تصاعدت أزمة سد النهضة الإثيوبي بعد الإعلان الأخير لأديس أبابا الانتهاء من الملء الرابع للسد، وهو ما اعتبرته مصر "عبئًا على مسار المفاوضات المستأنفة"، في وقت أكد دبلوماسيان مصريان على أن موقف القاهرة واضح، ومفاده أن المفاوضات هي السبيل الوحيد لحل الأزمة.
فيما تتزايد المخاوف في دولتيّ المصب (مصر والسودان) من خطورة استمرار ملء سد النهضة، وتعنُّت الموقف الإثيوبي في المفاوضات، يرى مسؤولون وخبراء إثيوبيون أن نجاح الملء الرابع يأتي "تأكيدًا لالتزام إثيوبيا بعدم الإضرار بمصر والسودان".
الإعلان ورد الفعل الرسمي
مع إعلان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، أمس الأحد، أن بلاده "اختتمت الجولة الرابعة من ملء خزان المشروع الرئيسي الذي يُبنى على نهر النيل على الرغم من الضغوط الداخلية والخارجية غير المسبوقة".
اعتبرت وزارة الخارجية المصرية، في بيان، أن هذا الإعلان "يضع عبئًا على مسار المفاوضات المستأنفة (..) والأمل معقود في أن تشهد جولتها القادمة انفراجة ملموسة وحقيقية على مسار التوصل إلى اتفاق".
وأشارت وزارة الخارجية إلى أن إتمام عملية الملء الرابع "يعد استمرارًا من جانب إثيوبيا في انتهاك إعلان المبادئ الموقع بين مصر وإثيوبيا والسودان عام 2015".
ولفتت إلى أن إعلان المبادئ ينص على "ضرورة اتفاق الدول الثلاث على قواعد ملء وتشغيل السد قبل الشروع في عملية الملء".
واعتبرت الخارجية المصرية أن "اتخاذ إثيوبيا لمثل تلك الإجراءات الأحادية يُعد تجاهلًا لمصالح وحقوق دولتي المصب وأمنهما المائي الذي تكفله قواعد القانون الدولي".
وعن رد الفعل الاحتجاجي من الجانب المصري، واعتباره عملية الملء الثانية "غير قانونية ومخالفة لإعلان المبادئ"، قال المحلل السياسي الإثيوبي ورئيس تحرير موقع نيلوتيك بوست الإثيوبي، نور الدين عبدا، في حديث مع المنصة "هذا رد فعل طبيعي من الحكومة المصرية كون الملء جاء بعد أسبوعين من عودة المفاوضات".
وأضاف أن "تلك المفاوضات لم تصل لصورتها النهائية بعد، كما أن إثيوبيا تعتبر أن إعلان المبادئ لا يلزمها بعدم ملء وتشغيل السد قبل التوصل لاتفاق". وتابع أن عملية الملء الرابع لم تكن مفاجئة للجانب المصري، بل على العكس باتت مسألة مفروغ منها بناءً على السنوات الماضية.
وبعد توقف استمر أكثر من عامين، منذ أبريل/نيسان 2021، استأنفت المفاوضات بين مصر وإثيوبيا والسودان مؤخرًا، وانتهت الجولة الأولى التي جرت في القاهرة "دون تغيير" في موقف إثيوبيا.
في المقابل أشار عبدا إلى أن إثيوبيا قدمت "بادرة حسن نية" من خلال مد فترة الملء الرابع إلى بداية شهر سبتمبر/أيلول الجاري، بعد أن كان من المفترض أن يتم خلال شهري يوليو/تموز، وأغسطس/آب الماضيين.
بادرة حسن النية تلك تبعها التطمينات التي قدمها رئيس الوزراء آبي أحمد خلال لقائه بالرئيس السيسي، بعدم الإضرار بمصر والسودان، واتفاقهما على استئناف المفاوضات مجددًا، بحسب عبدا.
بينما قال مستشار وزير المياه والطاقة الإثيوبي محمد العروسي، إن الانتهاء بنجاح من عملية الملء الرابعة والأخيرة للسد "يُعد تأكيدًا لالتزام إثيوبيا بعدم الإضرار بمصر والسودان"، لافتًا إلى أن "سد النهضة أثبت موقف بلاده الثابت بأنها لا تسعى إلى أي تنمية على حساب الأشقاء في مصر والسودان"، مطالبًا مصر والسودان مشاركة إثيوبيا الفرحة بنجاح الملء الرابع "لأنه لم يجلب أي أضرار كبيرة حتى الآن".
ماذا يعني انتهاء الملء الرابع
وجاء في تهنئة رئيس الوزراء الإثيوبي بنجاح الملء بأن هذا هو "الملء الرابع والأخير"، وهو ما يفسره نور الدين عبدا، بأنه "يعني اكتمال المرحلة الأولى من عملية ملء بحيرة السد، التي بدأت في صيف عام 2020"، وأضاف أن "تلك المرحلة تضمنت إتمام حجز 42 مليار متر مكعب في بحيرة السد عند مستوى 620 متر مكعب".
وتوقع عبدا استكمال ملء الـ5 أمتار الأخرى العام المقبل 2024 بعد انتهاء موسم الأمطار الحالي، حتى يصل إلى مستوى 625 متر مكعب وهو معدل ارتفاع الممر الأوسط للسد.
ومن المتوقع أن تبدأ أديس أبابا العام المقبل المرحلة الثانية والمتبقية لملء السد، التي تبلغ سعتها 74 مليار متر مكعب وفق خطة الحكومة الإثيوبية، ويقول عبدا "لا نعرف بعد خطوات ملء المرحلة الثانية، لكن ذلك سيتضح في وقته".
وهو التفسير الذي يتفق معه أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة نادر نور الدين، مؤكدًا في حديث مع المنصة أن جملة الملء الأخير تشير إلى أنه تم الوصول إلى "أعلى ارتفاع كان مخطط له هذا العام في الحاجز الأوسط للسد".
وأوضح أنه خلال الفترة المقبلة لن تجرى أي تعلية في السد مع اكتمال إنشاء الهيكل الأسمنتي، و"لن يكون هناك مرور جديد للمياه من أعلى الحاجز الأوسط للسد بعد انتهاء التخزين".
يرى المحلل الإثيوبي نور الدين عبدا أن ما يهم مصر الآن هو الوصول إلى تفاهمات فيما يخص مسألة تشغيل السد
وأكد نور الدين أن التخزين في الفترة المقبلة سيكون أفقيًا؛ بتمدد وتوسعة مساحة بحيرة السد، أي أن "المياه المخزنة الفترة المقبلة ستذهب إلى السد الجانبي المعروف باسم سد السرج الركامي".
مصير المفاوضات المقبلة
ونهاية الشهر الماضي اُختتمت الجولة الأولى من المفاوضات الثلاثية بشأن الملء الأول والتشغيل السنوي لسد النهضة بين وفود إثيوبيا والسودان ومصر، دون الإعلان عن نتائج، مع التأكيد على عقد اجتماعات أخرى سبتمبر الجاري.
ويرى المحلل الإثيوبي نور الدين عبدا أن ما يهم مصر الآن وما تعمل عليه هو الوصول إلى تفاهمات فيما يخص مسألة تشغيل السد؛ خاصة في فترات الجفاف، وأن هناك واقعًا الآن عليها التعامل معه، وهو وجود السد، حتى وإن ظلت متمسكة بحقها التاريخي في مياه النيل.
وحول مسار المفاوضات، رأى عبدا، أن العودة إلى طاولة المفاوضات مهمة للغاية، لإنضاج التفاهمات بين القاهرة وأديس أبابا، "لأن الوضع من وجهة نظري أكبر من اتفاقية تقنية فنية تخص سد النهضة فقط، لكن تفاهمات سياسية كبرى بين إثيوبيا ومصر في المنطقة، ومسألة النيل هي جزء من ملفات أخرى"، يقول عبدا.
وفي الوقت الذي يرى فيه عبدا أنه "قد لا يكون من المتاح الوصول إلى اتفاق الآن بين الدول الثلاث في المفاوضات الجارية، في ظل الوضع الحالي للسودان المتغيب عمليًا بحكم الحرب الدائرة هناك، رغم وجود وفوده في المفاوضات، لكنها تظل عاملًا مهما للوصول إلى تفاهمات".
بينما يؤكد مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير حسين هريدي، في حديث لـ المنصة أن الموقف المصري في التعامل مع سد النهضة واضح منذ البداية بأن "يتم التعامل فيه عبر الطرق الدبلوماسية فلا بديل آخر إلا الطرق الدبلوماسية" يؤكد هريدي.
وقال هريدي إنه يجب التأكيد على أنه "لا توجد خصومة مع أديس أبابا"، وأن الاتفاق حول إدارة السد "لا يمثل انتهاكًا للسيادة الإثيوبية أبدًا".
ولفت إلى اللقاء الذي جمع السيسي وآبي أحمد على هامش قمة دول الجوار في السودان يوليو الماضي، والإعلان عن عودة المفاوضات.
وأوضح هريدي "نتطلع إلى الاجتماع الذي سيعقد في أديس أبابا هذا الشهر، حتى إن لم ينجح في التوصل إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف في هذه المرحلة، فإنه على الأقل يمثل خطوة على الطريق الصحيح".
ويتفق مع هذا الرأي مساعد وزير الخارجية الأسبق للشؤون الإفريقية السفير إبراهيم الشويمي، مؤكدًا في حديثه لـ المنصة أن الدولة المصرية موقفها واضح في التعامل مع أزمة سد النهضة، مشيرًا إلى أن مصر لن تترك أي مفاوضات "لأنها تريد الحل السلمي للأزمة ولا تريد اللجوء إلى الأساليب الخشنة".
وأشار الشويمي إلى أنه حتى لو كانت هناك مؤشرات تؤكد أن إثيوبيا قد لا تغيِّر موقفها؛ لن تترك مصر المفاوضات أيضًا، لافتًا إلى أن الملء الرابع قد يكون له خطورة على جسد السد نفسه، وبالتالي الأمر يحتاج إلى التشاور والاتفاق المكتوب على التعامل مع أي أزمة مستقبلية تتعلق بتشغيل السد وإدارته، ويؤكد "وهذا أمر معمول به في كل السدود على الأنهار الدولية".
وعن البدائل المتاحة أمام مصر، أكد الشويمي أن "مصر عليها أن تدخل المفاوضات المقبلة المقرر إقامتها في أديس أبابا لتقييم الموقف على الأرض، ثم تدرس الخطوات المقبلة التي عليها أن تقوم بها".
وتواصل إثيوبيا خطواتها العملية في إنشاء وملء السد، بينما تمضي في طريق مفاوضات لا يبدو حتى الآن أنه أثمر، غير أنه الطريق الوحيد، في انتظار ما سيسفر عنه اجتماع أديس أبابا المقبل.