تصميم يوسف أيمن لـ المنصة
صورة تعبيرية عن حجب المواقع الصحفية في مصر

"ساندفاين" تنهي تعاملاتها مع مصر.. هل يكفي ذلك؟

بعد سنوات من منع المصريين من الوصول للصحافة المستقلة

منشور الخميس 26 سبتمبر 2024

في محاولة لتبييض سمعتها، أعلنت شركة ساندفاين الكندية فض شراكتها مع الحكومة المصرية وسحب تقنياتها من تحت يد السلطة في مصر بعد فضائح مدوية أعقبت ثبوت استخدام تقنياتها في تعقب المعارضين السياسيين، أبرزهم أحمد الطنطاوي، وحجب المواقع الصحفية المستقلة، منها موقع المنصة.

ورغم تعهد ساندفاين ببدء فصل جديد من عملها بالتركيز على دعم حرية الإنترنت والحقوق الرقمية.. يبقى السؤال هل يكفي هذا بعد كل الخسائر التي تسببت فيها؟ وهل يؤدي انسحابها لتحسن الأوضاع في مصر؟

تقول المؤشرات إن السلطة "لن تغلب"، ستجد وسائل عدة لاستمرار فرض الحجب على المواقع المستقلة أو التجسس على المعارضين، من خلال الشركات الأخرى التي يبدو أنها تتعاون معها بالفعل. فخلال السنوات الماضية، لم يقتصر تعامل الحكومة على ساندفاين، حسب الخبير التقني محمد الطاهر.

فلاش باك.. ليل داخلي/ظلام حالك

في أغسطس/آب 2020 ثبت تورط ساندفاين مع حكومة بيلاروسيا في حجب الإنترنت أثناء قمع المعارضة وهندسة الانتخابات الرئاسية. ولأن الفضيحة كانت مدوية، أعلنت الشركة انسحابها من الدولة الشرق أوروبية قائلة إن "هذا انتهاك لحقوق الإنسان استدعى إنهاء التعاقد تلقائيًا". لكن بعد شهر واحد، أثبتت المنصة في تحقيق تقني أجرته بالتعاون مع مؤسسة Qurium السويدية أن شركتي المصرية للاتصالات TE وأورنج تحجبان وصول المستخدمين لموقع المنصة عن طريق معدات ساندفاين.

وحاولت المنصة التواصل مع ساندفاين وقتها، ولم تتلق ردًا.

بعدها، في يناير/كانون الثاني 2022، ذكرت بلومبرج أن الشركة أبرمت صفقات في الجزائر وجيبوتي وإريتريا والعراق وكينيا والكويت وباكستان والفلبين وقطر وسنغافورة والإمارات العربية المتحدة وأوزبكستان. كما ذكرت أن الموظفين السابقين في ساندفاين شعروا أن الشركة تخلت منذ عام 2017 عن سياسة عدم بيع تكنولوجيتها لمن قد يستخدمها لانتهاك حقوق الإنسان، بعدما استحوذت عليها شركة فرانسيسكو بارتنرز . والأخيرة هي شركة مساهمة شملت استثماراتها في وقت ما أغلبية الأسهم في مجموعة NSO؛ الشركة الإسرائيلية التي تقف وراء برنامج التجسس المثير للجدل بيجاسوس، ولم تستجب فرانسيسكو بارتنرز لطلب الرد حينها من بلومبرج.

وفي أبريل/نيسان 2022، نشرت Rest of World تحقيقًا مطولًا عن جرائم ساندفاين في حجب المواقع المستقلة في مصر وأوكرانيا، وتأثير ذلك في اقتصاديات الصحافة المستقلة وقدرة المواطنين على الحصول على المعلومات. وكالعادة، لم تستجب ساندفاين لمحاولات التواصل ولم تكترث بالرد.

لم يمر الكثير من الوقت حتى أثبتت مؤسسة citizen lab الكندية، في سبتمبر/أيلول 2023، تورط الشركة في اختراق هاتف السياسي المعارض أحمد الطنطاوي ببرنامج تجسس، عقب عزمه الترشح لانتخابات الرئاسة.

لكن جاء أول رد فعل على كل تلك الانتهاكات الفجة من الولايات المتحدة الأمريكية، في فبراير/شباط الماضي، حين أدرجت ساندفاين على قائمة الكيانات المحظور التعامل معها، الخاصة بوزارة التجارة الأمريكية، ما يعني فرض قيود تجارية عليها، وذلك لتزويدها مصر بتكنولوجيا "تستخدمها في المراقبة الجماعية للمواقع الإلكترونية، والرقابة لحجب الأخبار، وكذلك استهداف الجهات الفاعلة السياسية ونشطاء حقوق الإنسان".

بعد كل هذا، حددت ساندفاين في بيان، 31 مارس/آذار 2025، موعدًا لإنهاء تقديم خدماتها للحكومة المصرية، و31 ديسمبر/كانون الأول 2025 للعملاء المصريين المتبقين ومجموعة من الدول القمعية الأخرى. وإن كان البيان خص مصر دون غيرها باستخدام تقنيات ساندفاين لفرض رقابة على المحتوى المنشور على الإنترنت.

محو سجل الماضي

أعلنت ساندفاين بداية فصل جديد من عملها في سوق الحلول التكنولوجية، والتركيز على دعم حرية الإنترنت والحقوق الرقمية. واعتبرت أن أفضل السبل لتحقيق استراتيجيتها الجديدة هو الخروج من نطاق الدول التي لا تلتزم بحرية الإنترنت وحماية سيادة القانون.

"مهمتنا مساعدة الناس على العمل، التعلم، الترفيه والتواصل. استجابةً للمخاوف المتعلقة بسوء استخدام تقنياتنا من قبل بعض الحكومات الأجنبية، التزمنا بملكية وقيادة واستراتيجية أعمال جديدة"، أوضحت الشركة التي كشفت أنها خلال الأشهر القليلة الماضية أجرت تغييرات كبيرة في حوكمتها الداخلية بالتشاور مع وزارتي التجارة والخارجية الأمريكية، وأعضاء رئيسيين في الحكومة الأمريكية، لم يسمهم البيان.

تضرُّر المصالح الاقتصادية للشركة عامل حاسم في تعديل الاستراتيجية

يعتبر الخبير التقني، محمد الطاهر، أن الضغوط التي فرضتها وزارة التجارة الأمريكية منذ فبراير الماضي هي التي دفعت الشركة لهذا التغيير الجذري، موضحًا أن تضرُّر المصالح الاقتصادية للشركة كان عاملًا حاسمًا في قرار تعديل استراتيجيتها.

"الموقف الأمريكي كان مبنيًا تمامًا على مصر التي تستخدم أدواتها في الحجب والتورط في مراقبة أحمد الطنطاوي، الحدث واضح وموثق"، يوضح الطاهر أسباب ذكر بيان الشركة لمصر دونًا عن الدول الأخرى التي أنهت التعامل معها. 

مع اعترافها بتوظيف تقنياتها في انتهاكات حقوق الإنسان، تتجه الشركة لتقديم امتيازات دعمًا للحقوق والحريات الرقمية، معلنة تخصيص 1% من جميع الأرباح لحماية الحقوق الرقمية.

"بالإضافة إلى خطتنا الجديدة التي تستهدف الديمقراطيات فقط، سنبدأ اعتبارًا من عام 2025 بالتبرع بنسبة 1% من أرباحنا المستقبلية للمنظمات التي تعمل على حماية حرية الإنترنت ومعالجة حالات انتهاك حقوق الإنسان والحقوق الرقمية"، في محاولة لجبر الضرر الذي أحدثته.

ولتفعيل الدور الجديد، أعلنت الاستعانة بمستشارين خارجيين ذوي خبرة عميقة في فهم المخاطر العالمية المرتبطة بالحقوق الرقمية، وتعيين مستشار مسؤول عن تقديم المشورة للمساعدة في منع إساءة استخدام المنتجات في المستقبل، فضلًا عن تعزيز تواصل الشركة مع المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني لحماية الحريات الأساسية على الإنترنت، والالتزام بتحسين العلاقات والتشاور معه لفهم كيفية دعم الحقوق الرقمية، وتحديد المخاطر المستقبلية التي تؤثر على حقوق الإنسان.

فيما لم تعلن الشركة عن آلية لتعويض ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان جراء استخدام تقنياتها، ولم تجب عن أسئلتنا المرسلة عبر الإيميل بشأن سبل تعويض الضحايا أو الإجراءات التي ستتبعها للتأكد من استخدام أدواتها استخدامًا رشيدًا لا ينتهك حقوق الإنسان.

مع تغيير الإدارة والسياسات أعلنت الشركة تغيير اسمها بدءًا من عام 2025 "سنعمل تحت اسم جديد يعكس ريادتنا في حماية الحقوق الرقمية".

اعترفت ساندفاين اعترافًا واضحًا بـ"إساءة استخدام منتجاتها في الماضي"، وأقرت أن استجابتها للتقارير التي كشفت عن هذه الإساءات لم تكن كافية. كما أدانت أي استخدام لمنتجاتها لتسهيل القمع، أو تقييد حرية التعبير، أو الحد من حرية الجمعيات، أو مراقبة الصحفيين والمعارضين السياسيين، أو تعطيل الانتخابات الديمقراطية.

وكان التحقيق التقني الذي أجرته المنصة مع Qurium في سبتمبر 2020 كشف أن مقدمي خدمة الإنترنت في مصر يستخدمون تقنيات شديدة التطور تستخدم wildcard لحجب مئات المواقع دون تمييز لنطاقاتها، ومنها موقع المنصة، عبر حجب أسماء النطاقات الفرعية والبديلة التي تستخدمها المواقع للوصول إلى جمهورها، من تطوير ساندفاين.

هل تغيِّر مصر سياساتها؟

رغم تغيير ساندفاين استراتيجيتها، فإن هذا لن ينعكس بالضرورة على سياسات السلطات المصرية؛ يشير الخبير التقني محمد الطاهر إلى تعدد شركات الخدمات التكنولوجية التي تتعاون معها مصر، والتي قد تمدها ببرامج تسهِّل استمرار حجب المواقع وفرض الرقابة على الإنترنت "يمكن بسهولة استمرار مصر في نفس السياسات من خلال طرق أخرى وشركات أخرى".

وتتفق معه رحمة سامي، الباحثة في مؤسسة حرية الفكر والتعبير، التي تشير إلى تعدد الشركات التي تقدم هذا النوع من التقنيات التي تستخدم في التضييق على الإنترنت و مراقبته أو مراقبة الأفراد. 

"عندنا مشكلة أساسية. لا توجد جهة رسمية تعترف بوجود، أو بالتعاون مع أي شركة، لها علاقة بأنظمة تكنولوجية تتعلق بالحجب"، تقول سامي لـ المنصة، بينما تشير إلى أن إعلان المجلس الأعلى للإعلام فرض عقوبة الحجب على موقع مدى مصر لمدة ستة أشهر كان المرة الأولى الذي يجري فيها الإعلان عن الحجب بشكل رسمي استنادًا للقانون، رغم أن موقع مدى محجوب فعليًا منذ عام 2017.

باستثناء قرار الأعلى للإعلام حجب مدى في أكتوبر/تشرين الأول 2023، تمارس السلطة حجب المواقع في مصر خارج إطار القانون، ودون أن تُعلن أي جهة رسمية مسؤوليتها عنه.

ويتيح القانون للمجلس الأعلى للإعلام سلطة حجب المواقع الصحفية التي تعمل دون ترخيص أو تنشر أخبارًا كاذبة. ونفى الأمين العام السابق للمجلس، المستشار محمود فوزي، مسؤولية المجلس عن حجب المواقع الصحفية، وقال "قد يكون الحجب أحيانًا لأسباب فنية لا دخل لنا بها"، كما صرح في إحدى جلسات الحوار الوطني بأن موقع المنصة لم يصدر ضده قرار بالحجب، ولا برفض الترخيص. ورغم ذلك فالموقع محجوب فعليًا منذ يونيو/حزيران 2017.

بينما تؤكد الباحثة بمؤسسة حرية الفكر والتعبير حجب 563 موقعًا في مصر، منها 123 موقعًا صحفيًّا، مشددةً على أن السياسة التي تتبعها مصر لن تتأثر بقرار ساندفاين منفردة، وإنما يجب أن تتبعها قرارات مشابهة من شركات تقديم خدمات الإنترنت.

كان التقرير السنوي لمنظمة "مراسلون بلا حدود"، حول حرية الصحافة، أكد تراجع مصر أربعة مراكز على مؤشر التصنيف العالمي لحرية الصحافة خلال العام الحالي، لتحتل المركز 170 من أصل 180 دولة شملها التصنيف، مقارنة بالمركز 166 خلال العام الماضي.

ويستمر حجب المئات من المواقع الإخبارية والحقوقية في مصر خارج إطار القانون. وسبق وانتقدت الخارجية الأمريكية، في تقريرها السنوي حول حالة حقوق الإنسان في مصر "فرض قيود على حرية الصحافة"، واستمرار حجب المواقع الصحفية، بما في ذلك المنصة ومدى مصر منذ 2017.