تكرر أمس، على نحو لا يبدو عفوي، الهجوم على الناشط السياسي والمبرمج السجين علاء عبد الفتاح، خلال مؤتمرين نظمتهما مؤسسات دولية لدعمه على هامش قمة المناخ، فيما أتت محاولات التشويش على شقيقته سناء بنتائج عكسية.
وكان عبد الفتاح، الحاصل على الجنسية البريطانية، أعلن تصعيد إضرابه الجزئي عن الطعام إلى إضراب كامل مطلع الشهر الجاري، ثم إلى إضراب عن الماء بدءًا من الأحد بالتزامن مع انطلاق قمة المناخ في مصر، وحتى إطلاق سراحه، حسبما قالت أسرته على فيسبوك.
وقال مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية حسام بهجت للمنصة "محاولات إفساد المؤتمرات المنادية بالحرية لعلاء متوقعة، وغير مستغربة على الإطلاق"، مشددًا في الوقت ذاته على استمرار الحملة المطالبة بالإفراج عن علاء وكل سجناء الرأي.
معركة هتافات
ودعا بهجت المشاركين لارتداء ملابس بيضاء غدًا الخميس، مشددا على عدم تنظيم احتجاجات، للتضامن مع معتقلي الرأي المصريين في إشارة إلى لون ملابس السجناء.
وفي نهاية الجلسة التي عقدت أمس ونظمتها منظمة العفو الدولية، حول حماية حقوق الإنسان لتحقيق العدالة المناخية، على هامش فعاليات COP27 في الجناح الألماني في المنطقة الزرقاء، خلع مجموعة من الناشطين المصريين والأجانب ستراتهم كاشفين عن تيشرتات بيضاء، دون عليها Free Alaa هاتفين بالحرية لعلاء.
وفي المقابل ردت مجموعة أخرى "علاء عبد الفتاح قاتل"، وحُسمت المعركة لصالح الفريق الأول الذي كان أعلى صوتًا.
وأبدت المجموعة الثانية تصعيدًا لافتًا للعداء بترديد شعارات "علاء قاتل" و"علاء إرهابي"، في حين أنه لم يوجه له أي اتهام بالقتل. ويقضي علاء حكمًا مشددًا بالسجن خمس سنوات، أصدرته محكمة جنح أمن الدولة طوارئ، وهي محكمة استثنائية لا يمكن الطعن على أحكامها، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بعدما أدانته بـ "نشر أخبار كاذبة تقوض الأمن القومي"، على خلفية بعض ما كتبه على السوشيال ميديا عام 2019.
واعتبر بهجت أن المجموعة الثانية تعبر عن الدولة، قائلًا "هؤلاء الأشخاص يرتدون شارات مكتوب عليها 'الدولة المضيفة' وبالتالي فهم يمثلون وجهة نظر الدولة، وهو أمر متوقع وغير مستغرب".
قبل معركة الهتافات
شاركت في الجلسة الناشطة سناء سيف، شقيقة علاء عبد الفتاح، كمتحدثة إلى جانب 4 آخرين، هم الدكتورة أنياس كالامار الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، وجينفر مورجان وكيلة وزارة الخارجية الألمانية، وتيرانا حسن المديرة التنفيذية لـ هيومان رايتس ووتش، وحسام بهجت المدير التنفيذي للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وأدارت الحوار نينا لاخاني، الصحفية بالجارديان البريطانية.
قالت سناء في كلمتها إن شقيقها علاء يؤمن بخطر التغيرات المناخية على البشر، وهو أحد المدافعين عن البيئة، وقرأت على الحضور مقطعًا من كتاباته خلال 2020، وقالت بعدها "نحتاج لهذه الأفكار أن تظهر للنور، لذا فنحن نحتاج لأشخاص مثل علاء أن يكونوا بيننا"، وطالبت الحكومة الألمانية أن تراجع علاقاتها الخارجية مع مصر، فهي "مستمرة في بيع السلاح لمصر منذ 3 سنوات، وتستخدمه الحكومة المصرية ضدنا في النهاية"، مضيفة أن ألمانيا ليست الوحيدة في هذا الشأن.
كما تحدثت عن حق علاء في الإفراج عنه، واستنفاد العائلة جميع الوسائل القانونية في هذا السبيل. وبعد انتهاء مداخلات المتحدثين وبدء استقبال الأسئلة، تحدثت مشاركة من دولة إفريقية، وبعدها تقدمت إحدى الحاضرات للصفوف الأمامية وطلبت السؤال، وعرَّفت نفسها بأنها سلمى باحثة دكتوراه في الإقتصاد والعلوم السياسية، وتدير منظمة مجتمع مدني لم تسمها.
لاحظت المنصة أن السائلة تقرأ شيئًا على شاشة هاتفها دونته بعدها في ورقة خارجية، قبل أن تسأل "تطالبون بالإفراج عن علاء عبدالفتاح وهو سجين عن تهمة جنائية باعتباره حق له، فأين حقوق المجني عليهم من علاء؟"، وتابعت "ما نفهمه منكم أنكم تدافعون عن السجناء الجنائيين وتطالبون بالإفراج عنهم، فهل هي أجندة عملكم؟ وكيف تطالبون بهذا؟".
ثم طلبت نهاد أبو القمصان، رئيسة المركز المصري لحقوق المرأة، الكلمة قائلة إن زوجها الحقوقي (الراحل) حافظ أبو سعدة (عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان سابقًا)، تعرض للسجن لمدة 10 سنوات ولكنها لم تهاجم الحكومة كما فعلت سناء وعائلتها.
وجهت لها سناء سؤال "ألا تعملين لدى الحكومة؟" فردت نهاد مستنكرة، "أنا لا أعمل لدى الحكومة، أنا عضوة المجلس القومي لحقوق الإنسان وهذا ليس وظيفة".
وقالت أبو القمصان أنها حاولت التدخل للإفراج عن علاء مرتين، وفي كل مرة كانت تواجه سيلًا من الشكاوى من مئات السيدات أخبرنها أنها "تدافع عن شخص اعتدى عليهن لفظيًا ويُهين المرأة ولا يحترمها"، وقالت "إن كنتم تدافعون عن حق علاء في الحرية، فأين حق النساء المتضررات من علاء؟ لماذا تكيلون بمكيالين؟".
ورد بهجت على استفسار سلمى باحثة الدكتوراه قائلًا إن "علاء متهم بنشر أخبار كاذبة عن بوست شاركه على السوشيال ميديا، ولم يكتبه، وهي جريمة واسعة الانتشار وتوجه لكثير من أصحاب الرأي في مصر، وعندما ذهب المحامون للدفاع عن علاء امتنعت المحكمة عن السماح لهم بمطالعة أوراق القضية. وأن لجنة العفو المكلفة من الرئاسة بالعمل من أجل العفو عن سجناء رأي، من ضمنهم علاء، جميعهم محبوسين بتهم جنائية. وبالتالي فعلاء ليس سجين جنائي، ولكن مثله مثل الآخرين".
وهاجمت أبو القمصان المدافعين عن علاء "لماذا لا تدافعون عن حق النساء المعنفات من قبل علاء أيضًا؟ أين حقهن؟ لماذا تكيلون بمكيالين؟".
وهنا تدخلت إحدى الحاضرات متحدثة بصوت مرتفع "لماذا ترفضون سماع نهاد أبو القمصان، هل هذه هي حرية الرأي والتعبير التي تنادون بها؟ وقالت للصحفين وممثلي وسائل الإعلام تعالوا واستمعوا لـ أبو القمصان".
وطالبت أبو القمصان وسائل الإعلام الأجنبية بنقل واقعة "تعدي علاء لفظيًا على النساء"، وشرحت التفاصيل باللغة الإنجليزية، وقالت إنها ستتقدم بشكوى ضد الجناح الألماني، مستضيف الجلسة، لإدارة المؤتمر، لعدم السماح لها بالحديث.
حاولت المنصة استيضاح الوقائع التي تذكرها أبو القمصان، التي زعمت فيها اعتداء فيها علاء عبد الفتاح لفظيًا على نساء فقالت "هي موثقة لدي" قبل أن تقول "روحوا دوروا عليها"، ثم غادرت المؤتمر.
أمن الأمم المتحدة
حضر بعض أفراد الأمن التابع للأمم المتحدة مع احتدام الخلاف وتعالي الهتافات، ولكنه لم يتدخل لطرد أحد، فالجناج كان مفتوحًا على جناحات أخرى داخل خيمة كبيرة.
حضور الأمن كان الثاني خلال اليوم، إذ اُستدعي في جلسة أخرى ظهر أمس تحدثت فيها سناء أيضًا، ونظمتها مجموعة DCJ الناشطة في مجال العدالة المناخية. وفي هذه الجلسة طُرد النائب في البرلمان المصري عمرو درويش الذي رد على أحد رجال الأمن الذي حاول إخراجه من القاعة بعبارة "لا تلمسني فأنا رجل مصري على أرض مصرية".
وكان درويش هاجم سناء سيف وشقيقها علاء قائلًا إنهما "يستقويان بالخارج، وهو أمر غير مسموح به". وأضاف أن "علاء سجين جنائي ولا يستحق الحصول على عفو رئاسي"، قبل أن تشتبك مع حديثه الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية أنياس كالامار، ويتدخل الأمن.
وشهدت الجلسة نفسها مداخلة من عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان سعيد عبد الحافظـ، الذي انتقد نهج أسرة علاء، قائلا إن الإفراج عن السجناء يجب أن يتم وفقًا لمعايير داخلية، وليس خارجية.
وعلقت شقيقة علاء، منى سيف عبر صفحتها على فيسبوك ليل أمس على تلك الوقائع قائلة "في اليوم الثالث لقمة المناخ عرفنا الدور الحقيقي للمجلس القومي لحقوق الإنسان ما بين فقرة الأستاذ سعيد عبد الحافظ الصبح، وفقرة الأستاذة نهاد أبو القمصان من شوية".
حشد دعم.. لا قرار
وانتهى اليوم بحشد الأنظار تجاه قضية علاء، بعد مجهود لافت لشقيقته سناء، تزامن مع سعي والدتها ليلى سويف التي قضت اليوم أمام السجن الواقع في منطقة صحراوية خارج القاهرة على أمل استلام خطاب من علاء أو تقصي أي معلومات عن وضعه الصحي.
وانطلقت العديد من الدعوات والفعاليات لدعم علاء حول العالم، وذُكرت قضيته على منصات شعبية ورسمية، لكن مصيره لا زال مجهولًا، في ظل إصرار الحكومة المصرية على عدم الاعتراف بحصوله على جنسية أخرى، وعدم تمكينه من الحصول على زيارة من القنصلية البريطانية، واعتبار المطالبات الدولية بالإفراج عنه تدخل في شأن داخلي.
وعما إذا كانت هناك بوادر من الجهات الرسمية تشير إلى قرب الإفراج عن علاء خلال الأيام المقبلة، أو أي وعود تلقاها ممثلو الدول المهتمة بالقضية، من الذين التقاهم حسام بهجت على مدار اليومين الماضيين، نفى وجود أي وعد أو إشارة للإفراج عن علاء، قائلا للمنصة "سنكمل الطريق".