- مايو 2024: انخفاض حركة الشحن عبر البحر الأحمر، الذي يمر من خلاله ما بين 10 إلى 15% من التجارة العالمية، بنسبة 90% منذ فبراير/شباط الماضي تبعًا لتقرير استخباراتي أمريكي.
- مايو 2024: انخفاض الحصيلة المُجَّمعة لعائدات قناة السويس بحلول مايو/أيار 2024 بنحو 63.4%.
- مارس 2024: الولايات المتحدة تضع خططًا لتفجير مصنع أشباه الموصلات والرقائق الإلكترونية، الأكبر في العالم في تايوان، حال نجاح الصين في غزو الجزيرة.
- يوليو 2024: تصاعد التوترات العسكرية في بحر الصين الجنوبي مع ازدياد النشاط البحري والجوي، وفيتنام والفلبين يرفعان التأهب العسكري بالتعاون مع الولايات المتحدة، وهو البحر الذي يمر عبره 60% من التجارة العالمية.
كان هذا بعضًا من عناوين الأخبار في الأشهر القليلة الماضية، تذكرنا بمقولة محمد هنيدي الشهيرة في الفيلم الكلاسيكي "جاءنا البيان التالي"، وهو ينقل تقريره من ساحة معركة قائلًا "من أهدأ مكان في العالم.. نادر سيف الدين".
رغم حدة الأزمات العالمية الراهنة، تبدو استراتيجيات الحكومة وخططها الاقتصادية وكأنها تتجاهل الواقع، ومن السهل التنبؤ في هذا السياق بعدم قابليتها للتطبيق.
لم ندرك بعد عالمنا الراهن
يسجِّل هذا المقال ملاحظتين ويثير سؤالًا حول استراتيجية النمو في مصر بالنظر لما يجري في العالم.
الملاحظة الأولى هي أن العالم يشهد عدم استقرار سياسي واقتصادي وعسكري غير مسبوق منذ نهاية الحرب الباردة في 1991، أضَّرت اضطراباته المتتالية كثيرًا بالاقتصاد العالمي، وقلصَّت بشكل ملموس من مظاهر العولمة الاقتصادية، سواء فيما يتعلق بحركة التجارة العالمية أو الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
فتبعًا لبيانات البنك الدولي، لم تتعافَ أبدًا حركة الصادرات العالمية منذ الأزمة المالية في 2008، حيث انخفضت نسبة صادرات السلع والخدمات من الناتج المحلي الإجمالي من 31% عام 2022، ونفس مستواها وقت الأزمة تقريبًا، 31%، لتنخفض مرة أخرى على وقع الحرب في أوكرانيا والتوتر مع الصين في مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي.
وعلى الشاكلة ذاتها، تراجع معدل نمو الصادرات من السلع والخدمات على الصعيد العالمي من متوسط 6.8% سنويًا بين 1995 و2007 إلى أقل من النصف، عند 2.8%، في الفترة بين 2008 و2023.
وطبقًا للبيانات نفسها، فإن صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر كنسبة من الناتج، هوى من 5.3% في 2007 قبيل الأزمة المالية إلى 2.7% في 2017، لينخفض بشكل مستمر بعدها إلى ما دون 2% حتى سجَّل 1.7% فحسب في 2022. ويكفي أن نعرف أن متوسط نسبة صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر على مستوى العالم في الفترة بين 2017 و2022 كانت 1.9% فقط، أي نحو ثلث ما كانت عليه قبل أزمة 2008.
عوضًا عن استمرار التعويل على زيادة الصادرات يجب تنمية القطاعات الإنتاجية لتقليل الاستيراد
في هذا السياق الكئيب، تضع الحكومة أهدافًا طموحةً مثل جذب استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 30 مليار دولار في 2024/ 2025. ربما ينبع هذا الطموح من الارتفاع الاستثنائي للاستثمارات في 2023/ 2024 بفضل صفقة رأس الحكمة، لكن متوسط صافي الاستثمار الأجنبي الوارد إلى الاقتصاد المصري كان 7.8 مليار دولار سنويًا في الفترة من 2016 إلى 2022، وليس هناك ما يدفعنا لتصور أن يزيد التدفق السنوي لصافي الاستثمار الأجنبي بنسبة 400% في الفترة المقبلة.
ومن الأهداف الطموحة أيضًا رفع قيمة الصادرات السلعية المصرية إلى 145 مليارًا بحلول 2030، بمعدل نمو سنوي 20%، دون توضيح كيفية بلوغ هذا الهدف.
افتراضات الحكومة، أو أمانيها، بأن ينقشع الضباب وينزوي التراب بعد عواصف السنوات الماضية، في أحسن الأحوال غير واقعية، إذ من شأن اضطرابات شرق أوروبا أن تستمر، بما تتركه من أثر على أسواق الغذاء والطاقة والمواد الأولية بشكل عام.
كما أن التوتر بين الولايات المتحدة والصين مرشح للتصاعد لا التراجع، وأن تجمع محاولات الاحتواء التكنولوجي والحصار العسكري والحرب الاقتصادية بين أكبر قوتين في العالم.
وأخيرًا وليس آخرًا، فإننا مثل الأستاذ نادر سيف الدين، لا نعيش في أهدأ منطقة في العالم، سواء بين جيراننا المباشرين شرقًا وغربًا وجنوبًا، أو غير المباشرين في شرق ووسط إفريقيا.
ما يبدو من قراءة استراتيجيات الحكومة المصرية هو أنها تتعامل مع اقتصاد عالمي لم يعد موجودًا، فالأهداف الموضوعة مبنية على أساس افتراضات غير دقيقة من الصعب أن تتحقق.
وفي مقابل هذا الإفراط في الطموح، نغفل أمورًا أخرى ضرورية، فقد مررنا بأزمات عنيفة خلال السنوات الأخيرة، ولم نعدِّل من تصوراتنا الاقتصادية لنستطيع تجاوزها في المستقبل، وهذه هي ملاحظتنا الثانية.
مؤخرًا، لم نكن استثناءً من دول العالم التي عانت صدمات عنيفة جراء التغيرات السلبية التي يشهدها النظام العالمي، بدءًا من ارتفاعات أسعار المواد الأولية من غذاء ووقود مرورًا بارتفاع تكلفة خدمة الديون الخارجية مع رفع أسعار الفائدة على الدولار، انتهاءً بالانخفاض الكبير في عائدات قناة السويس.
ما العمل؟
ومن ثَمَّ فالسؤال المُلح الآن هو؛ أي استراتيجية نمو وتنمية يمكن لمصر اتباعها في السنوات القليلة المقبلة؟
الجواب البديهي أن تكون استراتيجية أقل اعتمادًا على ظروف العالم الخارجي، الذي سيكون بدوره أقل انفتاحًا على قوى اقتصادية متوسطة الحال مثل مصر، سواء على صعيد استقبال صادراتها أو إرسال الاستثمار الأجنبي المباشر إليها.
يعني هذا أنه عوضًا عن استمرار التعويل أحادي الجانب على زيادة الصادرات، يجب أن تتنوع استراتيجيات النمو لتشمل تنمية القطاعات الإنتاجية التي تقلل من الاعتماد على الاستيراد، خاصة في الأنشطة الحيوية مثل الزراعة والصناعة التحويلية وتوليد الطاقة، لا يعني هذا ألا نسعى لزيادة الصادرات لكن ينبغي ألا نضع البيض في سلة واحدة.
وينطبق الأمر نفسه على الاستثمارات الأجنبية المباشرة، فقد ظهر بالفعل أن التدفقات الكبيرة التي جاءت مصر في الأوقات الصعبة لم تأتِ عبر قنوات السوق العالمية، بل من ترتيبات إقليمية ذات طابع جيوسياسي مع بلدان الخليج، لا سيما الإمارات.
يتطلب ذلك التفكير في إطار ومحتوى التعاون الاقتصادي الإقليمي بين مصر ودول مجلس التعاون الخليجي، لا فقط في مجال تلقي الدعم والقروض، بل أيضًا بالاستثمار في أنشطة ترفع من فرص الاندماج الاقتصادي الإقليمي، وتعود بالنفع على الطرفين من خلال التبادل التجاري أو الاستثمار المباشر.
وأخيرًا سيكون على واضعي استراتيجيات النمو والتنمية في مصر أن يدخِلوا في الاعتبار مستقبل الشراكات الاقتصادية خارج الإقليم. فبينما تزداد أهمية الصين شريكًا تجاريًا ومصدرًا للاستثمار المباشر، لا يقتصر اهتمام الصين بمصر على الاقتصاد فحسب، وإنما ينطوي على جوانب جيوسياسية في إطار مبادرة الحزام والطريق.
من المهم أن ندرس كيف ستتم إدارة علاقتنا مع الصين بالنظر للحضور التاريخي للولايات المتحدة في المنطقة، علمًا بأن هذا الحضور لم يعد من خلال التجارة أو الاستثمار ولا حتى المنح، بل أصبح عن طريق حاملات الطائرات وشحنات الأسلحة والقواعد العسكرية.
وينسحب الأمر على شريكنا التجاري والاستثماري الأكبر؛ الاتحاد الأوروبي، وهو مشروع سياسي واقتصادي متأزم بشدة منذ 2009 ويزداد تأزمًا، وركودًا، وتطرفًا.
إن عالمًا جديدًا يتطلب خيالًا جديدًا.