في 25 مارس/آذار، احتفلت إثيوبيا بالذكرى الثانية عشر على إطلاق مشروع سد النهضة، معلنة اكتمال 90% من أعمال بناء السد الضخم. وقالت نائبة رئيس المجلس التنسيقي لمشروع سد النهضة، فقرتي تامرو، إن بلادها واجهت تحديات وضغوطًا دبلوماسية وحربًا داخلية، ومع ذلك تمكن الإثيوبيون من إنجاز سد النهضة.
يأتي هذا بينما تستعد أديس أبابا لملء خزان السد للعام الرابع دون التوصل لاتفاق مع مصر والسودان، وسط تساؤلات حول خيارات مصر المقبلة.
الدكتور عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، قال إن إعلان إثيوبيا انتهاء 90% من الأعمال الإنشائية للسد يعني أنها قد تنتهي من البناء بشكل كامل بحلول عام 2025.
لكن ما ينبغي القلق بشأنه الآن هو استعداد أديس أبابا للملء الرابع، الذي قد يضاهي التخزينات الثلاثة السابقة، يقول شراقي للمنصة، مشيرًا إلى عدم وجود خطة زمنية أو منظمة لعملية الملء مُعلنة من الجانب الإثيوبي.
إثيوبيا التي تسعى إلى تخزين 74 مليار متر مكعب من المياه خلف السد، فتحت إحدى بواباته مع نهاية فبراير/شباط الماضي، بحسب ما أظهرته صور التقطتها الأقمار الصناعية، ما يشير إلى أنها تسعى لتصريف المياه وإفساح المجال لأعمال تعلية جانبي السد والممر الأوسط تمهيدًا للملء الرابع.
يتوقع شراقي أن "يكون متوسط التخزين هذا العام 17 مليار متر مكعب، ممكن أن يزيد أو ينقص حسب حجم الأمطار، بالإضافة إلى نحو 18 مليار متر مكعب تم تخزينها خلال الأعوام الثلاثة الماضية ليصبح إجمالي ما سيتم تخزينه نحو 35 مليار متر مكعب.
فيما يقول الخبير السوداني البارز والعضو السابق للجنة الوطنية السودانية لسد النهضة، أحمد المفتي، إن إثيوبيا تخطط لحجز 10 مليارات متر مكعب خلال الملء الرابع، لكنها لم تستطع من قبل أن توفي بالتزاماتها، لهذا يتوقع المفتي في حديثه للمنصة تخزين نحو خمسة مليارات متر مكعب.
تصاعد "الحرب الكلامية"
التحركات الإثيوبية قابلتها ردود فعل دبلوماسية مصرية، منها إعلان وزير الخارجية المصري سامح شكري في 8 مارس/آذار هذا العام، خلال رئاسته اجتماع الدورة 159 لمجلس جامعة الدول العربية، اعتماد قرار بشأن سد النهضة، وطرحه كبند دائم على جدول أعمال مجلس الجامعة.
وقال شكري، إن "هذه القضية محورية ذات أولوية متقدمة وله تبعات خطيرة على أمن مصر القومي".
بدورها، ردت إثيوبيا على تدخل الجامعة العربية، ببيان صدر عن خارجيتها قائلة "مثل هذه المحاولات لتسييس قضية سد النهضة لا تعزز العلاقات الودية، ولا تدعم الجهود للتوصل إلى حلول ودية".
بعدها واصلت مصر "الحرب الكلامية"، إذ قال وزير الخارجية سامح شكري خلال تصريحات تليفزيونية في 16 مارس، إن "كل الخيارات مفتوحة بشأن أزمة سد النهضة.. ومصر لها قدراتها وعلاقاتها الخارجية ولها إمكانياتها"، وعلق على شروع إثيوبيا في الملء الرابع قائلًا: إن مصر تراقب الموقف بدقة. تلك التصريحات قوبلت برفض إثيوبيا واعتبرتها "تهديدًا غير مسؤول".
لم تكتف مصر بذلك، فقد عدَّد وزير الري المصري هاني سويلم، في كلمته أمام مؤتمر الأمم المتحدة للمياه 2023، أخطار الإجراءات الإثيوبية الأحادية على مصر. وقال إنها يمكن أن تمثل خطرًا وجوديًا وكارثيًا على نحو 150 مليون شخص في مصر والسودان. وأضاف "في حالة استمرار تلك الممارسات على التوازي مع فترة جفاف مطول قد ينجم عن ذلك خروج أكثر من مليون ومائة ألف شخص من سوق العمل، وفقدان ما يقرب من 15% من الرقعة الزراعية في مصر ".
ولأكثر من عقد، تخوض مصر والسودان مفاوضات شاقة مع إثيوبيا، للتوصل إلى اتفاق حول تشغيل وملء السد الإثيوبي. وطلبت الدولتان مرارًا من إثيوبيا أن توقف عمليات ملء السد إلى حين التوصُّل إلى اتفاق، خاصة طريقة إدارة السد في أوقات الجفاف والجفاف الممتد، لكن الأخيرة مضت في طريقها دون اهتمام بشواغل جارتيها.
وساطة إماراتية لم تنجح
ورغم توقف المفاوضات بين الدول الثلاث منذ أبريل/ نيسان 2021 بعد فشل وساطة الاتحاد الإفريقي في كينشاسا عاصمة الكونغو، فإن وسطاء حاولوا تقريب وجهات النظر. في مارس من العام الماضي، دخلت الإمارات بما تملكه من علاقات وثيقة مع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، على خط الأزمة. واستضافت 4 جولات سرية في أبوظبي، على أمل التوصل لاتفاق بعد فشل وساطة الاتحاد الإفريقي في أبريل/نيسان عام 2021.
الوساطة الإماراتية كشفها مسؤولون سودانيون، فيما لم تجاهلها نظراؤهم المصريين. لكن سرعان ما انهارت محادثات أبوظبي بعدما أصرّ الوسطاء الإماراتيون على طرح "مسألة تقسيم المياه" في المفاوضات، وهو ما رفضته مصر والسودان. وقال وزير الخارجية السوداني، على الصادق، نهاية فبراير الماضي، في حوار لصحيفة الوطن البحرينية "للأسف الشديد، أصبحت هناك بعض التدخلات الخارجية التي تريد أن تفرض علينا أجندة معينة، ونحن نبصم عليها، وهذا الأمر مرفوض تمامًا".
لكن شراقي يرى أن حديث وزير الخارجية السوداني عن محاولة الوسطاء فرض مبدأ "تقسيم المياه" أمر خطير، ويثبت أن الإمارات ليست وسيطًا نزيهًا في تلك المفاوضات، لتبنيها وجهة نظر إثيوبية خالصة ليس لها علاقة بخلافات سد النهضة الخاصة بقواعد الملء والتشغيل.
وأوضح شراقي أن تقسيم المياه مطلب إثيوبي الأصل سبق ودعت إليه في مفاوضات واشنطن 2019-2020 في محاولة منها لجلب أطراف جدد من دول منابع النيل لتوسيع دائرة أطراف المفاوضات، وإطالة مدتها.
وفي 2020، كانت مصر والسودان وإثيوبيا قاب قوسين أو أدنى من توقيع اتفاق بينهما بعد وساطة أمريكية حول سد النهضة، غير أن إثيوبيا تغيبت يوم توقيع الاتفاق في واشنطن، ووقعت مصر منفردة عليه ورفض السودان التوقيع.
إلى ذلك، ذهبت مديرة البرنامج الإفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتورة أماني الطويل، إلى أن "مصر لم تكن تعوِّل كثيرًا على الوساطة العربية، لأنها لا تملك أوراق ضغط كافية على إثيوبيا من ناحية، ولا يمكن مقارنتها بدور واشنطن".
وأضافت الطويل للمنصة، أن مصر انضمت لتلك المحادثات بمنطق ألا تفرِّط في فرصة للتفاوض مهما كان الأمل ضعيفًا، وكذلك لتسجيل نقاط على إثيوبيا، ولأن الانخراط العربي في مثل تلك المفاوضات، يُطلع تلك الدول، بما فيها الإمارات، على الشواغل المصرية وخصوصًا المتعلقة بتلبية حاجات المصريين الضرورية.
تهدئة إثيوبية
لم تهدأ التحركات المصرية، فقد التقى وزير الخارجية المصري بسفراء الاتحاد الأوروبي يوم 30 مارس المنقضي، وأطلعهم على تطورات سد النهضة. كما نفذ الجيشان المصري والسوداني تدريبًا عسكريًا مشتركًا في مجال الأمن البحري ومجابهة التهديدات غير النمطية، في القاعدة البحرية في بورسودان.
في خطوة إثيوبية نحو التهدئة، قال وزير خارجية إثيوبيا ديميكي ميكونين، في 1 أبريل/نيسان، إن بلاده ترغب في استئناف المفاوضات الثلاثية بشأن سد النهضة ضمن الإطار الإفريقي.
ولم يردّ المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية على طلب التعليق، فيما رفض المتحدث باسم وزارة الري الإجابة عن أسئلة المنصة.
ولكن الطويل ترى أن طلب أديس أبابا استئناف المفاوضات وإعلانها أن هذا السد للتنمية فقط، تمثل نقاط نجاح مصرية ولو محدودة في الضغط على إثيوبيا، مضيفة "طرح مصر لملف السد في اللقاءات الثنائية والدولية يقلق إثيوبيا بالتأكيد".
وأضافت أن رئاسة الاتحاد الإفريقي عليها أن تبادر بدعوة للدول الثلاث لاستئناف المفاوضات مجددًا مع ممارسة مزيد من الضغط على إثيوبيا لتفهم الشواغل المصرية.
وذهب الباحث في شؤون القرن الإفريقي المقيم في النرويج، محمد خير عمر، إلى أن إثيوبيا قطعت شوطًا طويلًا في بناء السد، لهذا تطالب باستئناف المفاوضات مجددًا مع مصر والسودان بعد أن أصبح حقيقة واقعة.
وأضاف عمر للمنصة، أن نائب رئيس حزب الازدهار الحاكم في إثيوبيا آدم فرح، الذي زار جيبوتي يوم 6 أبريل الجاري، بحث إمكانية وساطة جيبوتي في المفاوضات مع مصر والسودان.
ورغم ذلك، "لا تزال فرص التوصل لاتفاق بعيدة، لأن القضايا الرئيسية التي أعاقت التوصل إلى اتفاق لا تزال قائمة.. أي اتفاق سيتطلب حلًا وسطًا من قبل كل من مصر والسودان"، بحسب عمر.
يعلق الخبير السوداني أحمد المفتي، بأن "أي عودة للمفاوضات قبل أن توقف إثيوبيا أنشطتها في السد ليست في صالح السودان ومصر، بل ستعطي أفعال إثيوبيا الأحادية مزيدًا من الشرعية".
عودة ثالثة لمجلس الأمن؟
والآن، يرى شراقي أن مصر أمام خيارين؛ الأول أن تضغط مصر لحث الاتحاد الإفريقي بقيادته الجديدة برئاسة جزر القمر للقيام بمسؤولياته لاستئناف المفاوضات قبل الملء الرابع.
والثاني أن تتوجه مصر والسودان مرة ثالثة إلى مجلس الأمن، ولكن هذه المرة ليس بسبب مشكلة نقص المياه، بل لوجود "خطر شديد على الأمن والسلم الدوليين نتيجة التعنت الإثيوبي".
فيما يعلق عمر، بأن "الاتحاد الإفريقي نفوذه أضأل من أن يفرض أي اتفاق، لهذا قد تعود مصر إلى مجلس الأمن لكن من غير المتوقع أن تحقق نتائج".