بعد إعلان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد اكتمال بناء سد النهضة على النيل الأزرق بنسبة 100% بحلول ديسمبر/كانون الأول المقبل، بشَّر دولتي المصب مصر والسودان بفتح بوابات تصريف المياه باتجاه البلدين التي أُغلقت مع بداية الملء الخامس للسد.
يبدو أن بشارة آبي أحمد لم تلق رد الفعل المتوقع لدى مصر ، التي أرسلت مساعدات عسكرية للصومال، ما اعتبرته أديس أبابا تهديدًا مباشرًا لها، في منطقة القرن الإفريقي التي تسعى لفرض نفوذها عليها، للدرجة التي جعلت رئيس الوزراء الإثيوبي يهدد بأن "يذل" أي دولة تمس سيادة بلاده.
إرسال المساعدات العسكرية للصومال الذي جاء بعد يومين من إعلان اكتمال الملء بحلول ديسمبر، لم يكن الكارت الوحيد الذي استخدمته القاهرة، إزاء استمرار تعنت إثيوبيا في استكمال خطتها دون الالتفات لحقوق مصر والسودان.
أرسلت وزارة الخارجية المصرية أيضًا، في الأول من سبتمبر/أيلول، خطابًا لمجلس الأمن الدولي، أكدت فيه رفض السياسات الأحادية الإثيوبية المخالفة لقواعد القانون الدولي، التي تخرق اتفاق إعلان المبادئ الموقع بين مصر والسودان وإثيوبيا في عام 2015، مُشددة على أن إعلان أديس أبابا، "يُمثل استمرارًا للنهج الإثيوبي المثير للقلاقل مع جيرانها والمهدد لاستقرار الإقليم".
تفتح هذه التحركات الباب أمام التساؤل بشأن ما إذا كانت القاهرة تمتلك أوراقًا للضغط على إثيوبيا، أم فات الأوان؟ خاصة مع التطورات التي يشهدها الصراع بين البلدين بعد إرسال مساعدات عسكرية مصرية إلى الصومال، ومدى إمكانية استخدام صراع النفوذ في القرن الإفريقي سلاحًا في مواجهة مخططات أديس أبابا.
قنبلة مائية
أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، الدكتور عباس شراقي، اعتبر أن الخطاب الذي وجهته مصر لمجلس الأمن، مجرد "إثبات حق" ليس أكثر، حيث لا تنتظر القاهرة أي تحرك من مجلس الأمن في الوقت الحالي.
"الصيغة التي كُتب بها الخطاب تقليدية ولا تطلب أي رد أو تحرك للمجتمع الدولي"، قال شراقي، لافتًا خلال حديثه مع المنصة إلى أن الخطاب "خطوة معتادة عقب كل تخزين لإثبات اعتراض مصر على القرارات الإثيوبية دوليًا".
سد النهضة قنبلة مائية تهدد حياة أكثر من 20 مليون سوداني
مع ذلك انتقد شراقي تأخر إرسال الخطاب، لا سيما وأن التخزين الخامس لبحيرة السد الإثيوبي، بدأ منذ أكثر من شهر ونصف الشهر، تحديدًا في 17 يوليو/تموز الماضي، معولًا على تحرك مشترك مصري سوداني لمطالبة مجلس الأمن بعقد جلسة فورية، من منطلق أن سد النهضة أصبح "قنبلة مائية" تهدد حياة أكثر من 20 مليون سوداني بالفناء، مشيرًا إلى أن "السد الإثيوبي يزداد خطورة يومًا بعد يوم على السودان ومصر نتيجة حجم التخزين الكبير".
"تأثير السد أكبر من القنبلة النووية"، يقول شراقي، مشيرًا إلى إمكانية تسببه في طوفان لم تشهده البشرية من قبل حال وقوع أي خطأ، أو تعرض منطقة السد لأي كارثة طبيعية على غرار الزلازل، خاصة مع تدشين السد في منطقة نشاط زلزالي.
لماذا الصومال الآن؟
مع مخاوف مصر من تأثيرات السد، بدأت تكتيكًا جديدًا في القرن الإفريقي بإرسال مساعدات عسكرية للصومال، بعد توقيع اتفاقية للدفاع المشترك بين القاهرة ومقديشو.
يرى مستشار وزير الري المصري السابق، ضياء الدين القوصي، في حديثه لـ المنصة، أن "إرسال مصر لقوات عسكرية إلى الصومال، أولى أوراق القاهرة للضغط على إثيوبيا في ملف سد النهضة"، مشيرًا إلى أن مصر تمتلك أكثر من ورقة ضغط، منها تكرار مخاطبة لمجلس الأمن الدولي والاتحاد الإفريقي، وإمكانية التوجه لمحكمة العدل الدولية، لردع إثيوبيا وإلزامها باتفاق قانوني حول قواعد تشغيل سد النهضة.
الوجود العسكري في الصومال شرعي وتأمين استقرار باب المندب يحقق مصالح مصر
تتباين مواقف مصر وإثيوبيا مما يجري في الصومال، فبينما تدعم مصر وحدة الصومال، ويتحدث رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي عن أولويات القاهرة في تحقيق وحدة الصومال، تستمر إثيوبيا في دعم إقليم صوماليلاند الانفصالي وتعلن تعيين سفير لها في الإقليم.
ويعتبر الخبير العسكري، العميد محمود محيي الدين وجود قوات عسكرية مصرية في الصومال، "أمرًا شرعيًا تحت مظلة الاتحاد الإفريقي، وبموافقة الدولة المستضيفة"، مشيرًا إلى أن الصومال بخلاف كونه دولة عربية، يتعرض لمخاطر التقسيم، في ظل محاولات انفصال إقليم صوماليلاند بدعم إثيوبي.
"ما يجري يمس جزءًا من الأمن القومي المصري، خاصة وأنه يقع على البوابة الجنوبية للبحر الأحمر وقناة السويس، وبالتالي فاستقرار الصومال يحظى بأهمية كبيرة لدى القاهرة"، يوضح محيي الدين.
ويضيف لـ المنصة "وجود قوات مصرية تحت مظلة الاتحاد الإفريقي، يسهم في تحقيق الاستقرار في الصومال، ويقف أمام محاولات تقسيمه، وأمام أطماع إثيوبيا في الهيمنة على منطقة القرن الإفريقي"، مشيرًا إلى أهمية تأمين واستقرار منطقة باب المندب وخليج عدن، حيث سببت حالة عدم الاستقرار بعد الحرب على غزة خسائر كبيرة للاقتصاد المصري.
وعلَّق محيي الدين على رفض أديس أبابا وجود قوات عسكرية مصرية في الصومال "يخلطون الأوراق عبر ادعاءات باطلة بأن وجود قوات مصرية قريبة من حدودها يمس سيادتها، في الوقت الذي تمتنع فيه أديس أبابا حتى الآن عن الإدلاء بأي معلومات تتعلق بسد النهضة على غرار التصميمات، ومدى قدرة الجماعات الإرهابية على الوصول إلى السد وتفجيره"، معتبرًا أن مصر تسير في أكثر من مسار لتحقيق مصالحها وتأمين حقوق شعبها.
الخطر الأكبر
يبدو أن هناك خطرًا أكبر دفع مصر للوجود العسكري في الصومال في هذا التوقيت بعد اقتراب ملء السد الإثيوبي.
"الخطر الأكبر لا يتمثل في سد النهضة، وإنما إمكانية إقدام إثيوبيا على بناء سدود جديدة على طول مجرى النيل الأزرق"، يؤكد القوصي، مشيرًا إلى أن أديس أبابا وضعت خطة لبناء أكثر من سد، ومعتبرًا أن مصر تجاوزت مرحلة خطر سد النهضة وتعمل تحسبًا للخطط المقبلة.
يستغل آبي أحمد الوجود المصري في الصومال لكسب الداخل وإخماد المعارضة
في الوقت الذي قوبلت خطوة القاهرة بإرسال مساعدات عسكرية إلى الصومال، بفزع واستنكار إثيوبي، يقول مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، حسين هريدي، لـ المنصة إن أديس أبابا حاولت على مدار سنوات الهيمنة والسيطرة على منطقة ودول القرن الإفريقي، بما يخدم مصالحها فقط، ولذلك جاءت حالة الذعر من الوجود العسكري المصري بالصومال، الذي تحاول حكومة آبي أحمد استخدامه لكسب الداخل الإثيوبي، عبر تصوير الوجود المصري بأنه مهدد لبقاء واستقرار أديس أبابا، بالإضافة إلى إخماد الأصوات المعارضة والقبائل التي تُمثل تهديدًا للحكومة الإثيوبية الحالية.
ورغم ذلك، يؤكد هريدي أن مصر تسير في ملف سد النهضة عبر الدبلوماسية السلمية منذ البداية، ولو كانت تريد التدخل العسكري، لفعلت ذلك مبكرًا، معتبرًا الوجود العسكري المصري في الصومال "وجودًا استراتيجيًا يستهدف تأمين الملاحة المتجهة من باب المندب للبحر الأحمر وقناة السويس بالأساس".
تشارك مصر بشكل واسع، في قوة حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي في الصومال المكونة من 13 ألف جندي من 9 دول إفريقية، ابتداء من أول يناير/كانون الثاني المقبل، بهدف حفظ الاستقرار في البلاد، ما قد يُهدد نفوذ وتطلعات آبي أحمد في القرن الإفريقي.