في أول مايو/أيار الحالي، أُعلن تدشين اتحاد القبائل العربية، لرئيسه إبراهيم العرجاني، وقال الاتحاد في بيانه الأول تبريرًا لوجوده إن "الفترة المقبلة تشهد تطورات وسيناريوهات متعددة، وهو أمر يستوجب يقظة الجميع لمواجهة التحديات التي تواجه الوطن، والرد على حملات الأكاذيب والشائعات".
اتحاد من أجل التنمية
مع الانتقادات الجادة، وسيل الميمز، التي رافقت الإعلان عن تدشين اتحاد القبائل العربية برئاسة "الحاج" إبراهيم العرجاني على السوشيال ميديا، بدا فجأة وكأن المواقع تبدلت فيما يخص الحديث عن المخاوف على وحدة الدولة، فبينما ارتكزت انتقادات أحزاب المعارضة على التحذير من مغبة خلق ميليشيا مسلحة تُضعف مؤسسات الدولة، في تكرار لسيناريو قوات الدعم السريع في السودان، صدرت بيانات لدعم الاتحاد عن بعض عناصر الصف الثاني والثالث من أحزاب "الموالاة"، مثل مستقبل وطن والحركة الوطنية وإرادة جيل، الذين رأوا في تأسيس الاتحاد دعمًا لمكونات المجتمع المدني، و"خطوة في غاية الأهمية لمواجهة التحديات التي تهدد الأمن القومي المصري".
بينما لم يعلن حزب الوفد موقفًا رسميًا صدرت عن بعض قياداته بياناتٌ مؤيدةٌ
اللافت أنه رغم مشاركة نائب رئيس حزب مستقبل وطن، وعضو مجلس النواب، علاء عابد، في حفل تدشين الاتحاد وظهوره على المنصة، غابت بيانات دعم الاتحاد عن قيادات الصف الأول من حزب الأغلبية البرلمانية.
وعقب مشاركته في الحفل الذي عقد في مدينة السيسي جنوب رفح في أول مايو/أيار الجاري، ترددت أنباء عن استقالة عابد من الحزب، لكنه نفى ذلك في تصريحات إلى المنصة، واعتبر أن الاتحاد "مثله مثل نقابة الفلاحين، والأشراف، واتحاد الصوفيين، فصيل مهم وموجود".
وأضاف "هذا الفصيل/البدو هُمِّش لسنوات عديدة رغم أهميته، لوجودهم في المحافظات الحدودية التي تحتاج إلى دعم شعبي وطني، يدرك أهمية مصر وحدودها والحفاظ عليها ويساند مؤسسات الدولة".
دافع أيضًا عن تأسيس الاتحاد بعض رؤساء اللجان النوعية في مجلس النواب، وأعضاء حزب مستقبل وطن، الذين ربطوا تدشينه بتنمية سيناء، وباستبعاد المخاطر التي تهددها، وهو التوجه الذي تبناه النائب طارق رضوان، رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب.
وبينما لم يعلن حزب الوفد موقفًا رسميًا، صدرت عن بعض قياداته بيانات مؤيدة، فأعلن مساعد رئيس الحزب حازم الجندي ترحيبه بتأسيسه "في توقيت هام، بالتزامن مع مواجهة سيناء العديد من التحديات الأمنية المتلاحقة"، وهو الأمر الذي تكرر مع النائب الوفدي سليمان وهدان، وعضو الهيئة العليا لحزب الوفد، الذي ربط في بيانه تأسيس الاتحاد بعملية التنمية التي تجري في سيناء ودور الدولة في تقديم الدعم لأهاليها.
بداية التقسيم
في المقابل، تبنت أحزاب سياسية وسياسيون في معسكر المعارضة موقفًا مضادًا، معتبرين "الاتحاد" تهديدًا للأمن القومي المصري ووحدة الدولة وبداية لتقسيمها.
أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، الدكتور مصطفى كامل السيد قال إن الاتحاد يمثل "خطوة غير مسبوقة" في السياسة المصرية، لأنه لم يسبق تقسيم المصريين على أساس قبلي أو طائفي، موضحًا لـ المنصة أنه يهدد بتشكيل أصحاب الانتماءات الأخرى تجمعات تعبر عنهم "ما يهدد بتمزيق الوحدة الوطنية".
وأضاف السيد أن الاتحاد "لم يأتِ بمبادرة من جانب المواطنين، لكنه يحظى بتأييد وحماس من سلطات رسمية، حيث جرى الإعلان عنه على قنوات التليفزيون الرسمية، والترحيب به من مقدمي برامج حوارية معروفين بولائهم للسلطة".
غير أن المتحدث باسم اتحاد القبائل العربية، مصطفى بكري، دافع عن الاتحاد في تصريحات لقناة الحدث، معتبرًا أن "الاتحاد ليس أمرًا جهويًا، وإنما مصر في تركيبتها السكانية عبارة عن فلاحين وحَضَر وبدو، وأن البدو تم تهميشهم لسنوات كثيرة، والقبائل العربية خاصة في المناطق الحدودية"، وقال إن الاتحاد "لا يعمل خارج إطار الشرعية القانونية، وسيتقدم خلال أسابيع قليلة لوزارة التضامن الاجتماعي من أجل إنشاء جمعية ضمن الجمعيات الأهلية".
وينص قانون الجمعيات الأهلية في المادة 14 على أن الجمعيات الأهلية في حال رغبتها في ممارسة أنشطة بالمناطق الحدودية عليها الحصول على ترخيص بتنفيذ تلك الأعمال من الجهة الإدارية بعد أخذ رأي المحافظ المختص وموافقة الجهات المعنية.
وتحظر المادة 15 من القانون ذاته على الجمعيات ممارسة الأنشطة السياسية أو الحزبية أو النقابية أو استخدام مقرات الجمعية في ذلك. كما تحظر تكوين الجمعيات السرية أو التشكيلات ذات الطابع السري أو العسكري أو شبه العسكري، أو الدعوة إلى تحبيذ أو تأييد أو تمويل العنف أو "التنظيمات الإرهابية".
ويوضح مصطفى كامل السيد أن الاتحاد بادر باتخاذ مواقف سياسية سبق بها الحكومة نفسها "أصدر موقفًا بشأن الانتهاك الإسرائيلي لمعاهدة السلام مع مصر بوجود قوات إسرائيلية بالدبابات والأسلحة الثقيلة في رفح، ومعنى هذا أن الاتحاد يقوم بأدوار سياسية، وهذا يلغي الفارق بين الجمعيات الأهلية والأحزاب السياسية".
الحركة المدنية ترفض
أعلنت أحزاب الحركة المدنية الديمقراطية رفضها تكوين الاتحاد، سواء عبر بيانات صحفية أو خلال الندوة التي عقدتها الحركة في مقر حزب المحافظين الأربعاء الماضي.
القيادي بحزب المحافظين والحركة المدنية طلعت خليل، قال لـ المنصة إن أحزاب الحركة متفقة على رفض هذا الكيان "كونه يمثل تهديدًا حقيقيًا للدولة المدنية المصرية"، فيما أكد العضو بالهيئة العليا لحزب الإصلاح والتنمية أسامة بديع لـ المنصة أن موقف الحزب واضح بشأن أي كيان يهدد مدنية الدولة المصرية، في إشارة إلى رفض وجوده.
وأوصى عدد من السياسيين والنشطاء خلال مشاركتهم في ندوة الحركة المدنية الديمقراطية بإقامة دعوى قضائية ضد تأسيس اتحاد القبائل العربية، معتبرين أنه يخالف الدستور والقانون، وحذروا من خطورة تكرار تجربة قوات الدعم السريع في السودان.
واندلعت في منتصف أبريل/نيسان من العام الماضي حربٌ بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. وقدرت الأمم المتحدة في يناير/كانون الثاني الماضي عدد النازحين جراء الحرب بـ"حوالي 8 ملايين شخص"، مشيرة إلى "مقتل نحو 14 ألف سوداني".
تحركات قانونية ضد الاتحاد وإقرار بحق أهالي سيناء في تشكيل تنظيمات
رئيسة مجلس أمناء الحركة المدنية ورئيسة حزب الدستور جميلة إسماعيل أكدت خلال الندوة احترام أهل سيناء وتقدير مشاركتهم في حصار الجماعات التكفيرية، وقالت "يجب أن نفرق بين كيانات تقدم خدمة مجتمعية، وكيانات تتمدد اقتصاديًا وسياسيًا".
فيما أكدت وكيلة مؤسسي حزب العيش والحرية سوزان ندا احترام حق التنظيم لكل الفئات "لكن هذا الكيان أنشئ من الدولة، وفيه شخصيات ساهمت بإدخال العديد من الفلسطينيين لمصر بطرق ملتوية مقابل أموال طائلة"، في إشارة إلى اتهامات سيطرة شركة هلا، المملوكة لإبراهيم العرجاني، على تنسيقات عبور الفلسطينيين من معبر رفح إلى داخل مصر مقابل مبالغ مالية طائلة.
أما البرلماني السابق والقيادي في حزب المحافظين مصطفى كمال حسين فشن هجومًا على النظام في الندوة، "لما يبقى أهم ناس في البلد نخنوخ والعرجاني يبقى نظام فاشل لا يصح أن يحكم هذا البلد"، معتبرًا أن "النظام الفاشي الفاسد، فشل حتى في الحفاظ على الأمن القومي المصري".
ومرت علاقة العرجاني مع الدولة بمراحل مختلفة، فالشيخ الذي يقود قبيلة الترابين سبق واحتجز عام 2008 على خلفية الاشتباكات التي جرت بين مجموعات من البدو ورجال الشرطة، وخرج في 2010 لظروف صحية، ومع عام 2014 بدأت العلاقات تتحول مع توسع نشاطه الاقتصادي، وبدء الشراكة مع الجيش، والتعاون في مواجهة الإرهاب من خلال اتحاد قبائل سيناء الذي ضم عناصر مسلحة، كما احتكرت شركته إدخال مواد البناء لإعمار غزة في 2021، بينما توفر شركته "هلا" خدمات السفر من غزة عبر معبر رفح التي تضاعفت رسومها وبلغت آلاف الدولارات منذ العدوان الأخير على غزة.
وأعلن اتحاد العرجاني موقفًا من احتلال معبر رفح بعد ساعات قليلة من التحرك الإسرائيلي، واعتبر رئيس حزب الكرامة سيد الطوخي أن رد الفعل المصري على احتلال معبر رفح كان "هزيلًا جدًا"، واستطرد "اتحاد القبائل طلّع بيان أفضل من بيان وزارة الخارجية، وكأن سيناء مسؤولية شخصية لهذا الكيان".
"المصري الديمقراطي" ما زال متريثًا
وفي مواجهة ما يروّجه المؤيدون للاتحاد عن دوره في مواجهة المخاطر التي تواجه الأمن القومي المصري، أكدت الحركة المدنية في بيان "نثق في قدرة جيشنا على الدفاع عن أرض الوطن وحدوده دون سواه، والدعم المقدم من جانب المجتمع والقوى الشعبية في مواجهة الاحتلال أو الإرهاب يأتي في سياق لا يحول هذا الدعم إلى كيانات ذات طبيعة سياسية أو اقتصادية أو عسكرية".
كما شدد البيان على عدم الحاجة إلى طرق ملتوية لمواجهة الخروقات الإسرائيلية، "مصر ليست في حاجة للتخفي أو الاختباء وراء مسميات مجهولة، للبحث عن مبررات للدفاع عن أراضيها وحماية أمنها القومي في مواجهة المعتدين الذين خرقوا بالفعل اتفاقيات السلام".
أما الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، الذي جمّد عضويته في الحركة المدنية على خلفية تباينات في المواقف خلال الانتخابات الرئاسية السابقة، فيبدو أنه لا يزال متريثًا في تحديد موقفه من الاتحاد، حيث أشار رئيس الحزب فريد زهران إلى غياب المعلومات بشأن تشكيله، قائلًا لـ المنصة "لا توجد معلومات كافية حوله تُمكّن الحزب من تكوين موقف واضح.. باعتبارنا حزبًا كبيرًا ومسؤولًا، لا نُسارع باتخاذ مواقف لأمور لا تتوفر بها معلومات كافية".
أمام تلك الانتقادات، حاولت المنصة التواصل مع المتحدث الرسمي باسم الاتحاد مصطفى بكري، لمناقشته في المخاوف والاعتراضات التي أبدتها المعارضة، فضلًا عن استجلاء دور الاتحاد في عملية التنمية، ولكن لم يرد بكري على اتصالاتنا المتكررة.
وبينما تتجادل أحزاب المعارضة والموالاة وما بينهما، دعا "الشيخ" إبراهيم العرجاني، على الطريقة العشائرية، إلى ندوة للتعريف بالاتحاد ودوره، غدًا 13 مايو، تُعقد في ساحة إحدى الفيلات الخاصة بمنطقة المنصورية.