أعربت لجنة مناهضة التعذيب بالأمم المتحدة، عن قلقها إزاء مضي السلطات المصرية قدمًا في إصدار قانون الإجراءات الجنائية الجديد "في ضوء ما يتضمنه مشروع القانون من إقرار نظام للمحاكمات عن بعد دون ضمانات كافية، وتوسيع سلطة النيابة العامة فيما يتعلق بالحجز لدى الشرطة والحبس الاحتياطي، ومنحها سلطة تقديرية واسعة في منع المحامين من الحصول على ملفات القضايا ومحاضر التحقيقات بدعوى مصلحة التحقيق".
وفي 29 أبريل/نيسان الماضي، وافق مجلس النواب، بشكل نهائي، على مشروع قانون الإجراءات الجنائية، بعد إدخال عدد من التعديلات على 17 مادة في مشروع القانون.
وأشارت اللجنة الأممية، في تقرير حديث، تسلمته الحكومة المصرية، في 16 مايو/أيار الجاري، بشأن مدى التزام الحكومة المصرية بتطبيق اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، إلى "استمرار منح رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة النطاق بموجب قانون الطوارئ، رغم وقف العمل به، تتضمن منحه سلطة تعيين قضاة محاكم أمن الدولة طوارئ، وإيقاف التحقيقات، والإحالة للمحاكمة، والتصديق أو تعديل أو إلغاء أو تعليق العمل بأحكامها".
وأوضحت اللجنة، في التقرير الذي حصلت المنصة على نسخة منه، أنها على علم بأن محاكم الطوارئ مستمرة في نظر القضايا المحالة إليها قبل إنهاء حالة الطوارئ في أكتوبر/تشرين الأول 2021، معربة عن "قلقها" من استمرار تعرض المتهمين المحالين إلى هذه المحاكم "لإجراءات قضائية استثنائية تفتقر للقواعد الواجب مراعاتها وضمانات المحاكمة العادلة".
كما أعربت اللجنة عن "قلقها، إزاء ما تمنحه قوانين مكافحة الإرهاب والكيانات الإرهابية من صلاحيات واسعة لقوات الأمن تمكنها من توقيف المشتبه بهم لأجل غير مسمى دون إشراف قضائي يذكر".
وفيما أشادت اللجنة بما أبرزته الحكومة المصرية من جهود على صعيد أحوال السجون تتضمن بناء مراكز تأهيل جديدة، والتوسع في إصدار قرارات العفو الرئاسي، والإفراج الصحي، والإفراج عن المحبوسين في قضايا ديون مالية، غير أنها "لا تزال قلقة إزاء التقارير التي تُفيد باستمرار الاكتظاظ وسوء الأوضاع المادية في أماكن الاحتجاز، وضعف استخدام بدائل الحبس، والإفراط المنهجي في استخدام الحبس الاحتياطي لفترات مطوّلة في القضايا ذات الحساسية السياسية، والتطبيق الانتقائي للعفو الرئاسي والإفراج المشروط الذي غالباً ما يقتصر على المدانين في قضايا غير سياسية".
وسبق ووجه سبعة من المقررين الخواص بمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة رسالة مفصلة إلى الحكومة المصرية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حذروا فيها مما سيتسبب فيه مشروع القانون الجديد من عصف بحقوق كافة المواطنين المتعاملين مع منظومة العدالة الجنائية، سواء كانوا متهمين أو ضحايا أو شهودًا أو مدافعين.
أما مدير المفوضية المصرية للحقوق والحريات محمد لطفي، فأكد أهمية التقرير الأممي بوصفه يذكر الحكومة المصرية بمواضيع ما زالت عالقة مثل السجناء السياسيين الصادر بحقهم أحكام من محاكم أمن الدولة طوارئ، مثل علاء عبد الفتاح ومحمد أكسجين وغيرهم، فضلًا عن تركيزه على أن إلغاء حالة الطوارئ لم يمنع بقاء آثارها وامتداد الإجراءات الاستثنائية المرتبطة بها في قوانين أخرى سارية مثل قوانين مكافحة الإرهاب والكيانات الإرهابية وتأثير تلك القوانين على سجل حقوق الإنسان في مصر.
وأوضح لطفي في تصريحات إلى المنصة، أن التقرير أيضًا يذكّر الحكومة المصرية بأن بناء سجون جديدة لم يمنع وجود مشكلات المتعلقة بأوضاع السجناء، عوضًا عن تخوفات اللجنة مما يتضمنه مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد من نصوص "منع وحجب العدالة لضحايا التعذيب، عبر حماية الموظفين العموميين ورجال الأمن أو غيرهم من المحاسبة".
ونهاية أبريل الماضي، انتقد المركز العربى لاستقلال القضاء والمحاماة إقرار مشروع القانون "لخطورة أثره على أوضاع العدالة فى مصر"، مناشدًا السيسي عدم التوقيع عليه وإعادة طرح مواده للحوار المجتمعي لتفادي "العوار الدستوري والقانوني الذي أصابه".
وقبل موافقة مجلس النواب عليه، تعرَّض مشروع قانون الإجراءات الجنائية لانتقادات من الحقوقيين ونقابة الصحفيين التي أعدت ورقةً، وأرسلت تعليقات لمجلس النواب على النصوص التي تنتقص من حقوق المواطنين خلال مرحلة القبض والتحقيق والمحاكمات.
وخلال مناقشته بالمجلس واجهت مواده اعتراضات عدة تجاهلها البرلمان، من بينها النصوص المنظمة لإجراء المحاكمات عن بعد، وتوقيع غرامة 500 جنيه على الاستشكال الثاني على الأحكام، وضوابط التحفظ على الأموال، واعتماد الأسورة الإلكترونية كإجراء احترازي بديل للحبس الاحتياطي، ومنح المواطنين حق إقامة الدعوى الجنائية ضد الموظفين العموميين.
وسبق وأعلن محامون حقوقيون، خلال مؤتمر صحفي، استضافته المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، رفضهم مشروع قانون الإجراءات الجنائية، معتبرين أنه "يهدد استقرار منظومة العدالة".