استبق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بدء إثيوبيا الملء الرابع لسد النهضة، بدعوتها للأخذ بأي من الحلول الوسط المطروحة بشأن الأزمة، في وقت اختلف خبراء حول جدوى الدعوة، أو ماهية تلك "الحلول"، علمًا بأن المفاوضات متوقفة فعليًا منذ شهر أبريل/نيسان 2021.
وجاءت الدعوة الأخيرة خلال لقاء جمع السيسي بالرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزوانى، أمس، تطرقا فيه لملف سد النهضة الإثيوبى، وتبعاته الخطيرة على الأمن المائي لدول مصب حوض النيل، بحسب السيسي، الذي أكد، في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الموريتاني، أن الأمن المائى المصرى، جزء لا يتجزأ من الأمن المائى العربى.
وقال السيسي إنه اتفق ونظيره الموريتاني على "أهمية حث إثيوبيا على التحلي بالإرادة السياسية للأخذ بأي من الحلول الوسط، التي تم طرحها على مائدة التفاوض، والتي تلبي مصالحها، دون الافتئات على حقوق ومصالح دولتي المصب وذلك من أجل إبرام اتفاق قانوني ملزم، بشأن ملء وتشغيل سد النهضة".
الضرر قادم
وتأتي دعوة السيسي هذه المرة قبل شروع إثيوبيا في المرحلة الرابعة من تخزين المياه خلف السد، والتي توقع أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة الدكتور عباس شراقي، للمنصة "تأثيرها على 45% من حصة مصر من المياه".
من جانبه، قال مصدر بوزارة الري، للمنصة، إن مصر تتابع عن كثب تطور أعمال البناء والأمور الفنية الأخرى التي تخص سد النهضة، مشيرًا إلى أن ملء السد وتشغيله، بإرادة إثيوبية منفردة يخالف اتفاق إعلان المبادئ عام 2015، الذي نص على التعاون وعدم الإضرار بالآخرين؛ وبالتالي فإن "مصر ترفض جميع مراحل التخزين، بما فيها المرحلة الرابعة التي تستعد لها إثيوبيا حاليًا".
وأكد المصدر المطلع على ملف سد النهضة، أن مصر لم تتراجع يومًا عن المطالبة بالتوقيع على اتفاق قانوني ملزم، وعادل يحقق مصالح الدول الثلاث دون ضرر.
خلافات لم تُحسم
وحول طبيعة الحلول الوسط التي دعا إليها السيسي، ومدى قابليتها للتطبيق في ظل تقدم مراحل بناء السد وملئه، أكد شراقي، أن تلك الحلول لا زالت تتمحور حول الوصول إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن مراحل الملء والتشغيل تراعي مصالح كلاً من مصر والسودان وإثيوبيا.
وقال "إحنا طوال 12 سنة سابقة من التفاوض، دائمًا ما كانت المفاوضات تشمل قواعد الملء والتشغيل، وتوصلنا إلى صيغة وسط بالفعل في مفاوضات واشنطن التي شهدتها الفترة من نوفمبر/تشرين الثاني 2019 إلى فبراير/شباط 2020، ولكن إثيوبيا في آخر لحظة أو ما يمكن تسميتها بلحظة الجد والتوقيع على الاتفاق، تغيبت عن الحضور، ومصر هي التي وقعت بالأحرف الأولى".
وتابع "بالتالي فإن ما يقصده الرئيس السيسي بمصطلح الحلول الوسط، هو العودة مجددًا للتفاوض، لاسيما وأننا خضنا مراحل متعددة من المفاوضات وباتت كل الأمور المرتبطة بالأزمة وآثارها على الأمن المائي المصري واضحة".
لكن في المقابل، لم يفهم وزير الري الأسبق محمد نصر الدين علام، ما الذي يقصده السيسي بمصطلح "الحلول الوسط"، موضحا في حديثه للمنصة أنه "لو كان يقصد دعوة إثيوبيا للتفاوض مجددًا فما الذي سيجبر إثيوبيا على الاستجابة لتلك الدعوى وإعلان جاهزيتها للاستجابة للمطالب المصري؟"، قائلاً "ماكانت عملت كدا من زمان".
وأضاف علام أن إثيوبيا تسير في مسارها المدعوم من القوى الدولية والذي يعتمد على سياسة فرض الأمر الواقع، وبالتالي "فإن لم يكن لدى مصر ما يدعو إلى تغيير الأمر الواقع فلن يلتفت إليها أحد".
التفاوض
وفي حال استجابت إثيوبيا إلى تلك الدعوة فإن جدواها لا زالت قائمة، بحسب شراقي، رغم المراحل المتقدمة من التشييد والملء التي شهدها السد.
وأكد شراقي أن أي اتفاق منتظر بين الجانبين المصري والإثيوبي لن يتناول مواصفات السد الذي أوشكت إثيوبيا بشكل كبير على الانتهاء من تنفيذه وقطعت مراحل كبيرة في بنائه، وإنما ستتطرق محاولات الاتفاق إلى قواعد الملء والتشغيل.
وفي مارس/آذار الماضي، أعلنت السلطات الإثيوبية اكتمال 90% من أعمال بناء سد النهضة "رغم التحديات والضعوط الدبلوماسية"، على حد تعبيرها.
وفيما يخص قواعد ملء السد، نوه شراقي إلى أن الفرصة لا زالت سانحة أمام المفاوضات للتوصل لحلول تراعي مصالح الدول الثلاثة، خاصة وأن دعوة الرئيس هذه المرة تأتي قبل أسابيع قليلة من شروع إثيوبيا في تنفيذ التخزين الرابع للمياه بالسد والمقرر له الشهر المقبل.
ولفت إلى أن التفاوض يستهدف تقرير قواعد محددة لمرحلة التخزين الرابع وكيفية تنفيذها وما سيتبعها من مراحل تخزين أخرى، خاصة وأن إثيوبيا استطاعت تخزين 13 مليار متر مكعب من إجمالي 74 مليار متر مكعب مستهدفة، وبالتالي " لسه بدري".
أما قواعد التشغيل فإن التفاوض فيها سيتناول، بحسب شراقي، الاتفاق على عدد التوربينات التي سيجري تشغيلها بالسد وكمية المياه التي ستسمح إثيوبيا بإمرارها لمصر والسودان، وكيفية إمرار المياه حال توقف التوربينات، عوضًا عن الاتفاق على طريقة التشغيل خلال سنوات الجفاف وكمية المياه التي ستمر من إثيوبيا، مشيرًا إلى أن كل هذه الأشياء سبقت دراستها جيدًا، وتم التفاوض عليها على مدى سنوات طويلة، إلا أنها لم تحسم ومن الضروري صياغتها في اتفاق يلزم الجميع.
لكن على عكسه، لا يبدي وزير الري السابق التفاؤل ذاته، قائلًا "نتفاوض مع إثيوبيا منذ 12 عامًا ومع ذلك لم يتم الاتفاق على بند واحد فقط من بنود التفاوض المرتبطة بطريقة الملء أو الإخطار بالبيانات"، مؤكدًا "مش عايزين نرسم صور خيالية حول جدوى التفاوض".
مطالب مصر
وارتباطاً بوجهة النظر الحكومية في مصر لقواعد ملء وتشغيل سد النهضة، قال المصدر بوزارة الري، إن القاهرة عرضت سيناريوهات عدة لملء وتشغيل سد النهضة على مائدة التفاوض تراعي مصالح إثيوبيا في توليد الكهرباء حتى 70-80% في أحلك الظروف دون الإضرار "الجسيم" بكمية المياه التي تصل إلى السودان ومصر.
وأوضح أن مصر طالبت بالربط بين منسوبي بحيرتي تخزين سد النهضة والسد العالي، وهو مبدأ متعارف عليه في الأنهار المشتركة، فلا يصح أن تملأ إثيوبيا سد النهضة حتى أعلى منسوب بينما السد العالي عند منسوب متدنٍ، على نحو لا يفي بالاحتياجات المائية الأساسية للشعب المصري.
وتابع أنه "قبل هذا المقترح كانت مصر قد طلبت إمرار حد أدنى من النيل الأزرق، المقام عليه سد النهضة، يعادل 40 مليار متر مكعب، باعتباره متوسط إيراد النهر خلال فترات الجفاف لكنّ إثيوبيا رفضت واقترحت تمرير 35 مليار متر مكعب فقط في فترات الجفاف".
وتوقفت مفاوضات سد النهضة، تحت رعاية الاتحاد الإفريقي، منذ أبريل 2021، وانعقدت بعدها جولات تفاوض بين الدول الثلاث استضافتها دولة الإمارات العربية المتحدة، دون مزيد من التفاصيل عن مستوى التمثيل لكنها لم تصل أيضًا إلى اتفاق، حسبما كشف مسؤولون سودانيون في وقت سابق.