الفلسطينيين ومعاقبتهم جماعيًا، بدعوى "مكافحة الإرهاب وحماية الدولة"، وصادق المجلس على عدد منها فيما لا يزال بعضها قيد المناقشة.

الدولة العبرية التي أقر برلمانها منتصف 2018 تشريعًا عنصريًا يجعل من إسرائيل "دولة قومية للشعب اليهودي"، وينص على أن "حق تقرير المصير هو حق خاص للشعب اليهودي"، بما يضاعف التهميش والتمييز ضد الأقلية العربية. بعده بأربع سنوات، صادقت من خلال الكنيست على قانون آخرَ يرفض إقامة دولة فلسطينية غرب نهر الأردن، بدعوى أن إقامتها "في قلب إسرائيل ستكون مكافأة للإرهاب وستشكل خطرًا وجوديًا عليها وعلى مواطنيها".

إقرار هذين القانونين كشف ما حاولت بعض الحكومات الإسرائيلية مدارته، عندما كان الحديث عن السلام جزءًا من استراتيجيتها في المراوغة. فغالبية الإسرائيليين ينكرون حقوق الشعب العربي الفلسطيني داخل الخط الأخضر وفي المناطق المحتلة، التي نظريًا تسيطر عليها السلطة الفلسطينية، وفقًا لما جاء في اتفاقية أوسلو التي أقرت فيها منظمة التحرير الفلسطينية بحق إسرائيل في الوجود والعيش في سلام مقابل إقامة دولة فلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية.

وكما نسفت إسرائيل بممارستها الإجرامية الاستيطانية أي فرصة للتقدم في مسار السلام المزعوم، أسقطت بالقانونين المشار إليهما ما بقي من اتفاقية أوسلو وضربت أُسس ما يسمى بـ"حل الدولتين" الذي تُطنطن به الحكومات العربية والغربية لتبريد القضية الفلسطينية، وتصدير خطاب يبدو مقبولًا لشعوب العالم التي تتابع مجازر إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني.

ما بين إقرار القانونين، لم تتوقف ماكينة التشريع الصهيونية عن إصدار قوانين تُشرعن ممارسات الفصل العنصري والتمييز ضد الفلسطينين، والتي تهدف إلى تحقيق حلم توسيع "الدولة القومية اليهودية" لتشمل كل أراض فلسطين التاريخية من النهر إلى البحر، وعلى الفلسطينين القبول بأحد الخيارين إما التهجير، قسرًا أو طوعًا، أو القبول بالعيش داخل حدود إسرائيل كسكان، لا مواطنين، بلا أي حقوق. أي من لا يقبل منهم بالطرد والعيش لاجئًا خارج بلاده فعليه أن يقبل بالمذلة والهوان والملاحقة تحت مظلة دولة الفصل العنصري.

منحت إسرائيل مواطنيها اليهود مكانة أعلى بموجب القانون مقارنة بالفلسطينيين

أصدرت حكومة بنيامين نتنياهو الصهيونية المتطرفة في أقل من عام حزمة من القوانين التي لا تقل في مضامينها ومقاصدها عن قوانين نورمبرج النازية في ألمانيا عام 1935، للفصل القانوني والاجتماعي بين الألمان واليهود على أساس عرقي.

تماهى الصهاينة مع جلاديهم السابقين، واستنسخوا ولا يزالون ممارسات وتشريعات أسوأ بمراحل ضد أكثر من سبعة ملايين فلسطيني يعيشون في أرض فلسطين التاريخية. ارتكب الإسرائيليون مئات المجازر وهدموا المؤسسات المدنية والدينية والتهموا الأراضي ولاحقوا سجناءهم الفلسطينيين بتشريعات إرهابية تضعهم تحت سيف الطرد والإبعاد والسجن بل والإعدام.

"لتحقيق هدف حكومات الاحتلال المتعاقبة بفرض السيطرة على كامل فلسطين التاريخية، عمدت تلك الحكومات وبدرجات مختلفة من الشدة إلى نزع ممتلكات الفلسطينيين، وإخضاعهم، وعزلهم، وفصلهم قسرًا بحكم هويتهم، كان هذا الحرمان شديدًا إلى درجة أنه يرقى إلى مستوى الفصل العنصري والاضطهاد، وهما جريمتان ضدّ الإنسانية"، بحسب تقرير لهيومن رايتس واتش صادر عام 2021، أي قبل طوفان الأقصى بنحو ثلاث سنوات.

يشير التقرير إلى أن إسرائيل منحت مواطنيها اليهود مكانة أعلى بموجب القانون مقارنة بالفلسطينيين الذين يعيشون في المناطق نفسها، فيما يتعلق بالحقوق المدنية، والوصول إلى الأرض، وحرية التنقل والبناء، ومنح حقوق الإقامة للأقارب.

رغم أن الفلسطينيين لديهم قدْر محدود من الحكم الذاتي في أجزاء من الأراضي الفلسطينية المحتلة، فقد حافظت إسرائيل على سيطرة أساسية على الحدود، والمجال الجوي، وحركة الأشخاص والبضائع، والأمن، وسجل السكان بأكمله، وهو ما يُحدّد بدوره مسائل أخرى مثل المكانة القانونية وأهلية الحصول على بطاقات الهوية.

أخيرًا.. وخلال هذا العام، أطلقت حكومة نتنياهو العنان وذهبت إلى أبعد مما يتصور أحد، إذ صادق نوابها في الكنيست على ما لا يقل عن 10 قوانين نازية، كان آخرها قانون صدر مطلع هذا الشهر يقضي بترحيل عائلات الفلسطينيين الذين تصفهم إسرائيل بأنهم "ناشطون إرهابيون"، وفي الأسبوع نفسه صادقوا على قانون آخر يُخضع القُصَّر للسجن في حال أدينوا في المحكمة بارتكاب أعمال إرهابية.

وفي مطلع الشهر الحالي صادق الكنيست أيضًا على قانون يتم بموجبه ملاحقة المعلمين والطواقم المهنية داخل أراضي 48، بدعوى "مكافحة الإرهاب"، كما شرع النواب في مناقشة قانون آخر يحظر رفع العلم الفلسطيني في المؤسسات الممولة والمدعومة من الحكومة الإسرائيلية.

وقبل نهاية الشهر الماضي مرر الكنيست قانونين يهدفان إلى عزل الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة، الأول يمنع أي كيان سياسي أجنبي بفتح أو تشغيل بعثة دبلوماسية في القدس لخدمة غير المقيمين في إسرائيل، والسبب في عدم منح هذا الإذن هو "احتمال ظهور وضع فعلي للقدس كمدينة مشتركة".

أما القانون الثاني فيمنع وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين أونروا من العمل داخل إسرائيل، وذلك بالتزامن مع استخدام التجويع كسلاح في حرب الإبادة التي تخوضها دولة الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ويهدف التشريع إلى إحكام الحصار الكامل على الفلسطينيين ليقبلوا بمخطط التهجير أو يستسلموا للإرادة الإسرائيلية بالكامل.

وبعد إقرار قانون حظر الأونروا بيوم واحد أقرت الهيئة العامة للكنيست، بالقراءة التمهيدية، قانونًا آخرَ من قوانين تقييد الحريات للمواطنين العرب، وتقليل مشاركتهم في انتخابات الكنيست. ويتيح القانون شطب ترشيح شخص، أو حزب، أو شطب كل مرشحي حزب، إذا قررت أكثرية لجنة الانتخابات المركزية الأمر، وفق حجة "إبداء دعم وتأييد لمنفذ عملية إرهابية"، بموجب التعريف الإسرائيلي للإرهاب، أو إبداء دعم للكفاح المسلح، حتى لو لم يخرج هذا الدعم إلى حيز التنفيذ أو لم يشجع أحدًا على استخدامه.

الإجرام العسكري والأمني والتشريعي الذي تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين أثبت بما لا يدع مجالًا للشك، أن الدولة العبرية تمارس أسوأ أنواع التمييز والفصل العنصري، والذي قد يتعدى في تأثيره ما ارتكبه نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا ضد السود، وما ارتكبه النازيون ضد اليهود، ورغم كل هذا لا تزال بعض الأنظمة العربية متمسكة باستمرار علاقاتها الدبلوماسية مع ذلك الكيان، ولا يزال النظام العربي بأكمله يتحدث عن ضرورة "حل الدولتين".

لا يمكن التعامل مع إسرائيل باعتبارها دولة، إسرائيل يجب أن توضع في خانة الكيان المنبوذ الملاحَق قانونيًا وسياسيًا، وعلى الأنظمة العربية أن تتبنى بعد سحب اعترافها بهذا الكيان مجددًا حل الدولة الواحدة "من النهر إلى البحر" على كامل أراض فلسطين التاريخية. دولة تقام على أُسس العدالة والمساواة والحرية لأبناء جميع الأعراق والديانات.

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.