في الوقت الذي تداول فيه الصحفيون خبر انضمام موقعي مصر 360، والسلطة الرابعة لمجموعة المواقع المحجوبة، كانت لجنة حقوق الإنسان بالمحور السياسي في الحوار الوطني على موعد مع مناقشة "الحق في تداول المعلومات". قد تحمل العبارة تناقضًا مع الواقع، لكنه ليس ببعيد عن مفارقات المشهد السياسي وأوضاع الحريات العامة، وفي القلب منها الصحافة والإعلام.
منذ دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي في أبريل/نيسان 2022 لإجراء حوار "سياسي"، أطلقت السلطات سراح أكثر من ألف سجين من المحبوسين احتياطيًا على ذمة قضايا رأي، ومن جهة أخرى استمرت في توقيف وتوجيه الاتهامات بنشر أخبار كاذبة، والانضمام لجماعة محظورة لآخرين جدد. وعاد مؤسسو حركة شباب 6 أبريل "المحظورة" للمشهد بمشاركة في الحوار الوطني، كما شارك آخرون يمثلون حزب مصر القوية بينما رئيسه عبد المنعم أبو الفتوح محكوم عليه بالسجن 15 سنة بتهمة نشر أخبار كاذبة والانضمام لجماعة أنشأت خلافًا للقانون.
التوقف أمام هذه المفارقات قد يصيبك بالدهشة، لكنك تجد تفسيرها في حديث المنسق العام للحوار الوطني ضياء رشوان عن الإرادة السياسية ومقاومة الإصلاحات، خلال ردوده على بعض مداخلات جلسة الأمس.
مخاوف الصحفيين
لم تخل الجلسة التي استمرت نحو ست ساعات من الحديث عن مخاوف بشأن صدور القانون الذي يلبي الاستحقاق الدستوري الخاص بحرية تداول المعلومات والإحصاءات، بموجب المادة 68 من الدستور، الذي مر على صدوره أكثر من تسع سنوات.
انتقد نقيب الصحفيين، خالد البلشي، الحديث عن الحق في تداول المعلومات في الوقت الذي يُحجب فيه موقعان صحفيان جديدان.
لفت البلشي إلى عقد مجلس نقابة الصحفيين اجتماعًا للتحضير لعرض رؤية النقابة في الحوار الوطني، وكشف عن وجود مخاوف بين أعضاء المجلس من صدور قانون في ظل هذا المناخ، مستعرضًا بعض القيود التي تحول دون أداء الصحفي عمله بحرية، وقال "أخشى من نفس العقلية وتقييد الحق الدستوري بدلًا من إتاحته، الشيطان يكمن في التفاصيل، وشياطين كثيرة في تفاصيل كثيرة".
بدوره، طالب وكيل مجلس نقابة الصحفيين، محمد سعد عبد الحفيظ، بالتريث واعتبر أن المشرع الدستوري "كان حالمًا، يأمل أن الأوضاع التي كانت قائمة قبل إقرار الدستور يحصل فيها تغييرات جذرية في بنية مؤسسات الدولة، وهو ما لم يحدث، وظلت المعطيات كما هي وربما تكون ساءت، كما يقدر البعض".
فوزي: ليس صحيحًا أن قانون تنظيم الصحافة يقيد حرية الرأي
استعرض عبد الحفيظ التجربة التي شارك فيها ضياء رشوان وخالد البلشي ضمن لجنة مكونة من 50 عضوًا، لإعداد مقترح قانون موحد لتنظيم الإعلام، وقال "كان نموذجي ودخل الدرج، وطلعت 3 قوانين أخرى لا علاقة لها بحرية الصحافة والإعلام، وتضرب مهنة الصحافة والإعلام في مقتل"، كما انتقد البرلمان السابق الذي خرجت عنه هذه القوانين واعتبره "لا يعبر عن الشعب".
دفاع جديد عن البرلمان
وكطبيعة الجلسات السابقة التي يرفض فيها المنسق العام للحوار، ضياء رشوان ما يصفه بـ "الإساءة للمؤسسات الدستورية"، رد على عبد الحفيظ متحفظًا على كلمته، وشدد على تمثيل البرلمان للمواطنين، وتمسك بالرغبة في الخروج بنتائج من الحوار مع مراعاة وجود مسارات دستورية، وقال "فيه مؤسسات نظمها الدستور مش أنا، والمخرجات تروح لرئيس الجمهورية، والرئيس لا يملك تشريع قوانين، حريصين على عدم المساس بمؤسسات دستورية والحوار يتخذ مساره".
الاتجاه نفسه اتبعه رئيس الأمانة الفنية للحوار الوطني، المستشار محمود فوزي، مدافعًا عن البرلمان "المنتخب بانتخابات صحيحة وسليمة وتحت إشراف قضائي كامل وصاحب اختصاص أصيل في كل ما يراه من تشريعات، والتشريعات تصدر وفق الإجراءات المقررة ونسب التصويت المحددة".
وردًا على الانتقادات الموجهة للتشريعات التي خرجت عن البرلمان، قال فوزي إن "حق التقاضي الدستوري مكفول، ومن حق أي حد أن يطعن فيه وإلى أن يتم ذلك كل التشريعات متمتعة بقرينة الصحة الدستورية"، ودافع الأمين العام للمجلس الأعلى للإعلام عن قوانين تنظيم الصحافة، وقال إنه "ليس صحيحًا أن قانون تنظيم الصحافة يقيد حرية الرأي، هناك فرق بين التقييد والتنظيم".
لماذا تأخر صدور القانون؟
وجه عدد من المشاركين في المناقشات انتقادات لعدم صدور قانون ينظم الحق في تداول المعلومات، وتساءل المحامي عصام الإسلامبولي عن تأخر صدور القانون وغيره من الاستحقاقات الدستورية الأخرى.
حذر النائب ضياء الدين داود من استمرار تجاهل مطالب المصريين
حاول رئيس الأمانة الفنية للحوار الوطني تقديم تفسيرات لتأخر صدور القانون لمدة تقترب من العشر سنوات، معتبرًا أن الدولة قطعت خطوات لتهيئة المناخ لصدور القانون، بقوله "هو مثلث من ثلاثة رؤوس، قانون ينظم جرائم تقنية المعلومات، كما يجب أن يكون لديك قانون حماية البيانات الشخصية المعالجة إلكترونيًا، هذه بنية قانونية أساسية، والآن نتدارس قانون تداول المعلومات".
كان مجلس النواب وافق في الفصل التشريعي السابق على مشروع قانون تنظيم جرائم تقنية المعلومات، الذي صدر في 2018، كما وافق أيضًا على قانون حماية البيانات الشخصية وصدر في 2020.
البحث عن الإرادة
من جهته، حذر عضو مجلس النواب، ضياء الدين داود، من استمرار تجاهل تلبية مطالب المصريين، وقال "إننا أمام أزمة حرية، وتداول معلومات، وتداول سلمي للسلطة، وعدم توفر إرادة"، في الوقت نفسه اعتبر داود أن وجود الحوار "ربما يعني أن جزءا من الإرادة توفرت"، ولكنه أيضًا أقر بأن تعطل النص الدستوري نحو عشر سنوات يعني "حتمًا في حد دايس على فرامل بيوقف فكرة أن يكون عندنا تداول معلومات، نحن الآن في مرحلة صناعة الإرادة".
أما الناشط السياسي والمحامي عمرو إمام، الذي انضم قبل أيام للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، بدأ كلمته متسائلًا "أنا اتحبست 1104 يوم انفرادي بتهمة نشر أخبار كاذبة، هل ده تبع اللي احنا فيه دلوقتي؟"
وشارك إمام المخاوف نفسها التي عبَّر عنها داود بشأن عدم وجود إرادة سياسية، وقال "لو مفيش، لو عملنا ألف قانون مش هتتغير حاجة"، واختتم كلمته مطالبًا بالإفراج عن كل سجناء الرأي ومنهم أحمد دومة، وعلاء عبد الفتاح، ومحمد الباقر، وغيرهم، ورفع الحجب عن كل المواقع، وقال إن "الفكرة مش في قوانين لكن إرادة سياسية حقيقية".
مقاومة الإصلاحات
يتمسك المنسق العام للحوار الوطني، ضياء رشوان، بأهمية الإقرار بوجود إرادة سياسية لتحسين الأوضاع الحالية، لكنه في الوقت نفسه يشدد "نحن لسنا إزاء ثورة لكن عملية إصلاحية اللي عايز ثورة هينفذ كل طلبات عمرو في نص ساعة وطلبات محمد سعد عبد الحفيظ".
رشوان: بدأنا قبل سنة لنوجد حالة تواصل بين ناس بتقبض على ناس وناس بتشتم ناس
وأكد رشوان أن "التنفيذ الفوري ليس من شأن عمليات الإصلاح لن ننجزه في دقائق، الإصلاح عملية صعبة"، واستطرد لافتًا إلى أن محاولات الإصلاح الحالية تواجه عقبات "فيها مقاومة باللي معاك واللي عليك، كلنا فاهمين مين معاك ومين عليك".
وجدد رشوان حديثه عما جرى خلال عام كامل من الاستعداد للحوار، وقال "بدأنا قبل سنة لنوجد حالة تواصل بين ناس بتقبض على ناس، وناس بتشتم ناس وكل اللي قاعد في القاعة يدرك هذا"، واستكمل موضحًا "لا أدافع عن تباطوء وإنما عملية نحن إزاءها".
في الوقت نفسه يؤكد رشوان ضرورة إنجاز قانون تداول المعلومات، وقال "اعمل قانون حطه على الرف، بس اعمله. ولّا عايز تخلص كله مرة واحدة وإلا فلا؟ في الإصلاح مافيش هذا الكلام، قطعًا ستجد مقاومة".
أسئلة بلا إجابات
مع استمرار النقاش لساعات طويلة، حاول عضو مجلس أمناء الحوار، نجاد البرعي الانتقال إلى نقاط أكثر عملية، والتحرك خطوات للأمام بعيدًا عن التوافق العام بشأن أهمية صدور القانون.
طالب نجاد المشاركين بالإجابة عن أسئلة أساسية تتعلق بتعريف الأمن القومي، وتكلفة الحصول على المعلومة، والحد الأدنى والأقصى الزمني للحصول على المعلومات، وطريقة تشكيل مجلس المعلومات المعني بمتابعة تنفيذ القانون، والجهة التي يخضع لها. موضحًا في الوقت نفسه أن الأمر أعمق من مجرد معلومات ترتبط بالحكومة، بل تمتد إلى شركات وبيانات شخصية، وتتعلق بمعلومات تجارية أو خاصة.
لكن رغم الساعات الطويلة التي تخللها حديث عشرات المشاركين، وانتهاء الجلسة بعد التاسعة مساء دون استكمال كلمات المتحدثين الرئيسيين، انتهى النقاش بتوافق وحيد على ضرورة صدور القانون. وظلت الأسئلة الخمس بلا إجابات مع استمرار تساؤلات الجميع حول "المقاومة"، ولأي مدى يستطيع الحوار ومساره الإصلاحي إنجاز نجاحات ورفع يد الممناعين عن الفرامل.