
نمو الصادرات المصرية إلى أمريكا.. دجاجة ترامب قد تبيض ذهبًا
تكشف بيانات الربع الأول بعد اندلاع الحرب التجارية الأمريكية ارتفاعًا واضحًا في الصادرات المصرية إلى الولايات المتحدة، وهو ما يتوافق مع ملاحظة مصدِّرين مصريين تناميًّا في اعتماد السوق الأمريكية على المنتجات المصرية بديلًا لمنتجات الدول التي طالتها الرسوم الجمركية المرتفعة.
مع ذلك يظل معدل الزيادة محدودًا، وتبقى حصة مصر هامشية من إجمالي السوق الأمريكية هامشية، لذا يرى مستثمرون حاجة ملحة لمزيد من الحوافز للمصدرين في سبيل استغلال فرصة الحرب التجارية وتنمية التجارة مع الولايات المتحدة.
متواضعة لكن لافتة
تشير بيانات أول ثلاثة أشهر بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن الرسوم الحمائية على شركاء بلاده التجاريين إلى زيادة في معدل نمو الصادرات المصرية مقارنةً بالشهور نفسها من العام السابق، خصوصًا خلال يونيو/حزيران ويوليو/تموز الماضيين.
https://public.flourish.studio/visualisation/25471309/تشير مؤسسة BMI، التابعة لمؤسسة Fitch Solutions، في تقريرها الصادر عن مصر في أغسطس/آب الماضي إلى ما يظهره تحليلُ بيانات التجارة الأمريكية من ارتفاع الصادرات المصرية للولايات المتحدة 15% على أساس سنوي خلال النصف الأول 2025 مع نمو ملحوظ في شحنات الغذاء والملابس.
تتوقع المؤسسة في التقرير الذي اطلعت المنصة عليه مزيدًا من الاستفادة من انخفاض التعريفات المفروضة على مصر مقارنةً بشركاء أمريكا التجاريين، خصوصًا وأن التعويمات الأخيرة للجنيه تعزز من قدراتنا على التصدير.
كان الرئيس الأمريكي أعلن في أبريل/نيسان الماضي فرض رسوم على كل شركاء بلاده التجاريين بحد أدنى 10%، وتتصاعد لمستويات أعلى في حالة بعض الدول، وكانت مصر ضمن المجموعة المحظوظة بالوقوع في نطاق الحد الأدنى.
تأتي الملابس على رأس المستفيدين، فالقطاع الذي شهد تطورًا ونموًا خلال السنوات الأخيرة، جاءت التعريفات الجمركية التي أقرتها الإدارة الأمريكية لتُسرع من فرص نموه، وفق ما يؤكد محمد قاسم، رئيس جمعية المصدرين "إكسبو لينك" والمستثمر في مجال صناعة الملابس لعقود طويلة لـ المنصة.
وتعرضت صادرات بعض كبار الدول الموردة الملابس الجاهزة إلى السوق الأمريكية لانخفاضات قوية خلال الأشهر الماضية بعد أن ساهمت الرسوم في زيادة التكاليف الإجمالية لصادراتها، مثل بنجلاديش التي كانت تدفع 19% قبل "يوم التحرير" وارتفعت رسومها إلى 29%.
الضغوط المتزايدة على هذه الدول مع بدء تطبيق الرسوم الانتقامية المتصاعدة منذ أغسطس الماضي، قابلها تمتعُ مصر بميزة انخفاض الرسوم المفروضة عليها قبل "يوم التحرير"، هذا إلى جانب إعفاء منتجاتها المصدرة عبر مناطق "الكويز" بالكامل، خاصة وأن أكبر وجهة لصادرات الملابس المصرية هي الولايات المتحدة.
ويتوقع رئيس المجلس التصديري للمنسوجات هاني سلام لـ المنصة أن يحقق قطاع الملابس والمنسوجات نموًا يفوق الـ15% التي حققها بالفعل بفضل التعريفات، ليكون مرشحًا لتخطي هذه النسبة العام المقبل.
الأغذية تشعر بانتعاشة
حقق قطاع الصناعات الغذائية استفادةً ملموسةً هو الآخر من الرسوم، ويؤكد فرج عامر رئيس مجلس إدارة مجموعة فرج الله المتخصصة في الصناعات الغذائية على أن التعريفات الجمركية شكلت عاملًا مهمًا في النمو الذي شهدته صادرات القطاع للسوق الأمريكية هذا العام، نظرًا لجودة المنتجات مع ارتفاع نسبة التعريفات على دول أخرى مما جعل الصادرات المصرية بديلًا مهمًا للمستهلك الأمريكي في ظل الوضع الراهن.
يشير عامر الذي تتوجه نحو 40% من صادراته نحو السوق الأمريكية إلى أن الطلب زاد على منتجاته منذ بدء أزمة التعريفات.
ويكشف تميم الضوي نائب المدير التنفيذي للمجلس التصديري للصناعات الغذائية أن العام بدأ بأداء قوي للصادرات الغذائية في يناير، ثم تحدث تراجع طفيف في فبراير ومارس، قبل أن يعاود الارتفاع بشكل ملحوظ في أبريل ومايو، ويواصل التحسن في يوليو وأغسطس.
"هذا الأداء التراكمي دفع إجمالي صادرات القطاع إلى أعلى مستوى تاريخي خلال هذه الفترة بنمو بلغ 9% مقارنة بالعام السابق" يقول نائب المدير التنفيذي لـ المنصة.
لا يُعزى هذا النمو للعلاقة مع السوق الأمريكية وحسب، فالولايات المتحدة تمثل نصيبًا محدودًا من صادرات القطاع، لا يتجاوز حدود الـ7%، كما يؤكد الضوي لافتًا إلى عوامل أخرى تساهم في زيادة هذه الصادرات مثل تحسُّن تنافسية القطاع مع انخفاض تكاليف تشغيله.
https://public.flourish.studio/visualisation/25482425/مع تراجع الاعتماد على الصين التي كانت تهيمن بدرجة كبيرة على السوق الغذائية في الولايات المتحدة والبحث عن أسواق بديلة مثل السوق المصرية، يتوقع نائب المدير التنفيذي للمجلس التصديري زيادات مطردة في نمو صادرات القطاع خلال الفترة المقبلة "الصادرات إلى الولايات المتحدة حققت نموًا لافتًا أعلى من نمو إجمالي القطاع، بلغ 38%".
على المدى الطويل.. فرص وتحديات
يرى رئيس إكسبو لينك محمد قاسم أن الحرب التجارية جاءت في أعقاب تحولات في التجارة الدولية تصب في صالح الاعتماد بشكل أكبر على صادرات أسواق منها السوق المصرية، ما يبشر بنمو أكبر للصادرات في المدى الطويل.
يوضح قاسم أنه قبل وباء كورونا كان السائدُ ميلَ الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة والدول الأوروبية لنقل جزء من صناعاتها إلى بلدان أقل تكلفة مثل الصين وفيتنام، ما عزز من الفرص التصديرية لها في السوق الأمريكية، لكنَّ هذا الوضع تغيَّر بعد الوباء إذ بات الميل لنقل الصناعة لأماكن أقرب جغرافيًا مثل مصر تحسبًا لأي صدمة جديدة تتسبب في تعطل سلاسل الإمداد.
وتعكس البيانات السنوية للصادرات المصرية للسوق الأمريكية انخفاضًا قويًّا لهذه الصادرات في عام الوباء 2020، وتعافيها في العام التالي، ثم انخفاضها مجددًا في الأعوام التالية التي شهدت أزمة الدولار في مصر وما تسببت فيه من إعاقة توفير مدخلات الإنتاج للمصدرين.
https://public.flourish.studio/visualisation/25471425/ويضع رئيس إكسبو لينك رهاناته في خانة صعود الصادرات المصرية خلال السنوات التالية، فهي أقرب جغرافيًا للولايات المتحدة والتعريفات المفروضة عليها أقل من منافسيها الآسيويين.
لكن هذه التوقعات المتفائلة تبقى رهن تقديم حوافز أكبر للاستثمار ما ينعكس استفادةً من الفرص الحالية المواتية "السوق المصرية لا تزال تعاني من بعض التحديات التي تحول دون استقطاب المستثمر الأجنبي للقطاع، بالتالي استغلال فرصة التعريفات الجمركية" يؤكد هاني سلام.
https://public.flourish.studio/visualisation/25483352/على الرغم من أهمية السوق الأمريكية لمصدري المنسوجات والملابس في مصر، وتمتعها بإعفاءات الكويز منذ عام 2004، فإن نصيب القطاع يدور حول نسبة 1% من السوق الأمريكية.
ويشدد سلام على أن مصر كانت مرشحةً لاحتلال موقع تركيا التي تحوز ضعف حصتها في السوق الأمريكية، لولا معوقات الاستثمار المحلية، داعيًا "لتوفير عمالة أكثر مهارة في مصر، وتقليص عدد الجهات الحكومية المطلوب من المستثمر التعامل معها، وتسعير الكهرباء والغاز بشكل مميز للصناعة".
ويشير تميم الضوي إلى فرصة حقيقية لمصر تتمثل في جذب شركات أجنبية لها وجود داخل السوق الأمريكية لتصنع منتجاتها لديها.
يؤكد رئيس المجلس التصديري للصناعات الغذائية على أهمية وضع هذا الهدف ضمن أولويات السياسات في مصر في الوقت الراهن "هذا سيضمن نموًا كبيرًا في صادرات القطاع للسوق الأمريكية، بل وستعتمد هذه الشركات على مصر محطةً للتصدير لوجهات أخرى في إفريقيا وأوروبا".
تفتح الحرب التجارية الأمريكية نافذة على فرصة نادرة لمصر من أجل تعزيز وجودها في السوق الأمريكية، لكن ترجمة هذا الزخم إلى مكاسب دائمة تتطلب سياسات أكثر جرأة في دعم المصدرين وتحسين بيئة الاستثمار، كي لا تكون الطفرة الحالية مجرد استثناء عابر في سجل الصادرات المصرية.