"يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير"، بهذه الآية من سورة الحجرات بصوت الشيخ محمد عتمان استهل المنظمون "المؤتمر الأول" لاتحاد القبائل العربية.
فن اختيار الآية القرآنية لبدء المؤتمر الذي شارك فيه آلاف المنتمين للقبائل العربية، قابلته فنون أخرى متعددة، من رقصات سيناوية وتنورة ومزمار وطبل، فضلًا عن فن الخطابة الجماهيرية الذي أداه النائب مصطفى بكري، المتحدث باسم الاتحاد.
الغائب الحاضر
أما رئيس الاتحاد إبراهيم العرجاني فكان الغائب الحاضر، إذ تستقبلك صوره ولافتات تأييده، إلى جوارها صور دعم الرئيس عبد الفتاح السيسي، بدءًا من مدخل الشارع المؤدي لفيلا نائب رئيس المجلس الأعلى للقبائل العربية كمال عثمان في مدينة المنصورية بمحافظة الجيزة.
غاب العرجاني عن الحدث الذي بدا مرتبكًا منذ البداية. فبينما أشارت الدعوة، المصحوبة بصورة العرجاني وكمال عثمان، إلى تنظيم "ندوة" للتعريف بدور الاتحاد، فإنها عرّفت عثمان بأنه "منسق المؤتمر". والواقع أنه تحول لأول مؤتمر حاشد للاتحاد، لم يكن مجرد ندوة.
أحبط غياب العرجاني الصحفيين الراغبين في اقتناص تصريح أو صورة للحصان الأسود الصاعد بقوة في عالم السياسة والاقتصاد، والمثير للجدل والانتقادات، وصاحب التاريخ المتناقض والعلاقة المتباينة مع الدولة. فبين اتهامات بمواجهة الشرطة ما قبل 2011، والاصطفاف مع الجيش بعد 2014، توجد الكثير من علامات الاستفهام.
رغم غيابه، كان حضور العرجاني طاغيًا، في عشرات الصور واللافتات الضخمة التي أحاطت بالصوان، وكذلك في الكلمة التي ألقاها نائب رئيس الاتحاد أحمد رسلان عنه، فضلًا عن ظهوره في فيلمين توثيقيين عُرضا في المؤتمر، الأول عن دور اتحاد قبائل سيناء، الذي يرأسه العرجاني، في "القضاء على الإرهاب"، والثاني عن شخص العرجاني نفسه، دون التطرق لمرحلة ما قبل 2014، وكأنه لم يوجد قبلها.
أما المتحدث باسم الاتحاد، مصطفى بكري، فكان الوحيد الذي تطرق للماضي خلال حديثه عن العرجاني، لكنه اكتفى بعبارة مقتضبة تشير إلى لقاء جمعه بـ"الرجل الوطني" خلال بعثة برلمانية لتقصي الحقائق عام 2006 للتعرف على مشكلات أهالي سيناء.
لم يوضح أي من المتحدثين خلال المؤتمر سبب غياب العرجاني، فيما قال بكري لـ المنصة إنه مشغول "اعتذر من الأول لارتباطه باجتماعات"، لم يسمها. ومع ذلك تظل الإجابة غير شافية، وتفتح بابًا للتساؤلات حول ما إذا تلقى توجيهات من السلطة بعدم الحضور، خاصة مع هذا الحشد الجماهيري، وهو ما لم تعتده الأجهزة الأمنية التي لا تحب التجمعات، حتى أنها تفضِّل إقامة مباريات كرة القدم دون جمهور.
في حضرة القبائل
تقع فيلا كمال عثمان، في شارع موازٍ لطريق المنصورية، في منطقة لا تزال تحتفظ بطابع زراعي رغم البناء الحضري الذي تخللها. وقبيل الشارع المؤدي للفيلا، وقبل أن يخبرك تطبيق خرائط جوجل بوصولك لوجهتك، تدرك أنك وصلت بالفعل، فتجد نفسك منضمًا لطابور سيارات طويل، بعضها فارهة يظهر منها رجال يبدو عليهم النفوذ والثروة.
على مدخل الشارع تستقبلك لافتة تحمل اسم اتحاد القبائل العربية، وعلى الناصية تجمّع بعض الصبية الذين ارتدوا تيشيرتات بيضاء، بينما ينتهي طابور السيارات بصوان ضخم، اصطفت في بدايته مجموعات من "البودي جاردات" على الجانبين، يرتدون ملابس سوداء؛ اللون الذي ميز زي أمن المؤتمر.
بعد بضعة أمتار، تجد نفسك في ساحة على مساحة هائلة بها آلاف المقاعد، ومنصة ضخمة مجهزة بأحدث أجهزة الصوت والتصوير، فضلًا عن "درون" تتحرك فوق رؤوس الحضور لتصوير الحدث.
كما توجد ساحة أخرى أصغر لاستقبال المشاركين، تتحرك فيها فرق فنية بالمزمار والطبل، وراقص التنورة، وبعض الأطفال والنساء والشباب يلوحون بأعلام مصر، بينما يدخل كل بضع دقائق شخص ما مصحوبًا بعشرات المرافقين يفسحون له الطريق لدخول الفيلا.
"لا خوف على وطن يتعانق فيه الهلال والصليب وقائده عبد الفتاح السيسي"
يبدو أن الأشخاص المهمين يدخلون الفيلا، ويعطي المرافقون المتحلقون حولهم إيحاء بهذه الأهمية، وكان منهم النائب اللواء هشام الشعيني عضو مجلس النواب عن حزب مستقبل وطن، الذي سبق وشارك في حفل تدشين اتحاد القبائل العربية مطلع مايو/أيار الجاري.
مع وصول نقيب الفلاحين حسين أبو صدام لمحيط الفيلا، محاطًا بحلقة من المرافقين، بدأ أحدهم في توضيح هوية الرجل الذي بدا أنه غير معروف، قبل أن يبدأ المئات في التدافع باتجاه الساحة الرئيسية استعدادًا لبدء المؤتمر، بعد تشغيل الـDJ أغاني وطنية.
خلف القائد
حرص جميع المتحدثين في المؤتمر على تكرار رسالة أساسية مشتركة في كل الكلمات، مفادها الاصطفاف خلف الرئيس السيسي والشرطة والجيش، وتأكيد النسيج الواحد لمصر.
البرلماني السابق عاطف مخاليف، أحد المسؤولين عن تنظيم المؤتمر، وممثل قبيلة الجعافرة، قال خلال كلمته "كلنا نسيج واحد، كلنا صف واحد، نقف ملتحمين لدعم السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي".
أما نائب رئيس الاتحاد، والبرلماني السابق أحمد رسلان أحد قيادات قبائل مطروح، الذي ألقى كلمة العرجاني، فختم بكلمة خاصة به "لا خوف على وطن يتعانق فيه الهلال والصليب وقائده عبد الفتاح السيسي وبه خير أجناد الأرض".
الأمر نفسه تكرر مع نائب رئيس الاتحاد أحمد ضيف صقر، الذي قال "هذا الجمع الكبير، وهذه الآلاف المحتشدة، تقف اليوم لتقول إننا مع دولتنا وقيادتنا، شاء من شاء وأبى من أبى. هذا الوطن العظيم الذي يقف شامخًا بجيشه وشرطته يبعث رسالة للعالم بأسره، مصر ليست لقمة سائغة لأحد، ولن ينال أحد من هذا الوطن".
لماذا سيناء؟
بالطبع لم يخرج النائب البرلماني والمتحدث باسم الاتحاد مصطفى بكري عن هذا الخط، بل زاد عليه حين ألقى الكلمة الأطول بين كلمات المؤتمر، والتي استعرض خلالها مهاراته الخطابية أمام الجماهير، مسترجعًا تاريخ أبناء سيناء في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي والإرهاب، مدافعًا عن حقهم بعد سنوات من التهميش.
"سند الدولة المصرية وقائدها عبد الفتاح السيسي، في وقت تواجه مصر تحديات جسامًا على كافة الاتجاهات وتبذل كل الجهد من أجل وقف العدوان الهمجي البربري على شعبنا الفلسطيني"، قال بكري متحدثًا عن أهمية الاتحاد.
واعتبر أن تدشين الاتحاد من سيناء "بداية عرفان بالجميل، وانطلاقة نبعث بها تحية لدماء الشهداء الذين سقطوا ضحايا المحتل والإرهاب، من الجيش المصري والشرطة وأبناء سيناء، وفي مقدمتهم اتحاد قبائل سيناء".
أشار بكري في كلمته إلى مشكلات قبائل سيناء التاريخية مع الدولة، قائلًا إنه رغم أنينهم "أبدًا ما باعوا الوطن، وما خانوا الضمير، كانوا حجر عثرة في مواجهة المحتل"، واستعرض محاولات إسرائيل سنة 1968 إعلان فصل سيناء عن مصر "وقف الشيخ سالم الهرش أمام موشي ديان، وكل الجموع، غير خائف وغير عابئ، وقال لا نعرف لنا وطنًا سوى مصر، ولا نعرف لنا زعيمًا سوى جمال عبد الناصر".
يتعامل بكري مع الانتقادات الموجهة لتأسيس الاتحاد وكأنها ضد أبناء سيناء "لماذا تستكثرون عليهم أن يكونوا طرفًا في اتحاد القبائل العربية ويشكلوا اتحادًا؟ هم الذين عانوا كثيرًا، حتى البطاقات لم يستطيعوا استخراجها"، مشيرًا إلى معاناة أهالي سيناء ومعاملتهم كمواطنين "درجة ثانية" على مدار سنوات، حسب وصفه.
يعود مرة أخرى ليربط بين إنجازات الرئيس وخطوة تأسيس الاتحاد، مشيرًا إلى الفترة التي تولى خلالها السيسي رئاسة المخابرات الحربية "يعرف من هم أبناء سيناء وقبائل مطروح وأبناء الجنوب، يعرف تمامًا أن هؤلاء لم يفرطوا".
ويجدد التأكيد على أن "لا طائفية ولا عنصرية. وطن واحد لكل المصريين. رسالة باسمكم جميعًا للرئيس، نؤكد وقوفنا صفًا واحدًا خلف الرئيس، ورفض التهجير، وتصفية القضية الفلسطينية".
ينتهي المؤتمر بعزف السلام الوطني عقب عرض الفيلمين، اللذين تخللتهما رقصات شباب سيناء، بينما لا تزال عشرات الأسئلة مطروحة بشأن الدور السياسي للعرجاني في الفترة المقبلة، ودخول الاتحاد في المحاصصة الانتخابية المعتادة بين الأحزاب السياسية والسلطة، ليصبح رقمًا في المعادلة السياسية، ويظل الباب مفتوحًا على سيناريوهات المستقبل المرعبة أحيانًا، من انفلات الأمور من يد الدولة وفقدان السيطرة على هذا الكيان.