قالت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية أنييس كالامار، في مقابلة أجرتها مع المنصة على هامش مشاركتها في قمة المناخ COP27 المنعقدة في شرم الشيخ، إن المجلس القومي لحقوق الإنسان يلعب دورًا في "التستر على جرائم السلطات المصرية" التي تحاول "تجميل وجهها" بإطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، بينما تتسم مواقفها من التمويل الدولي بالازدواجية باتهامها منظمات المجتمع المدني القائم على الدعم بأنهم "خونة وعملاء".
وخلال فعاليات المؤتمر التقت كالامار مع السفيرة مشيرة خطاب، رئيسة المجلس القومي لحقوق الإنسان، في اجتماع أوضحت الأمينة العامة للعفو الدولية أنها طرحت خلاله قضية علاء عبد الفتاح وباقي السجناء الذين وصفتهم بـ "المحتجزين تعسفيًا"، كما ناقشت القضية 173 (المعروفة إعلاميًا بقضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني)، وقمع المجتمع المدني، والتمييز ضد الأقليات الدينية، من بين أمور أخرى.
وواجه الحقوقيون الواردة أسمائهم في ملف القضية 173، التي تعود إلى العام 2012، اتهامات منها "تلقي أموال من الخارج بقصد الإضرار بالمصالح القومية، وتأسيس وإدارة فروع لمنظمات دولية بغير ترخيص، وتسلم وقبول أموال ومنافع من هيئات خارج مصر لتأسيس فروع لمنظمات دولية".
وقضت محكمة جنايات القاهرة في ديسمبر/ كانون الأول 2018 ببراءة 43 متهمًا في إعادة محاكمتهم في القضية، وكان هذا الحكم بمثابة كلمة النهاية في "نصف" القضية رقم 173. وفي ديسمبر 2020، قرر قاضي التحقيق المنتدب في القضية قرارًا بعدم إقامة الدعوى الجنائية ضد عشرين منظمة وجمعية أهلية من الذين شملتهم التحقيقات.
وصفت كالامار وجودها الآن في مصر بأنه "استثنائي بسبب COP27"، غير أن "موظفينا الذين يغطون أحداث مصر لم يتمكنوا من الحضور خوفًا على أمنهم".
وإلى جانب المنظمات المصرية التي تعاني تضييقًا أمنيًا، أشارت كالامار كذلك إلى التضييق الذي تواجهه منظمة العفو الدولية في مصر. ففضلًا عن حجب موقعها على الإنترنت، والذي رُفع مؤقتًا منذ نحو أسبوع بعد شكاوى المشاركين في قمة المناخ من عدم تمكنهم من تصفح عدة مواقع لمنظمات حقوقية دولية، قالت الأمينة العامة إن موظفي "العفو الدولية" لم يتمكنوا من دخول مصر منذ عام 2014، أو إجراء أبحاث أو اجتماعات، "بسبب قمع المجتمع المدني والاعتقالات التعسفية".
ووصفت وجودها الآن في مصر بأنه "استثنائي بسبب COP27"، غير أن "موظفينا الذين يغطون أحداث مصر لم يتمكنوا من الحضور خوفًا على أمنهم".
وتابعت "سنستمر في طلب المشاركة مع السلطات المصرية بعد نهاية COP27، وستكون السلطات المصرية قادرة على إظهار انفتاحها على المشاركة الهادفة مع منظمات حقوق الإنسان. سنراقب أيضًا وضع جميع منظمات حقوق الإنسان والمدافعين بعد انتهاء COP27، لضمان سلامتهم".
"التستر" على أزمات حقوق الإنسان
كذلك، طرحت كالامار مع السفيرة مشيرة خطاب زيارة المجلس القومي لحقوق الإنسان للسجون، وما يستطيعون أو لا يستطيعون القيام به، وكذلك "سلوك أعضاء المجلس القومي لحقوق الإنسان المزعومين في COP27"، بما في ذلك الأحداث التي وقعت مع سناء سيف.
وكانت عضوة المجلس القومي لحقوق الإنسان، نهاد أبو القمصان، انتقدت حملة الدفاع عن علاء عبد الفتاح، أثناء جلسة نظمتها منظمة العفو الدولية على هامش COP27، في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، وزعمت إن زوجها الحقوقي الراحل حافظ أبو سعدة حُكم عليه بالسجن 10 سنوات ولكنها لم تهاجم الحكومة كما فعلت سناء وعائلتها.
وأوضحت كالامار أنها طرحت، أثناء لقائها خطَّاب، مسألة القبض على 151 مواطنًا (يقدر حقوقيون الرقم الآن بالمئات) واستجوابهم من قبل نيابة أمن الدولة العليا، فيما يتعلق بالدعوات للتظاهر يوم الجمعة الماضية 11 نوفمبر.
وقالت الأمينة العامة لمنظمة العفو "بينما نرحب بمشاركة المجلس القومي لحقوق الإنسان وجهودهم في الدعوة للإفراج عن بعض السجناء، فإننا نشعر بالقلق من دور المجلس في إخفاء حجم وخطورة الجرائم التي ارتكبتها السلطات المصرية".
وكانت خطّاب شاركت بمداخلة تليفونية مع الإعلامي نشأت الديهي في برنامج "بالورقة القلم"، تحدثت فيها عن لقائها بكالامار، وصرحت فيها أنها أخبرت كالامار أن استقرار وأمن البلد جزء من حقوق الإنسان، وذلك في معرض حديثهما عن المقبوض عليهم في الدعوة لاحتجاجات 11 نوفمبر.
وخلال المداخلة ذاتها أعربت خطَّاب عن رأيها بأن الإفراج عن علاء عبد الفتاح منفردًا يمثل "خرقًا لإجراءات العدالة، إذ لا بد من احترام المسار القانوني، خاصة أن أي استثناء يمثل خرقًا لحقوق سجناء آخرين يتطلعون لنفس المعاملة".
وعقبت كالامار على حديث السفيرة مشيرة خطَّاب بقولها "نشعر بالقلق مما حدث من خطّاب خلال المداخلة التليفزيونية، فبدلًا من عرض مخاوفنا بشأن أزمة حقوق الإنسان في البلاد، أعادت صياغة الاجتماع باعتباره احتفاءً بالتدابير الأخيرة التي اتخذتها السلطات المصرية فيما يتعلق بحقوق الإنسان. بهذه الطريقة يُساهم المجلس القومي لحقوق الإنسان بشكل فعّال في إخفاء حجم أزمة حقوق الإنسان في البلاد".
وعبَّرت كالامار عن خيبة أملها لسماع ذلك بدلًا من الدعوة إلى إطلاق سراح جميع المقبوض عليهم تعسفيًا، وكذلك رد مشيرة خطَّاب بأن "إطلاق سراح علاء عبد الفتاح سيكون غير عادل للآخرين".
وأشارت خطّاب في المداخلة إلى طلبات المجلس القومي لحقوق الإنسان السابقة للجنة العفو الرئاسي بأن تشمل قوائم العفو علاء عبد الفتاح، وأن وزارة الداخلية استجابت قبل ذلك لطلب المجلس بنقل عبد الفتاح لمجمع سجون وادي النطرون، وهو بنفسه (عبد الفتاح) قال إنه بصحة جيدة وأجري الكشف الطبي عليه وإن "الخدمة ممتازة". وأردفت أن كالامار "اقتعنت" بحديثها.
ووصفت خطّاب مقابلتها مع الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية بأنها كانت "رصينة وجيدة جدًا"، وأن الأخيرة أشادت بالتقدم اللي أحرزته مصر في مجال حقوق الإنسان، وتأسيس لجنة العفو الرئاسي وإلغاء حالة الطوارئ، وإنهم (العفو الدولية) "سعداء إنهم بيشوفوا الإفراجات"، وطالبت في الوقت نفسه بزيادة أعداد المُفرج عنهم.
كذلك، شددت رئيسة المجلس القومي لحقوق الإنسان "مش عايزين نزعل ونحس إن حد بيستقصدنا. مصر دولة مهمة والعين عليها. إحنا عارفين إن منظمة العفو الدولية من الجهات المهتمة بحقوق الإنسان اللي دايمًا بتطلع تقارير، وشغلتها إنها تنتقد وهي بتنتقد الجميع، علشان كده ميبقاش عندنا حساسية".
مداخلة السفيرة مشيرة خطّاب مع نشأت الديهي في برنامج بالورقة والقلم
و ردًا على سؤال حول كيف يكون دور المجلس القومي لحقوق الإنسان فعالًا، قالت كالامار إن "عليه النأي بنفسه عن التحيُّز، وأن يكون مستقلًا دائمًا، وأن يتصدى لأزمة حقوق الإنسان في البلاد، بما في ذلك الدعوة إلى الإفراج عن أي شخص محتجز تعسفيًا، واحترام حرية التعبير والتجمُّع وتكوين الجمعيات، والقيام بزيارات مستقلة للسجون، والدعوة إلى التصدي لانتهاكات السلطات المصرية والأجهزة الأمنية لحقوق الإنسان".
وعلى المجلس أيضًا، وفق كالامار، التأكيد على "المساءلة عن الجرائم السابقة"، وقبل كل شيء الامتناع عن التشهير بالمدافعين عن حقوق الإنسان أو أفراد الأسرة الذين يسعون لإنقاذ أحبائهم من الاحتجاز إلى أجل غير مسمى، بحسب كالامار.
قلق من الحجب
وعن حجب المواقع الصحفية قالت كالامار في حديثها للمنصة، "طالبنا مرارًا وتكرارًا برفع الرقابة والحظر عن الصحف والمواقع الإخبارية في جميع اتصالاتنا ومقابلاتنا العامة"، لافتة إلى أن الرقابة على أكثر من 600 موقع، بما في ذلك وسائل الإعلام المستقلة مثل المنصة، تشكّل "مصدر قلق كبير" لها.
وأضافت أن منظمة العفو الدولية تؤيد موقف جماعات حقوق الإنسان المصرية بأن رفع الرقابة عن المواقع الإلكترونية، هو أحد "الخطوات السبع" الأساسية لإظهار تحسن ملموس في حالة حقوق الإنسان في مصر.
وكانت خمس منظمات حقوقية مصرية أعلنت في مايو/ أيار 2021، عن قائمة تتضمن سبع خطوات لوقف ما وصفته، في بيان مشترك، بـ "التدهور غير المسبوق" الذي تشهده مصر في أوضاع حقوق الإنسان.
وتضمنت المطالب التي أعلنت عنها هذه المنظمات الإفراج عن السجناء السياسيين المحبوسين احتياطيًا أو المحكوم عليهم من جميع التيارات السياسية، وإنهاء الحبس الاحتياطي المطول ومفتوح المدة، ووقف تدوير السجناء السياسيين كمتهمين في عدة قضايا لإبقائهم في السجون، ورفع حالة الطوارئ.
"صورة مضللة"
وعن الاستراتيجية المصرية لحقوق الإنسان قالت كالامار إن "العفو الدولية" أصدرت في سبتمبر/ أيلول هذا العام، تقريرًا عنها، ذكَر أن الاستراتيجية الخمسية صاغتها الحكومة دون أي تشاور مع منظمات حقوق الإنسان المستقلة أو حوار مجتمعي، و"قدمت صورة مضللة للغاية لأزمة حقوق الإنسان في مصر".
وترى كالامار أن الاستراتيجية "تعفي السلطات من أي مسؤولية، وتلقي باللوم على التهديدات الأمنية والتحديات الاقتصادية والمواطنين المصريين أنفسهم، بزعم عدم فهمهم، وتتجاهل استحداث السلطات لقوانين قمعية تجرِّم أو تقيِّد بشدَّة الحق في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع السلمي".
كذلك "تبالغ الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان في الإنجازات المعلنة من جانب الحكومة، في مجال الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، والتي تتناقض بشكل حاد ليس فقط مع فشل السلطات في إعمال هذه الحقوق بشكل تدريجي، ولكن أيضًا مع هجماتها المستمرة على أولئك الذين يعبرون عن مظالمهم الاجتماعية والاقتصادية، بما في ذلك العمال والعاملين في المهن الطبية، وسكان المناطق العشوائية"، بحسب كالامار.
ترى كالامار أن السلطات المصرية تبدي "عداءً كبيرًا لجميع وسائل الإعلام المستقلة ونشطاء حقوق الإنسان
وترى الأمينة العامة لـ"العفو الدولية" أن المجتمع الدولي "يجب ألا ينخدع بالاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، فهي محاولة فاضحة من السلطات المصرية لإخفاء سجلها السيئ في مجال حقوق الإنسان، وتجنب انتقاده".
وتابعت "في الأشهر الأخيرة، وفي خطوة إيجابية ولكنها محدودة للغاية، جرى الإفراج عن العشرات من سجناء الرأي وغيرهم ممن احتُجزوا لأسباب سياسية، ومع ذلك تواصل السلطات الاعتقال التعسفي لعشرات النُقاد والمعارضين الآخرين، بينما يُمنع العديد من المفرج عنهم من السفر".
وأشارت كالامار إلى أن "السلطات فرضت رقابة على مئات المواقع الإلكترونية، وداهمت وسائل الإعلام المستقلة وأغلقتها، واحتجزت عشرات الصحفيين بسبب تعبيرهم عن آراء انتقادية أو لمجرد قيامهم بعملهم".
عن القضايا المصرية الأخرى التي تهتم بها منظمة العفو الدولية، قالت كالامار "نركز على مجموعة واسعة من انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، إذ نشعر بقلق بالغ إزاء القبض الجماعي التعسفي، والتعذيب وغيره من أساليب سوء المعاملة؛ ظروف الاحتجاز السيئة، والاختفاء القسري، وقمع المجتمع المدني وحجب وسائل الإعلام المستقلة، بما في ذلك القيود المفروضة على حرية التجمع وتكوين الجمعيات والتعبير".
وأضافت أن منظمتها تدعو لاتخاذ خطوات لمعالجة التمييز ضد النساء في القانون والممارسات ضدهن، والعنف الجنسي والجنساني، والتمييز ضد الأقليات الدينية، وانتهاكات الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، وكذلك الإصلاح التشريعي في هذه المجالات وغيرها.
وترى كالامار أن السلطات المصرية تبدي "عداءً كبيرًا لجميع وسائل الإعلام المستقلة ونشطاء حقوق الإنسان، إذ ألقت القبض على عدد من العاملين بالمنظمات المصرية بشكل تعسفي، وغالبًا ما يتم احتجازهم في ظروف سجن بالغة الصعوبة وغير قانونية، ويحرمون من الاتصال بمحاميهم، أو التواصل مع عائلاتهم، أو الحصول على العلاج الطبي وغيره من الضروريات الأساسية. كما فرضت السلطات حظر سفر وجمدت أصولًا مملوكة لعدد آخر من العاملين بهذه المنظمات".
وأشارت إلى أن الحكومة تعتبر أن هناك تكلفة باهظة "للقبض على العاملين أو إغلاق منظمات حقوق الإنسان الدولية، أو المنظمات المصرية المعروفة خارج مصر، فلجأت إلى المضايقات وأساليب التخويف والتشهير، مثل وصفهم بأنهم مدعومون من الخارج، وما إلى ذلك".
وترى أن هذا "تكتيك شائع" عبر الأنظمة القمعية يتنافى تمامًا مع سعيها للحصول على المصادقة والتمويل الدوليين، "بينما تدعي أن منظمات المجتمع المدني التي تسعى للحصول على التمويل أو المنظمات الدولية خائنة".