
غذاء الطلبة في المدينة الجامعية.. ماذا حدث لورك الفرخة
يراقب طالب الإعلام خالد السيد (*) حجمَ الوجبات التي تُقدم لهم في المدينة الطلابية وهي تتقلص تحت وطأة التضخم. فخلال 3 سنوات قضاها في السكن رأى كيف انكمشت كميات الطعام، بالأخص البروتين، وقل مقدار الخضار، واقتصر تقديم اللبن على عشاء يوم واحد في الأسبوع.
يسكن خالد مدينة طلاب جامعة القاهرة في منطقة بين السرايات من عام 2022 منذ التحاقه بدراسة الإعلام في العاصمة التي تبعد 218 كيلومترًا عن بيتهم في الإسكندرية.
أمام محدوديةِ كميات الطعام التي تقدمها المدينة الجامعية، يضطر خالد لشراء الأغذية من الخارج، وهو ما يستنزف قدرًا كبيرًا من الألف جنيه مصاريفه الشهرية التي ترسلها له أسرته.
يلجأ الطالب الجامعي للعمل في غير أوقات الدراسة لتغطية نفقاته ودفع تكاليف الدراسة إلى جانب تعويض الطعام الذي تتراجع كمياته في المدينة فيما يظل مؤشر التضخم ثابتًا على اتجاهه الصعودي، ليشكّل الغذاء عبئًا كبيرًا يؤرقه كما يؤرق زملاءه ممن تحدثت المنصة مع بعضهم.
زمايلك ياكلوا إيه؟
المدينة "الأم" في بين السرايات واحدة من ثلاث مدن جامعية تتبع لجامعة القاهرة، وهو الأكبر حجمًا، وتتسع لأكثر من 5700 طالب، ولكن على رغم سعتها والمساحة الكبيرة التي أقيمت عليها، فإن الحياة بها تتطلب التنازل عن الكثير من الرفاهية.
نصيب كل طالب سرير في غرفة صغيرة لفردين بالكاد تتسع لاحتياجاتهما ولمكتبين بكرسيي خشب، ودولاب واحد كبير أو دولابين صغيرين، كما تفتقر لخدمة الإنترنت الأرضي. ولا يختلف الحال كثيرًا في المدينتين المخصصتين للإناث في الجيزة وبولاق أيضًا.
كان فيه علبة لبن بتوزع كل يوم وبقيت بتوزع مرة واحدة أسبوعيًا
يسجل خالد في ذاكرته ملحوظات عن انخفاض كميات الطعام المقدمة في المدينة على مدار السنوات الأخيرة، مثل اقتصار تقديم الألبان على وجبة العشاء في يوم الأحد، وانكماش كمية البطاطس في وجبة الغداء، وحين يطلب من مقدم الطعام كميةً إضافيةً يواجه ردًا محرجًا "وزمايلك ياكلوا إيه؟". حسب خالد، فإن محاولات الاستزادة تقابل بقواعد صارمة "مسموحلي أزود رز وخضار، وممكن تمشي بالحب وتزود مخلل وطحينة كمان (...) الأكيد اللي مش هتاخده البروتين ولا قطعة فاكهة ثانية".
الطالب إياد عبد الفتاح(*) هو الآخر رصد تقلص حجم الوجبات خلال سنوات دراسته التي امتدت بين 2022 و2025 "العشاء هو اللي بيقل، زي الجبنة (...) وكانوا بيدونا لبن وباتيه علطول، دلوقتي بطلوا".
لم يختلف الأمر في المدينة الجامعية الخاصة بالفتيات في بولاق، فحجم الوجبات تقلص "في السنة اللي فاتت كنا بناخد أكل أكثر"، تقول ريم جمال (*) لـ المنصة.
"كنت باخد قطعتين مغلفتين من الجبنة البيضا أو المثلثات والعسل والمربى، دلوقت بقت قطعة واحدة من كل صنف، وكان فيه علبة لبن بتوزع كل يوم وبقت بتوزع مرة واحدة أسبوعيًا، وباقي الأيام زبادي بدالها، وكانت فيه بيضتين بتتوزع يوميًا وبقت يوم ويوم"، تضيف ريم التي تعيش أسرتها بكفر الدوار محافظة البحيرة، وانتقلت هي للدراسة بجامعة القاهرة.
في الغداء، تكون كمية الأرز مناسبةً لريم، أما الخضروات فتوضع بمقدار قليل، "بيحطولنا معلقتين كدا، ولازم نقولها تزودلنا، وساعات بتدينا، بس بتزودلي حاجة بسيطة معلقة ولا حاجة، والباقي بتقولي لا، هي دي وجبتك"، كذلك الدجاج حاله ليس أفضل "الورك صغير أوي ومافيهوش لحم يمكن الصدور بتكون مليانة شوية عنه".
وجبة واحدة "مش عاطفية"
عبد الله ناصر (*) هو الآخر قدِم من كفر الدوار للدراسة في كلية الإعلام جامعة القاهرة، ويرصد انخفاض حجم الوجبات منذ سنة 2022، كاشفًا أنهم في بداية السنة الدراسية الحالية قدموا لهم وجبة واحدة في اليوم بدلًا من الغداء والعشاء، وكانت تحتوى على جبنة وحلاوة وبيض و5 أرغفة خبز ودجاج بانيه، وذلك دون تحلية ولا أرز أو طبيخ، ثم عادوا لوجبتين مرة أخرى بعد شهر ونصف تقريبًا.
بغض النظر عن الكم، لا يشعر عبد الله بالاشتهاء تجاه وجبة الغداء بالجامعة "الأكل بتاعهم مش حلو، الرز شكله مش عاطفي، والطبيخ طعمه مش عاطفي (...) والبروتين لو جه حظي في ورك مش هاكل، لإن شكله مش عاطفي"، وهو ما يضطره لشراء الطعام من الخارج، ويمكن أن يكلفه 100 جنيه يوميًا.
وحسب منال محمد(*) من محافظة الشرقية، اعتاد الطلبة على تذبذب الوجبات، "التغيير مش مستمر، هو بيروح ويجي، فممكن تاخد الوجبة كاملة أو زيادة الاسبوع دا، وفيه أيام ثانية تاخد كميات أقل"، تقول هذا من وقع تجربتها في الإقامة بمدينة بولاق خلال الفترة 2022 و2025.
ويتفاوت تأثر الطلبة بكميات الطعام المقدمة بطبيعة كل طالب واحتياجاته الغذائية، فبينما تقول ريم إن الكميات المقدمة لها في كل الأحوال تكفيها ولا تحتاج لشراء غذاء من الخارج، يقول إياد إنه "لو حد اعتمد على الأكل دا مش هيعيش حرفيًا".
يواجه الطلبة الذين يحتاجون لاستكمال وجباتهم من الخارج أعباء مالية مع الطفرات غير المسبوقة في التضخم خلال السنوات من 2022-2025. يضطر إياد، الذي يعمل مونتيرًا، لشراء الطعام 4 مرات في الأسبوع خارج الجامعة حتى يسد جوعه "الغذاء خارج الجامعة يكلفني ما لا يقل عن 100 جنيه في الوجبة".
بدورها تعمل ريم مدربة سباحة إلى جانب الدراسة، لتجد دخلًا يعينها على مصروفات الطعام ونفقات الدراسة الأخرى "أنا مش كل يوم هقول لأهلي هاتو فلوس قد كدا عشان أعرف أجيب أكل، غير مواصلاتي وعيشتي هناك".
غذاء الطلبة والموازنة
حاولنا التواصل مع أحد المشرفين على المدينة الطلابية في بين السرايات لمعرفة مقدار المخصصات المالية الموجهة للطعام، وما إذا كانت ترتفع بالتزامن مع التضخم، أم أن قيمتها الحقيقية انكمشت خلال السنوات الماضية، لكن المسؤول رفض الحديث لـ المنصة.
وحسب محمد رمضان، الباحث في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، فإن البيانات الخاصة بطعام الطلاب لا تتاح ضمن البيانات المنشورة في الموازنة العامة، لكن الرقم الإجمالي لموازنة الإنفاق على التعليم يكشف عن أن هذه الموازنة لا تنمو بنفس معدل التضخم، ما قد يؤدي لبعض الممارسات التقشفية في مجال التعليم.
يوضح رمضان لـ المنصة أن الإنفاق الحكومي على التعليم شهد زيادة من 294 مليارًا إلى 315 مليار جنيه في موازنة العام المالي القادم، أي بنسبة 7% فقط، وهي نسبة أقل بكثير من معدل التضخم العام المتوقع في هذه السنة.
ويشير إلى أن مخصصات السلع والخدمات في قطاع التعليم، التي قد يندرج تحتها الإنفاق على طعام الطلبة، ارتفعت من 21 مليارًا إلى 29 مليار جنيه، بزيادة بلغت 26% خلال ثلاث سنوات، في حين تجاوز معدل التضخم التراكمي خلال الفترة نفسها 100%، مفيدًا بأن "الإنفاق على التعليم في مصر يقل بشكل واضح عن المتوسطين الإقليمي والعالمي".
وتنوه ليندا جاد، استشارية التغذية، بأنه للحكم على مدى كفاية الغذاء المقدم للطلبة يمكن الاسترشاد بمعايير التغذية المناسبة للمرحلة العمرية من 18 إلى 22 سنة "قد يحتاج الطالب إلى وجبة 50-55% منها من الكربوهيدرات، 15-20% من البروتين، و30% من الدهون"، مشددة على ضرورة تناول الخضروات والسلطات بكميات وفيرة، مع التركيز على مصادر البروتين المتاحة بأسعار معقولة كالبيض والكبدة والجبن الأبيض، خاصة في ظل ارتفاع أسعار اللحوم.
تحذر ليندا من الاعتماد المفرط على الكربوهيدرات البسيطة كالخبز والأرز والمعكرونة والبطاطس المقلية، فبسبب الوضع الاقتصادي المتردي، يميل الطلاب للشبع من هذه الأصناف مما يؤدي إلى السمنة، مقترحة البقوليات بديلًا اقتصاديًا وصحيًا.
ويطمح خالد لزيادة دعم المدينة الجامعية لمساعدتها بشكل أكبر في تحسين تغذية الطلبة، ليس فقط بزيادة الكميات، لكن بالتنويع أيضًا.