قالت عائلة المبرمج والناشط السياسي علاء عبد الفتاح المحبوس احتياطيًا في سجن العقرب منذ 24 شهرًا دون محاكمة، إنها خاطبت نحو تسع مؤسسات في الدولة، من أجل تحسين أوضاع ابنهم المحتجز وتمكينه من الحقوق التي يكفلها له القانون وعلى رأسها تمكينه من التواصل مع أسرته والسماح له بالتريض.
من جانبه أوضح خالد علي محامي علاء، أنه لا يملك أي أدوات يمكن له من خلالها تحسين الأوضاع السيئة التي يعيشها موكله إلا تقديم بلاغات رسمية بهذا الشأن، فيما يسعى رئيس مجموعة الحوار الدولي محمد أنور السادات إلى تحسين تلك الأوضاع والمطالبة بالإفراج عن عبد الفتاح، من خلال المجموعة التي أسسها بغرض الإفراج عن السجناء والمحبوسين احتياطيًا.
في الوقت ذاته، فإن جلَّ اهتمام أسرة الناشط هو الاطمئنان عليه، خاصة بعد الحالة النفسية السيئة التي ظهر عليها أثناء جلسة تجديد حبسه، حيث تحدث لمحاميه عن رغبته في الانتحار بسبب سوء الأوضاع في محبسه، وذلك أثناء جلسة تجديد حبسه، وأنه إنه لن يتمكن من مواصلة الحياة على هذا النحو "أنا في وضع زفت، ومش هقدر أكمل كدا مشونى من السجن دا، أنا هنتحر، وبلغوا ليلى سويف (والدته) تاخذ عزايا".
عبد الفتاح الذي قال لمحاميه إن رغبته في الحياة خفتت إثر قضائه السنوات العشر الأخيرة، إلا سنة واحدة، في السجن ألقي القبض عليه في سبتمبر/ أيلول 2019 ضمن حملة الاعتقالات الواسعة التي تزامنت مع احتجاجات محدودة وقعت في القاهرة ومحافظات أخرى، وقتما كان يقضي فترة المراقبة في قسم الدقي، بعد حبسه خمس سنوات بتهمة التحريض على التظاهر ضد الدستور الجديد، وهي القضية المعروفة باسم "أحداث مجلس الشورى"، التي ألقي القبض عليه فيها في نوفمبر/ تشرين الثاني 2013.
منذ ذلك الحين يُجدد حبسه دون إحالته للمحاكمة، ويرى المحامي الحقوقي خالد علي، في حديثه للمنصة، أنه من المتوقع إحالة علاء للمحاكمة في القترة المقبلة، بعد استدعائه لاستكمال التحقيق معه، وهو الإجراء الذي أصبح متبعًا حاليًا عند إحالة القضايا للمحكمة.
ويواجه عبد الفتاح تهم "ارتكاب جرائم الانضمام إلى جماعة أنشئت على خلاف أحكام القانون، الغرض منها الدعوة إلى تعطيل أحكام الدستور والقوانين ومنع مؤسسات الدولة والسلطات العامة من ممارسة أعمالها"، في القضية 1356 لسنة 2019، التي يتوقع محاميه أن تُحال للمحاكمة قريبًا.
بلاغات بلا رد
ويأمل خالد علي الاستفادة من الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، التي أطلقتها رئاسة الجمهورية قبل أيام، لإنهاء معاناة علاء وغيره من السجناء في الحبس الاحتياطي، غير أن شقيقة علاء، منى سيف، لا تعوّل على تلك الاستراتيجية التي ترى أنها "سطور على الورق"، وخير دليل منع الخطابات عن شقيقها في اليوم التالي لإطلاقها، وغيرها من الأخبار التي تدل على أن النهج الحالي لن يتغير، ومنها إحالة باتريك جورج للمحاكمة بعد ما يقرب من عامين في الحبس الاحتياطي، فالأحوال تتجه للأسواء من وجه نظرها.
ينتظر خالد علي الرد على بلاغه الأحدث بخصوص عبد الفتاح، الذي تقدم به أمس لرئيس مصلحة السجون فيما ذكره موكله من انتهاكات يتعرض لها، وطلب بنقله من سجن شديد الحراسة 2، وبناءً على الرد سيحدِّد علي الخطوة القانونية المقبلة.
هذا البلاغ ليس الأول، إذ سبقته عدة بلاغات إلى النائب العام ووزير الداخلية لم يتم البت فيها حتى الآن، ولا يملك المحامون أو الأسرة سوى هذه الوسيلة والمطالبة بالتحقيق فيها، على أمل الاستجابة وتطبيق القانون، بحسب علي.
مسار آخر لتحسين وضع علاء في السجن والمطالبة بإخلاء سبيله، يخوضه رئيس حزب الإصلاح والتنمية، محمد أنور السادات، ومنسق مجموعة الحوار الدولي، الذي يقول للمنصة إن عبد الفتاح بالفعل من بين الأسماء المدرجة بالقوائم التي يتقدم بها للجهات المعنية لإخلاء سبيله، ولكن لم يُحدَّد موقفه بعد، ولم يصله رد واضح بشأنه، كما أنه أجرى اتصالات منذ علمه بشكوى علاء وما يواجهه داخل محبسه، كمحاولات لتحسين تلك الأوضاع، بجانب المطلب الأساسي وهو إنهاء حبسه وإخلاء سبيله، وهو الأمر الذي لا يستطيع السادات توقع ما إذا كان سيُلبى أم لا.
لم تتواصل منى أو والدتها بشكل شخصي مع السادات "حاليًا مش بنفكر في أي حاجة غير إننا نطمئن على حياة علاء، فيه ناس بعتت للسادات، كنوع من الوساطة لإنهاء الأزمة دي لكن منعرفش قال إيه أو ممكن يحصل إيه، كل اللي يهمنا نطمئن عليه، ولما ده يحصل ممكن نبقى نشوف أي حاجة تانية، وسبنا الشق القانوني للمحامين هما اللي يمشوا فيه"، تقول منى سيف للمنصة.
المسار القانوني
المسار القانوني أمر اتخذته الأسرة على شكل بلاغات عدة، كما أوضحت منى "قدمنا طلبات لإدارة السجن ومصلحة السجون والنيابة، وتفتيش الداخلية، وقطاع حقوق الإنسان بالداخلية، والنائب العام، والمجلس القومي لحقوق الإنسان، وإدارة حقوق الإنسان التابعة لمكتب النائب العام، والمجلس الأعلى للقضاء، وسعينا أكتر من مرة لمقابلة مستشارين في مكتب النائب العام بالرحاب، وسمعنا عن مؤتمر إقليمي بينعقد في فندق سميراميس ومشارك فيه مستشارين من النيابة العامة، ورحنا على أمل نقابل مدير إدارة حقوق الإنسان في مكتب النائب العام ونسلمه الشكوى بإيدينا، وفعلا قابلناه وقدمنا شكاوى مباشرة مرتين على الأقل، ورفعنا قضايا في مجلس الدولة".
ومن بين تلك البلاغات ما تقدمت به أسرته للنيابة العامة، تطالب بالتحقيق فيما أثبته عبد الفتاح أمام القاضي أثناء جلسة تجديد حبسه، من سماعه أصوات تعذيب بالكهرباء في الزنازين المجاورة ما يُشعره بالتهديد.
لكن تلك البلاغات والشكاوى لم يتم النظر بها أو التحقيق فيها، وكانت سيف صورت مقطع فيديو في مارس/ آذار الماضي، تطلب فيه التحقيق في تلك البلاغات، خاصة ما يتعلق بالتعذيب داخل السجن، وهو ما دفع وزارة الداخلية لإصدار بيان قالت فيها إنه لا صحة "لوجود تعذيب داخل السجون باستخدام الكهرباء"، وأضافت أنه "جارٍ اتخاذ الإجراءات القانونية حيال تلك الادعاءات".
"هجمد وهتماسك"
وتسلمت أسرة عبد الفتاح خطابًا منه أمس، أثلج صدرها قليلًا، إذ عبّر فيه علاء عن رغبته في مواصلة الحياة من أجل عائلته، ويقول نص الخطاب:
"الفترة اللي فاتت كانت صعبة قوي وإحساس إن عمري كله هقضيه هنا مسيطر عليا أو على الأقل عمر اللي حابسني بدون داع ولا سبب. ومش عارف أتخيل دوري تجاه خالد [نجله] هيبقى إيه لو فضلت أشوفه ثلث ساعة كل كام شهر لحد ما يبقى مراهق وخيالي مقفول تمامًا بالنسبة لأي شكل حياة بعد اللي انا فيه بس الأصعب هو استمرار الوضع ده، مقفول عليا 24 ساعة مبعملش أي حاجة، مفيش ولا نشاط ذهني غير ماتش شطرنج واحد في اليوم، ويوم ويوم بطبخ. بس أنا برضه قوي وهستحمل عشان خاطرك إنت ومش مثبتني غير عهد على نفسي إن أنا اللي هدفنك وأتلقى فيكي العزاء مش العكس، ده دلوقتي التزامي الوحيد في الحياة. أنا بس مضغوط جدًا الفترة اللي فاتت ومعزول بزيادة وامبارح كان يوم مرهق أخدوني حطوني انفرادي في الحبسخانة ورجعوني تاني من غير ما أتعرض وبعد ساعتين خدوني تاني والقاضي قال إيه شايف إنه عمل جِميلة فأنا انفجرت في وش الجميع لكن هجمد وهتماسك متخافيش عليا".
وكانت منى سيف توجهت أمس بصحبة والدتها الدكتورة ليلى سويف لسجن العقرب شديد الحراسة 2، لتسليم خطاب موجه لمأمور السجن، لشرح ما يعانيه عبد الفتاح من "ظروف حبس غير آدمية" بحسب وصفها، دفعته للتفكير في الانتحار، وخطاب آخر لشقيقها لطمأنته على أسرته، ووعدته فيه بالاستمرار في الحديث عنه وعن حقوقه، حتى تتحسن ظروف حبسه على الأقل، ويمكنه بالتريض والقراءة، وفقًا لحقوقه التي يكفلها القانون. هكذا أوضحت منى.
معركة الخطابات
إلى جانب المعركة القانونية، هناك ما يمكن أن يطلق عليه "معركة الخطابات" كما وصفتها منى سيف، لم تبدأ منذ تلك اللحظة، ولكنها بدأت في يونيو/ حزيران من العام الماضي، عندما طلبت الأسرة استلام خطاب من عبد الفتاح، ولم تستجب إدارة السجن لهذا الطلب، فاعتصمت الأم مع ابنتيها منى وسناء أمام السجن، فألقي القبض على سناء الشقيقة الصغرى لعلاء، وحُكم عليها بالسجن سنة ونصف، بتهم نشر أخبار كاذبة على وسائل التواصل الاجتماعي وإهانة أحد ضباط سجن طره الذي يقبع فيه شقيقها.
بعد حبس سناء عادت الخطابات إلى الانتظام للأسرة، ففي كل أسبوع كانت تتوجه خلاله منى أو والدتها للسجن لإيداع الطعام ومستلزمات الزيارة كانت تنجح في إدخال خطاب واستلام آخر من شقيقها، لتصبح تلك الخطابات حلقة الوصل بين الطرفين "علاء في ظروف سجن بشعة، مفيش تريض مفيش كتب مفيش جرايد مفيش راديو، فالجوابات هنا مش رفاهية، هي شيء أساسي للاطمئنان عليه، وإنه بخير، ولما بيحصل وبتقطع هنا بيكون دليل إنه في خطر أو بيتعرض لسوء، وده اللي دفعنا نعتصم قبل كده علشان نطالب بجواب، خاصة إنه حق قانوني لكنه لا ينفذ مع باقي الحقوق المهدرة لعلاء داخل السجن".
في الزيارات القصيرة التي تحدث مرة شهريًا بعد وباء كورونا، ومن خلف حاجز وخلال سماعة تليفون، كان يخبر علاء أسرته بتعرضه للتعذيب، بداية من حبسه بالسجن، إذ "تم عصب عينيه من لحظة وصوله لبوابة السجن لحد ما دخل الزنزانة واتقلع كل هدومه ما عدا الداخلي وفضل متغمي، واتعمله 'تشريفة' يمشي في ممر وهو بيتضرب على ظهره ورقبته مصحوب بالشتايم والتهديدات، والتعدي بالضرب والشتيمة استمر حوالي ربع ساعة، توقف لدقائق لظهور طبيب السجن اللي سأله إذا كان يعاني من أي أمراض، وعلاء وضح إن جسمه عنده قابلية تكوين حصوات وإنه محتاج مياه نظيفة، وبعدها استكملوا الضرب والإهانة، وأثناء ضربه قال له ضابط شرطة إنه بيكره الثورة، وإن السجن ده معمول لتأديب أمثاله وإنه مش هيخرج من هنا، وإدارة السجن هددوا علاء قبل نقله اليوم للنيابة بعدم الكلام عن الظروف في السجن"، كما قالت منى.
لم تتمالك منى دموعها وهي تتحدث "بيقولنا إنه هياخد باله من نفسه ومش هيقلقنا عليه تاني، كده ممكن نطمن شوية ونبدأ نشوف المسار القانوني اللي هيمشي فيه المحامين للتحقيق في كل الانتهاكات اللي بيواجهها علاء، لكن ده مش معناه إن الخطر زال، لأن هو ممكن يفكر في ده تاني في ظل استمرار الظروف دي، اللي هي مش آدمية بالمرة، وفعلًا ظروف تدفع للانتحار والتفكير فيه".