خلال أبريل/نيسان من عام 2020، أعلنت وزارة التموين خطة طموحة لإنشاء 7 مستودعات استراتيجية للسلع الأساسية، بهدف توفيرها بكميات أكبر للأسواق والحد من الهدر.
وقت الإعلان عن الخطة كان التحدي الوحيد البادي أمام هذا المشروع هو وباء كورونا وأثره السلبي على إيرادات الدولة وقدرتها على التوسع في البنية الأساسية. لكن خلال السنوات التالية دخلت البلاد أزمة متصاعدة من ارتفاع التضخم وعدم استقرار سعر الصرف.
أتت الرياح بما لا تشتهي السفن، فأثرت الضغوط الاقتصادية الأخيرة، بجانب طول الإجراءات المطلوبة، في تعطيل مسار واحد من المشروعات الذي كان في بإمكانه المساهمة في الحد من واردات الدولة من السلع وتعزيز احتياجات البلاد من حاصلات غذائية أساسية.
بطء الإجراءات وأزمة الدولار
من ضمن سبعة مستودعات أعلنت وزارة التموين عن الاتجاه لإنشائها في 2020، بتكلفة 21 مليار جنيه، وُضع حجر الأساس لثلاثة فقط، كان آخرها في نهاية ديسمبر/كانون الأول.
ويقول مصدر مسؤول بجهاز تنمية التجارة الداخلية، التابع لوزارة التموين، في حديث لـ المنصة إن معدلات تنفيذ المشروعات اتسمت بالبطء، رغم أهميتها في تعزيز احتياطات البلاد من السلع الاستراتيجية.
ويشير المصدر، الذي طلب عدم نشر اسمه، إلى أنه منذ نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2020 تقدمت 7 شركات لشراء كراسات الشروط، وبدأت الوزارة في الاجتماع بمقدمي تلك العروض لمناقشة احتياجاتهم "إلا أن الأمر استغرق عامًا كاملًا للاتفاق مع بعضهم وتحديد شركات المقاولات المنفذة لتلك المستودعات، من أجل عرض الأمر على مجلس الوزراء".
وكانت وزارة التموين والتجارة الداخلية أعلنت في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 تقدم شركات عالمية وإقليمية لشراء كراسات الشروط والمواصفات الخاصة بالمستودعات الاستراتيجية المقرر تنفيذها في 7 محافظات، قبل أن تعلن انتهاءها من توقيع عقود تنفيذ المرحلة الأولى من المشروع في أربع محافظات، في سبتمبر/أيلول 2022.
وفي يونيو/حزيران الماضي وضع وزير التموين، علي المصيلحي، أول حجر أساس لمخزن استراتيجي بمحافظة السويس، وفي أغسطس/آب وديسمبر من العام نفسه وُضع حجرا الأساس لمستودعي الأقصر والفيوم.
خلال الفترة من الإعلان عن المشروعات والتعاقد عليها، بين 2020 و2023، شهدت البلاد موجات تضخم عنيفة بلغت ذروتها في سبتمبر الماضي مع تجاوزه مستوى 40%، بالتزامن مع تخفيضات متتالية لقيمة الجنيه، واتساع التعاملات في السوق الموازية للنقد الأجنبي، ما أثر بشكل واضح على تقييم المستثمرين للتكاليف الإنشائية.
ويقول المصدر إن الإجراءات المطلوبة من الدولة لإتمام التعاقد مع المستثمر كانت تستغرق وقتًا طويلًا، في فترة اتسمت بالاضطراب الاقتصادي، وهو ما جعل المستثمرين يعيدون دراسة جدوى المشروعات، الأمر الذي زاد من تعقيدات تنفيذها.
"من أكثر المراحل استنفادًا للوقت كانت مرحلة مراجعة بنود التعاقد من جانب بعض الجهات المعنية، منها مجلس الدولة، حتى جرى الوصول لمرحلة توقيع العقود مع شركات التنفيذ. بعدها كانت هناك إجراءات أخرى امتدت حتى يونيو الماضي حتى وضع حجر أساس أول مستودع، تتعلق بتصاريح وموافقات من تلك الجهات"، كما يضيف المصدر.
ويتفق معه مصدر ثانٍ قريب من دائرة صنع القرار في وزارة التموين، يقول لـ المنصة "من أبرز العقبات التي واجهت المشروع البيروقراطية الكبيرة، فالاتفاق مع المستثمرين يستغرق وقتًا بطبيعته، وبعدها يبدأ التواصل مع مجلس الوزراء لاعتماد دراسة المستودع، وبعدها نتواصل مع المحافظة لتخصيص الأرض وبعدها ندخل في دوامة المرافق والتراخيص".
ويضيف المصدر الثاني، الذي طلب أيضًا عدم نشر اسمه، "عندما ننتهي من كل تلك الإجراءات، تكون التكلفة تغيرت، لذا تعيد الشركة دراسة الجدوى".
تقليص ميزانية المشروعات
ويوضح المصدر القريب من صنع القرار أن عدم استقرار سعر الصرف رفع بشدة من تكلفة مشروعات المستودعات، ما دفع الحكومة لتقليص حجم هذه المشروعات، عما كان مخططًا له في 2020.
تخفيض حجم المشروعات جاء بطلب من الشركات المتقدمة وليس بناءً على مبادرة من الحكومة
"المستودعات الاستراتيجية كان مخططًا لها أن تضم صناعات تكميلية ومشروعات كبيرة مجاورة تخدم المستودع، ولذلك جرى احتساب تكلفة التنفيذ في البداية بقيمة لا تقل عن 3 مليارات جنيه وتصل في بعض المستودعات إلى 5 مليارات، إلا أن توالي الأزمات صعب من تنفيذ المشروعات المجاورة للمخازن، لتتراجع الاستثمارات المخطط لها في المستودع لما بين 1 إلى 1.5 مليار جنيه فقط"، كما يقول المصدر بالتموين.
ويوضح المصدر ذاته أن تخفيض حجم المشروعات جاء بطلب من الشركات المتقدمة، وليس بناءً على مبادرة من الحكومة "بعض الشركات العالمية لم تستكمل إجراءات تنفيذ المستودعات، رغم تقدمها بطلبات للمشاركة في بداية طرح المشروع بسبب تلك الأزمات. والوزارة كانت تدرك جيدًا حجم المخاطرة التي يتخذها المستثمرون لضخ مليارات الجنيهات، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية، ما دفعها للموافقة على طلبات الشركات المنفذة للمستودعات بتقليص عدد من بنود الإنفاق والتركيز على تأسيس المخازن فقط، على أن تكون وفقًا لأعلى المعايير العالمية".
الاحتياج القوي للمشروع
في الوقت الذي تسببت فيه الضغوط الاقتصادية الأخيرة في تأخير مشروع المستودعات، والحد من التوسع فيه، كان في استطاعة المشروع أن يسهم في الحد من واردات الدولة من السلع الاستراتيجية، وتعزيز قدرتها على زيادة المعروض في بعض السلع، ومن ثم السيطرة على التضخم.
وقال مصدر ثالث مسؤول بقطاع التجارة الداخلية في وزارة التموين، لـ المنصة "كنا نتطلع لرفع المخزون الاستراتيجي للسلع الأساسية، لذلك احتجنا لمستودعات جديدة لاستيعاب هذه الاحتياطات. لكن الظروف الاقتصادية التي أخرت المشروع لن تسمح لنا بشراء الكميات التي كنا نتوقع شراءها من السلع الأساسية".
وعانت البلاد خلال العام الماضي من ارتفاع حاد في أسعار السكر، حاولت وزارة التموين احتواءها من خلال تعزيز المعروض من السكر منخفض السعر، ما زاد من أهمية استيراد الوزارة للسكر لضبط السوق، في وقت تعاني فيه البلاد من ضعف تدفقات النقد الأجنبي.
ويشير المصدر الثالث، الذي طلب عدم نشر اسمه، إلى أن المستودعات تساهم في "تقليل الفاقد ونسبة الهدر الكبيرة في المنتجات، نتيجة كثرة حلقات التداول، التي تصل في منتجات الزيت والأرز واللحوم والدواجن إلى ما بين 5-15%، وترتفع في الخضراوات والفواكة إلى 30%".
ويستهدف مشروع المستودعات مضاعفة المخزون من سلع نهائية ومنتجات تامة الصنع على مستوى المحافظات، ومراعاة التوزيع والتنوع الجغرافي لتلك المستودعات، وفقًا للمصدر.
الوقت ضد الأزمة
ويقدر المصدر في قطاع التجارة الداخلية بالوزارة أن تنفيذ المستودعات يستغرق في المتوسط عامين، ما يعني أننا لن نشهد بداية ثلاثة مستودعات، من السبعة المستهدفة، قبل عام 2025.
ويوضح دورها المستقبلي بأنها "ستساهم في توفير الكثير من الوقت عند الاحتياج لطرح كميات كبيرة من سلعة ما في كل المحافظات، حيث يقوم كل مخزن بالتخديم على أقرب 4 محافظات مجاورة له".
ويشير إلى أنه تم اختيار أماكن المخازن الاستراتيجية داخل المحافظات لتكون في محيط أماكن الإنتاج الزراعي والغذائي والصناعي قدر الإمكان لسهولة توريد السلع والمنتجات.
ورغم التأثير القوي للضغوط الاقتصادية الراهنة على المشروع، يقول المصدر الثالث إن الوزارة تسعى لتحديد توقيت تدشين 4 مخازن أخرى في محافظات الإسكندرية وبني سويف والمنيا وكفر الشيخ بشكل متتابع خلال الربع الأول من العام الجاري.