تجميد أزمة "ميناء العريش".. حتى يهدأ الأهالي ويحضر المستثمر

خطط رضا الشربيني ذو الـ57 سنة أن يزوج ابنه الأكبر محمد نهاية العام الجاري، بعدما أتم بناء شقته في البيت  الذي يملكه في حي ميناء العريش، لكن خطته أطاحت بها توسعات الميناء التي صدر لها قرار جمهوري رقم 465 لسنة 2021، بنقل تبعية الأراضي المحيطة به إلى القوات المسلحة بأكثر من 541 فدانًا. 

يروي الشربيني وهو موظف حكومي، للمنصة أنه منذ يناير/كانون الثاني الماضي، حين بدأت أعمال الإزالة في الحي، لم يعد له هم سوى التفكير في المصير "الغامض"، الذي ينتظرهم، "عارفين يعني إيه الواحد يعطل مشاريع حياته كلها في انتظار ما هو مجهول، شيء مميت، متحسش إنك عايش". 

والشربيني واحد من أهالي الحي الذين شاركوا على مدار الشهور الماضية في حملة عبر صفحة متضرري إنشاء ميناء العريش الجديد، للاعتراض على ترك منازلهم، حتى أرسل الرئيس عبد الفتاح السيسي، وزير النقل كامل الوزير في 9 يوليو/تموز الجاري، لاحتواء غضبهم، علمًا بأن ثلاث مراحل بالفعل قد أزيلت بينما بقيت مباني مرحلتي التطوير الرابعة والخامسة، وهي بالنسبة لما أكده الشربيني "الأعلى في الكثافة".

وتهدف خطة تطوير ميناء العريش الوصول بالرصيف إلى 1.5 كيلومتر ، الذي لا يتعدى حاليًا 242 مترًا، وتعميق الميناء ليصل إلى 14 مترًا، وإنشاء منطقة اقتصادية.

وبينما نجح الوزير في تهدئة الموقف، وتجميده إلى حين، بوعده الأهالي وقف الإزالات حتى توفير بدائل للمتضررين، فإنه مؤهل للانفجار مرة أخرى، خاصة مع تأكيد مصدرين للمنصة، الأول نائب برلماني والثاني في مجلس إدارة هيئة قناة السويس، أن التراجع عن المشروع وفق الخطة الموضوعة، ليس واردًا.

تكرر طلب الاستثناء من الإخلاء في العديد من مداخلات الأهالي التي ظهرت في فيديو مدته ساعة وربع للقاء الذي استمر أكثر من ساعتين، بثته الوزارة بعد عدة أيام على فيسبوك، مشيرين إلى وجود بدائل أخرى. 

ضمن هؤلاء هناء فروجة التي تقول للمنصة "مش موافقة على الإزالة علشان فيه مساحات فاضية كتير في شمال سيناء امتداد للميناء حتى السكاسكة"، مشيرة إلى أن "الوزير اتكلم عن بيوت بديلة على النمط الريفي لكننا متكلمناش في تفاصيلها لإننا رفضنا الخروج من بيوتنا". 

ورد الوزير خلال المؤتمر بأن المرحلة الرابعة ستضم المنطقة اللوجستية، بما تحمله من تجهيزات ومصانع لا بد أن تكون ملاصقة للميناء "هنشوف إزاي نفكر فيها (مقترحاتكم) ونرد، لإن مفيش ميناء في العالم حدودها عاملة كده".

وأضاف ردًا على أن المنطقة المشار إليها كبديل متاخمة لما سيجري هدمه،"مش هتقول المياه أو البحر قابل للعمل فيه ولا لأ، ده اللي يحدده مكاتب استشارية في المواني وأعماق البحر، مش أنا ولا أنت".

واستبعد النائب عن دائرة العريش رحمي بكير، إمكانية تحقيق أمل الأهالي والتراجع عن الإخلاء، قائلًا للمنصة،"المقترح ده سبق وعرضناه على الجهات المسؤولة فكان الرد أن التوسع جاء بناء على رأي خبراء وفنيين"، متوقعًا أن أفضل ما يمكن تحقيقه زيادة نسبة التعويضات.

الأمر نفسه أكده المصدر في مجلس إدارة هيئة قناة السويس، قائلًا للمنصة "لا نية في الوقت الحالي للتراجع عن المخطط الموضوع، نتيجة التزام الهيئة باتفاقيات موقعة مع مستثمرين عرب لإدارة وتشغيل بعض الأرصفة الجاري إنشاؤها حاليًا في الميناء". 

وذكر المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن المخطط العام لتطوير الميناء وضعته شركة دار الهندسة، التي تولت إعداد الدراسات الفنية والمالية أواخر 2016، وسلمتها للقوات المسلحة أواخر 2017، وقام فريق من إدارة الفنيين العسكريين بمراجعتها، وتم اعتمادها للتنفيذ بشكل فعلي منتصف 2021.

المستثمرون 

وعلى ذكر المستثمرين فإن الأهالي لم يقطعوا الحديث عنهم، ما دفع الوزير إلى التطرق للأمر خلال لقاء التهدئة الذي بدا فيه ودودًا، واستهله بأنه جاء بتكليف من الرئيس لترضيتهم.

قال الوزير "حد منكم قال أصل المستثمر مستني، أنا قولت كدة؟ لا، ولا أقدر أقوله. لإنه مش عاجبني، لا فيه مستثمر واقف ولا قاعد، الدولة اللي هتبني الميناء، والدولة اللي هتشغله. طيب لو فيه مُشغل رصيف، يا ريت تجبلنا واحد أو اتنين من أهالي العريش، ده عايز يشغل، وهياخد بأقل من العالميين (المستثمرين الأجانب) 20%". 

لم يقتنع الأهالي بما قاله الوزير حول المستثمرين، ووصف الشربيني للمنصة دعوة الوزير لهم لتشغيل الأرصفة بأنها "حديث سياسي دبلوماسي"، مفسرًا "وإحنا هنجيب منين، الاستثمار ده عايز واحد معاه مليارات، لكن إحنا اللي عايزينه منخرجش من بيوتنا".

ووقعت الحكومة مع مجموعة مواني أبو ظبي عدة اتفاقيات في مارس/آذار الماضي، من بينها ما يتعلق بميناء العريش، إذ ستقوم المجموعة بإنشاء محطتين لمناولة الأسمنت في ميناء العريش وغرب بورسعيد باستثمار يصل إلى مليار جنيه (حوالي 33 مليون دولار أمريكي وفق سعر الصرف الحالي)، بحسب البيان. كما ستقوم المجموعة بإنشاء صوامع بسعة تخزينية تصل إلى 60 ألف طن في ميناء العريش.

وأشار المصدر  في هيئة قناة السويس إلى أن ما سبق الإعلان عنه كان اتفاقًا مبدئيًا يجري حاليًا إعادة تقييمه من خلال مباحثات بين الهيئة ومجموعة مواني أبو ظبي بسبب فروق الأسعار، وبموجبها من المتوقع أن يبدأوا التشغيل في مايو/أيار 2025، باستثمارات حوالي ملياري جنيه.

وأشار المصدر إلى أن المجموعة وعدت بتسليم التقارير المبدئية لدراسات المشروعين مطلع العام المقبل لاطلاع الهيئة عليها لحين انتهائها من الدراسات التفصيلية التي يتوقع أن تكون أواخر يونيو/حزيران المقبل.

ولفت إلى أن دراسات المشروعين هي الأساس الذي ستبنى عليه العقود القانونية، خاصة في البنود المالية التي ستحدد القيمة مقابل حق الانتفاع بالأراضي التي سيقام عليها مشروع الصوامع ومحطة المناولة لمدة 15 عامًا، قابلة للتجديد لفترة مماثلة.

وتابع المصدر أنه فور وصول تقارير الدراسات ستُجري الهيئة الاقتصادية تدقيقًا للبيانات، وإرسالها للقوات المسلحة لمراجعتها والبت في أمرها، مشيرًا إلى أن موافقتها ضرورية باعتبارها المالك للأرض وفقًا للقرار الجمهوري الذي صدر في يوليو/تموز 2017، الذي قصر دور الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس على تمويل وتنفيذ وتطوير وإدارة وتشغيل "الميناء" فقط.

بين العريش والوراق

يفسر حديث المصدر حول الموعد المتوقع لبدء ضخ الاستثمارات في 2025 في العريش، الفسحة الزمنية التي منحها الوزير في لقائه مع الأهالي لعملية الإخلاء حين قال "نصبر شوية لحد اللي عايز يبني يبني وياخد شقة، لكن متبقاش مفتوحة، 3 أو 4 سنين عشان ابني شقة، (محتاجين) فترة سماح قد إيه لحد ما نبني بيت؟ فيه أكتر من كدة؟ آه، أي حد ليه مطلب غير كدة هنناقشه، ولو نقدر نساعد هنساعد". 

ويعكس حديث الوزير الاختلاف في النهج الذي تتبعه الدولة مع الأهالي في العريش، رغم التصعيد والتظاهر، عمّا حدث في جزيرة الوراق، حيث قُبض على الأهالي المحتجين على إخلاء الجزيرة. أما في سيناء، فتُشيد الدولة بدور الأهالي في مواجهة الإرهاب، ودورهم في التنمية.

وعلق الشربيني "هناك فرق بين الوراق وشمال سيناء، الوراق جزيرة في النيل ممكن تكون فيها أملاك دولة، ومع ذلك كان ممكن تقنين وضعهم. أما في شمال سيناء، أنشأت ميناء داخل حي سكني، فيه 5 آلاف أسرة، مش أقل من 20 ألف نسمة، حي تم إنشائه على مدار 40 سنة كاملة".

وشدد "إحنا مش بنتظاهر، ولا إحنا ثوريين، إحنا بنطالب بحقنا"، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أنهم ليسوا ضد المشروعات القومية "إحنا مع الدولة قلبًا وقالبًا، مش ضد التنمية، لكن تيجي تهد حي زي ده ومش موفرله البدائل؟ هل دي تنمية؟ دي مش تنمية ده تهجير للناس". 

وأضاف "الدولة خدت الناس من عشوائيات وبيوت من صفيح، في تل العقارب والدويقة وخلافه، ونقلتهم لبيوت محترمة، عيشة كريمة، وتيجي عندنا إحنا اللي أنشأنا حياة كريمة لنفسنا، وبعنا الغالي والنفيس، أنتِ كدولة تنزعي الحياة الكريمة مننا وتشردينا".

وبالنسبة لأهالٍ "طالعين من إرهاب وبنية تحتية مدمرة، كنا ننتظر من الدولة مش هنقول تكريم، بس تبص بعين الرحمة إن الناس دي صمدوا في الإرهاب وتحملوا ويلاته، اللي حصل العكس تمامًا" يضيف الشربيني.

تنتاب المشاعر نفسها أحمد فهمي الكاشف، وهو صاحب ڤيلا هُدمت في المرحلة الأولى قائلًا "أنا خال عروسة سيناء اللي خدت رصاصة يوم فرحها ولحقناها بصعوبة شديدة، وبيتي اللي اتهد ده اتعرض لضرب نار، كنا مستنين تعامل مختلف".

يصف الكاشف، وهو موجه رياضيات، نفسه للمنصة بأنه "المتضرر الأكبر في الحي"، مشيرًا إلى أنه أخلى ڤيلته وكانت ثلاثة أدوار وعلى بعد 250 مترًا فقط عن البحر، بعدما صدق "وعود المحافظ المعسولة" في ديسمبر/كانون الأول الماضي. ثم فوجئ بتعويض مليون و200 ألف جنيه فقط، رغم إنها كانت تساوي ستة ملايين بحسب سمسار ومهندس قيّماها.

يتذكر بأسى "قلت لو إدوني  ¾ المبلغ ماشي، هرضى، لكن نزل على اسمي في البنك 25% من قيمة التعويض المستحق"، لافتًا إلى أنه لم يحصل على حديدة واحدة من منزله، "قالولنا ملكمش. هم (المقاولون) اتصرفوا فيها، وإننا هناخد التعويض من ضمنه الحاجات دي".

بينما قال الوزير في معرض استعراضه التسهيلات لأهالي الحي "تاخد خشبك وحديدك وكل حاجة، عايز تهد وتاخد الحديد والخشب وكل حاجة خدها، في الوضع الطبيعي بنجيب مقاول يشيل وياخد الحاجات دي، أنا مش جاي أكسب منك".

حاولت المنصة التواصل مع المحافظ لكنه لم يجب.

اعتذار

أقر وزير النقل بحدوث مخالفات مع أهالي الحي في المراحل السابقة حين قدم اعتذارًا على خروج البعض دون توفير بدائل السكن، قائلًا "بدل سكن ده مش في القانون، بس بنديهولك عشان تقدر تصرّف نفسك. الرئيس قال كده والحكومة قالت كده والعرف قال كده. طيب نفرض إن ده كان غير اللي تم، إحنا آسفين وده مش هيتكرر تاني". واستقبل الحضور، وهم عشرات بين رجال ونساء، الاعتذار بالتصفيق، وهتاف "يحيا العدل". 

 ولكن لا يزال الكاشف غير مطمئن تمامًا للتصريحات الرسمية وانعكاسها عليه، خصوصًا أن الوزير نبه خلال اللقاء  أن مَن حصل على تعويض منذ عدة سنوات، لن يُساوى بمن يحصل عليه اليوم، في ظل غلاء الأسعار.

الصيادون 

غاب عن لقاء الوزير الصيادون رغم أنهم ذوو صلة، بحسب شيخ الصيادين بالعريش أيمن شلبي، الذي قال أنهم"مش عارفين لو هيسيبونا نصطاد في المينا ولا هينقلونا"، موضحًا أنهم سمعوا إمكانية نقلهم إلى الكيلو 17، وهي نقطة بعيدة تمامًا عن مساكنهم.

وتحول ميناء العريش البحرى من ميناء صيد إلى ميناء تجاري وفق القرار رقم 221 لسنة 1996.

استنكر شيخ الصيادين تجاهل المسؤولين لهم وللأزمات والعراقيل التي تواجههم، رغم زيادة عددهم إلى نحو 9 آلاف صياد.

يتابع الشربيني بحذر نتائج اللقاء الودي الأخير، الذي يبدو منه أن حظه سيكون أفضل في التعويض من الكاشف، متمنيًا ألا يترك منزله وأن يزوج نجله في الشقة التي بناها له، بينما يترقب الزيارة التالية التي وعد بها الوزير بعد شهر.