مع دخول القصف الإسرائيلي على قطاع غزة شهره الثاني، تتزايد الأصوات الأمريكية المعارضة لموقف إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن من تصرفات قوات الاحتلال الإسرائيلي مع الفلسطينيين في غزة، فهل تدفع نحو تغيير موقف واشنطن من الحرب؟
في السابع من أكتوبر/تشرين الأول المنقضي، شنت قوات كتائب القسام، الذراع العسكرية لحركة حماس، هجومها الكبير على المستوطنات الإسرائيلية المتاخمة لقطاع غزة في عملية خلفت نحو 1200 قتيل إسرائيلي وأسر نحو 240 آخرين، الأمر الذي شكل صدمة للحكومة الإسرائيلية، وحليفتها الأبرز الولايات المتحدة الأمريكية.
عقب الهجوم، أعلنت قوات الاحتلال الإسرائيلي الحرب على قطاع غزة، فيما انبرى الغرب على رأسه الولايات المتحدة الأمريكية داعمًا تل أبيب و"حقها في الدفاع عن نفسها". زار الرئيس الأمريكي تل أبيب، وأعلن دعم بلاده الكامل لإسرائيل، ولم تنقطع الزيارات الرسمية الأمريكية إلى المنطقة تارة لتقديم المشورة لإسرائيل، وتارة أخرى لضمان عدم تعرضها لأي هجمات من حزب الله اللبناني.
زميل معهد الشرق الأوسط في واشنطن، محمد سليمان يعتقد أن وجود بايدن في البيت الأبيض كان ولا يزال العامل الأهم في إدارة واشنطن لملف غزة، "بسبب تاريخ الرجل وعلاقاته الشخصية وارتباطاته الأيديولوجية بإسرائيل ونُخبها".
لم تهدأ العملية الإسرائيلية، وشن جيش الاحتلال غارات يومية متواصلة على القطاع، أوقعت أكثر من 11 ألف قتيل وعشرات الآلاف من الجرحى، ومئات الآلاف من النازحين، تحت غطاء أمريكي واضح.
بيد أن القصف الإسرائيلي المتواصل، الذي طال مخيمات النازحين والمستشفيات وقطع المياه والكهرباء عن القطاع، تسبب في انتقادات واسعة داخل إدارة بايدن نفسها، ومن جانب مسؤولين وسياسيين بارزين في الولايات المتحدة مثل بيرني ساندرز، وباراك أوباما، بشأن طريقة تعامل واشنطن مع الأزمة.
وبعد أن أشاد السيناتور الديمقراطي البارز عن ولاية فيرمونت، بيرني ساندرز، في بيان يوم 11 أكتوبر/تشرين الثاني، بدعم بلاده لإسرائيل، عاد ساندرز بنبرة حادة، في فيديو بثه على إكس، 4 نوفمبر/تشرين الثاني، ليكيل الانتقادات لإدارة بايدن والحكومة الإسرائيلية، لا سيما قطع جيش الاحتلال الكهرباء والغذاء والوقود والمياه عن أكثر من مليوني نسمة من سكان غزة.
وقال ساندرز إن "ما يجري الآن من قصف عشوائي لمخيمات اللاجئين، وقصف لسيارات الإسعاف، وقتل آلاف الرجال والنساء والأطفال الأبرياء، يعد انتهاكًا للقانون الدولي، وهو ببساطة غير مقبول ويجب أن يتوقف".
وأضاف "أنتم تعلمون وليس سرًا أن الولايات المتحدة تقدم 3.8 مليارات دولار سنويًا لإسرائيل، والآن يمكنهم أن يقولوا أنهم (الحكومة الإسرائيلية) لا يريدون أموالنا، حسنًا، لكن إذا كانوا سيأخذون أموالنا، وبالطبع يريد بايدن أن يعطيهم المزيد، فعليهم إدراك أنهم لا يمكنهم الإساءة إلى القيم الأمريكية وما نمثله وما يمثله العالم المتحضر، نحتاج للتعامل مع الكارثة الإنسانية المروعة التي وصفتها".
"(...) مهمتنا أن نقول نعم لديكم الحق في أن تدافعوا عن أنفسكم، ولكن الأطفال الفلسطينيين لا يقلون أهمية عن أطفال إسرائيل، ولا يقلون أهمية عن أطفال أمريكا، أوقفوا الذبح العشوائي للأبرياء"، قال ساندرز.
بدوره، دخل الرئيس الأمريكي باراك أوباما على الخط، قائلًا إنه من المهم الاعتراف بالحقائق المتناقضة، واصفًا تصرفات حماس بـ"الـمروعة"، لكن "الاحتلال وما يحدث للفلسطينيين لا يُطاق".
شارك الآلاف في مظاهرة حاشدة بالعاصمة الأمريكية واشنطن وُصفت بالأكبر منذ بدء الحرب في غزة
وقال أوباما، في سياق حديثه عن فترة رئاسته، أمام منتدى الديمقراطية في شيكاغو، "لا أحد أياديه بريئة وجميعنا متواطئون بدرجة ما".
وأضاف أنه "من المستحيل أن تكون محايدًا في مواجهة هذه المذبحة ومن الصعب أن تشعر بالأمل. إن صور العائلات الحزينة، والجثث التي يتم انتشالها من تحت الأنقاض، تفرض علينا جميعًا حسابًا أخلاقيًا".
في الوقت نفسه، شارك الآلاف في مظاهرة حاشدة بالعاصمة الأمريكية واشنطن، وُصفت بـ"الأكبر"، منذ بدء الحرب في غزة، منددين بالسياسات الداعمة لإسرائيل، وبدور بايدن الذي وصفه متظاهرون بأنه "شريك في الإبادة".
وسار المتظاهرون في شوارع واشنطن ملوحين بالأعلام الفلسطينية، ورددوا هتافات من بينها "بايدن، بايدن لا يمكنك الاختباء، لقد اشتركت في الإبادة"، ثم تجمعوا عند ساحة الحرية على بعد خطوات من البيت الأبيض.
وردًا عن سؤال المنصة بشأن الانتقادات المعارضة في الداخل الأمريكي للموقف الرسمي من الحرب، دافع المتحدث الإقليمي باسم الخارجية الأمريكية سام وربرج، قائلًا إن "الشعب الفلسطيني في غزة يعاني الآن مما قامت به حماس".
وأضاف "دعونا لا ننسى أن حماس هي التي قامت بالهجمات الإرهابية، وإسرائيل لديها كل الحق في الدفاع عن نفسها تمامًا مثل أي دولة أخرى في العالم".
"بشكل عام لدينا طبعًا قلق من أعداد المدنيين الذي توفوا أو جرحوا، ونحن نبحث مع إسرائيل الطرق الممكنة لها للدفاع عن نفسها بطريقة تتماشى مع القانون الدولي الإنساني"، تابع وربرج.
الصحفي المتخصص في الشؤون الأمريكية محمد المنشاوي، يقول لـ المنصة إن "الرأي العام مهم، لكن إدارة بايدن لا تكترث به كثيرًا، وترى إمكانية إصلاح علاقتها به بعد الانتهاء من الحرب الجارية"، مضيفاً أن ساندرز وأوباما يتمتعان بشعبية في أوساط الديمقراطيين، لكن شعبية إسرائيل واسعة كذلك بينهم".
"غير أن صور الشهداء الذين سقطوا جراء القصف الإسرائيلي، خاصة الأطفال، أثرت بشكل كبير في الإدارة بصورة تفوق تأثير ساندرز وأوباما"، يقول المنشاوي.
ويرى المنشاوي أن تلك الضغوط دفعت الإدارة الأمريكية إلى تغيير موقفها من الدعم غير المشروط لإسرائيل إلى الدعوة لهدن إنسانية متقطعة يتوقف فيها القتال ساعات محددة كل يوم، أو أن يتوقف القتال لعدة أيام، للسماح بدخول المساعدات، وخروج الأجانب والمصابين للعلاج.
وتتفاوض مصر وقطر الآن مع الولايات المتحدة وإسرائيل على هدنة إنسانية في قطاع غزة، وتبادل الأسرى والمحتجزين، حسب تقارير إعلامية.
من جهته، رفض المتحدث الإقليمي للخارجية الأمريكية، تأكيد التقارير، بينما قال لـ المنصة إن "المفاوضات جارية بالفعل وما يمكنني قوله هو أن الرئيس بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ناقشا مسائل الوقفات الإنسانية المؤقتة، وكذلك الجهود المبذولة لتأمين إطلاق سراح الرهائن من حماس في معظم مكالماتهم".
غير أن سليمان، زميل معهد الشرق الأوسط بواشنطن، يرى "التغير الحالي تغيرًا خطابيًّا بلا أهداف واضحة سوى تقليل التكلفة السياسية على إدارة بايدن، في ظل التململ الواضح من الجناح التقدمي داخل الحزب والقلق من الغضب المتزايد في أوساط الأمريكيين المسلمين والعرب. ولكن حتى الآن، هذا ليس كافيًا لتغيير سياسات واشنطن".
و"على الرغم من أن واشنطن أصبحت منغمسة بنفسها في الحرب، وتلعب دورًا واضحًا في إدارة الوضع أمنيًا ودبلوماسيًا، فإنها لا تزال اللاعب الوحيد القادر على التفاوض على صيغة نهائية للعملية العسكرية الإسرائيلية وتبعاتها على الساحة الفلسطينية والإقليمية"، يقول سليمان لـ المنصة.
بينما في واشنطن، لا تزال إدارة بايدن تحت الضغط، وتقدم أغلبية الديمقراطيين في مجلس الشيوخ بخطاب موجه إلى الرئيس الأمريكي، للحصول على مزيد من المعلومات حول استراتيجية إسرائيل في غزة. وقال النواب "من مصلحة الولايات المتحدة التأكد من أن أي خطط عسكرية لمحاربة حماس لا تنتج نفس الأخطاء الاستراتيجية التي نتجت عن العديد من العمليات العسكرية الأمريكية".