في حديثه أول أمس الاثنين بمؤتمر التحالف الوطني أكد الرئيس السيسي صعوبة الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر، لكنه نفى أن تكون ناجمة عن أي حروب أو مغامرات دخلتها مصر إذ قال "دي أزمة مش بتاعتنا والحرب دي مش بتاعتنا. والموقف اللي حصل ده في أزمة الكورونا لسنتين، ولا حتى الأزمة الروسية مصر معملتهاش. إنما مصر بتدفع تمن زي كل دول العالم ما بتدفع".
لكنَّ واقع الأمر وحتى تصريحات الرئيس وبيانات مجلس الوزراء السابقة، تقول بغير ذلك.
فأسعار النفط والغاز التي اشتعلت بسبب اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا في فبراير/ شباط الماضي، عادت إلى الانخفاض لمستوياتها السابقة قبل أكثر من عشرة أشهر.
صحيح أنها أدت إلى ارتفاع مستويات التضخم في الاقتصاديات العالمية، لكنه غلاء يتراوح في معظم دول العالم بين نسب 3% إلى ما دون 20%، فهل ارتفعت السلعة التي كان ثمنها مئة جنيه إلى 120 جنيهًا؟ أم أن أزمة حرب أوكرانيا العابرة كانت مجرد القشة التي قصمت ظهر بعيرنا الاقتصادي، خصوصًا حين فرت مليارات الدولارات من الأموال الساخنة إلى بنوك أخرى في دول عملتها أكثر استقرارًا، ولو بأسعار فائدة منخفضة، لكن معقولة ومضمونة مقارنة بالإغراءات والمضاربات التي جلبنا بها الأموال في البداية!
لا يتسع المقال هنا لمناقشة السياسة الاقتصادية التي أدت لأزمتنا، لكن نعود هنا فقط إلى التصريحات السابقة للرئيس والمسؤولين عن وضع الاقتصاد المصري في السنوات الثلاث الماضية.
لنركز على أزمة جائحة كورونا وسنتيها الصعبتين على اقتصادنا واللتين يتحدث عنهما الرئيس الآن. ولنعد إلى تصريحاته وبيانات مجلس الوزراء بل والأهم تقرير صندوق النقد الدولي عن "تغلب مصر على صدمة كوفيد.."!
منذ 11 شهرًا فقط، في حديثه بمؤتمر مصر الدولي للبترول/إيجيبس، يوم 14 فبراير الماضي، تباهى الرئيس السيسي بأن مصر لم تتأثر سلبيا بالجائحة التي اعتبرتها الدول الأخرى كأنها نهاية العالم "إحنا من الدول اللي حققت نمو اقتصادي إيجابي، في ظل هذه الظروف. لم نتوقف لحظة عن العمل، أخذنا العديد من الإجراءات وتعاملنا بمعايير الصحة العالمية، لكن لم نتوقف قبل وبعد الجائحة".
بالفعل، مصر لم تغلق متاجرها أو مكاتبها أو شوارعها ساعة واحدة من ساعات العمل الرسمي خلال سنتي الجائحة. أقصى فترة كان الحظر أو الإغلاق فيها من الخامسة مساءً إلى الخامسة صباحًا، مع السماح حتى في ساعات الحظر بتوصيل الطلبات والأطعمة، ومسيرات التأييد لمشجعي "تحيا مصر"، ناهيك عن موكب المومياوات الأسطوري بشوارع القاهرة في عز الجائحة: أبريل/ نيسان 2021.
وبالطبع لا توجد أرقام رسمية موثقة عن كل الأعداد الفعلية للوفيات نتيجة هذه السياسة المختلفة عن العالم في إغلاق الأبواب، ولكن مؤشراتها تتضح في كم التعازي على السوشيال ميديا، وعدد وفيات الفنانين والأطباء بل وكذلك أعضاء البرلمان، بمنطق النسبة والتناسب!
رغم تأكيد المسؤولين المصريين أنهم تغلبوا على الجائحة فإنهم لم يشيروا إلى الأموال والقروض التي أخذوها من صندوق النقد الدولي
في اليوم التالي لتصريحات الرئيس في مؤتمر البترول، أصدر مركز معلومات مجلس الوزراء المصري تقريرًا مصحوبًا بإنفوجراف يظهر بيانيًا ثقة المؤسسات الدولية في الاقتصاد المصري وتغلبه على أزمة كورونا، ويؤكد التقرير الصادر في 15 فبراير الماضي ما يلي:
"نجح الاقتصاد المصري في السير بخطى ثابتة ومنهجية استباقية ومرنة، نحو تحقيق مستهدفات برنامج الإصلاح الاقتصادي والهيكلي، وفي مقدمتها تطبيق الإصلاحات الرامية إلى النهوض بمعدل النمو، واحتواء نسب عجز الموازنة، ومعدلات التضخم، فضلًا عن اتخاذ الاحتياطيات الدولية من النقد الأجنبي مسارًا تصاعديًا، في ظل انتعاش الأنشطة التجارية تعافي قطاع السياحة، إلى جانب ارتفاع تحويلات المصريين في الخارج، وغيرها من مصادر النقد الأجنبي، مما أسهم في تعزيز بنية الاقتصاد المصري، وتماسكه وصموده في مواجهة التحديات، وإنقاذه من تأثيرات جائحة كورونا التي أضرت بالعديد من الاقتصادات العالمية".
لكن رغم تأكيد المسؤولين المصريين أنهم تحدوا الجائحة وتغلبوا عليها ولم يتوقف العمل خلالها، فإنهم لم يشيروا إلى الأموال والقروض التي أخذوها من صندوق النقد الدولي، على سبيل المثال، بمبرر أنهم يحتاجونها بسبب الجائحة. لكن تقرير الصندوق الصادر في 14 يوليو/ تموز 2021 يوضح كيف ساعد الصندوق مصر لمواجهة الجائحة بالقروض في تلك الفترة ولتغطية احتياجات العام التالي، كما يقول الخبير بالصندوق ماثيو جارتنر:
"لقد قدم الصندوق دعمًا ماليًا قدره 8 مليارات دولار … إذ قدمت أداة التمويل السريع مساعدة مالية طارئة قدرها 2.8 مليار دولار في مايو (أيار) 2020 لضمان توافر نقد أجنبي كافٍ لدى الحكومة من أجل تمويل الواردات والاحتياجات الأخرى الضرورية.
وكان اتفاق الاستعداد الائتماني (SBA)، الذي صدرت الموافقة بشأنه في يونيو/ حزيران 2020، قد أتاح للحكومة الحصول على موارد بلغ مجموعها 5.4 مليار دولار أمريكي على مدى الاثني عشر شهرا اللاحقة".
أين وكيف تم إنفاق كل هذه المليارات الثمانية التي بدأ ضخها من يونيو 2020 بجانب القروض السابقة والودائع العربية؟
في فبراير 2021 كان سؤال الإعلام المصري لوزير المالية ورئيس الوزراء وحتى رئيس الجمهورية: من أين أتيتم بكل هذه الأموال لبناء وتشييد كل هذه الطرق والكباري؟
تطوع الرئيس السيسي في مكالمة هاتفية مع عمرو أديب يوم 5 فبراير بطرح السؤال بنفسه والإجابة عنه بطريقته:
- الرئيس: إنتو الواجب تتوقفوا وتقولوا إزاي ده بيتعمل؟ الأموال دي بتيجي منين؟
- أديب: ده سؤالي دايمًا..
- الرئيس: طب خدوا بالكو دايمًا.. عارف يا أستاذ عمرو، ده حتى غريب قوي إن حد في موقعي ده يقوله.. واللهِ كله من فضل الله..
- أديب: الحمد لله
- الرئيس: بفضل اللهِ سبحانه وتعالى.
هذا ما قاله الرئيس آنذاك، وردده وزير ماليته بابتسامة وطمأنينة المؤمن، ولا تعليق عليهما، ولا حول ولا قوة إلا بالله.