صفحة مجلس الوزراء على فيسبوك
اتحاد الغرف السعودية ينظم لقاءً مُوسعًا في العاصمة الرياض لبحث فرص الاستثمار مع مصر، 16سبتمبر 2024

مصر والخليج.. لا تتوقعوا تكرار تجربة النمور الآسيوية

منشور الأحد 3 نوفمبر 2024

تاريخيًا، كانت بلدان الخليج، بالإضافة إلى ليبيا والعراق حتى سقوط القذافي وصدَّام، هي المدخل الرئيسي الذي يُمكِّن مصر من الوصول لموارد النقد الأجنبي، إذ اعتمدت على تحويلات المصريين العاملين هناك مصدرًا للعملة الصعبة بدلًا من التجارة في السلع والخدمات، ما نتج عنه تدفقات كبيرة للعمل ورأس المال في الاتجاهين، أسهمت في رسم خريطة المنطقة العربية اقتصاديًا.

لكن بيانات التجارة تعكس تحولًا لافتًا في هذه العلاقة خلال العقدين الأخيرين، إذ أصبحت الأسواق الخليجية، بالإضافة إلى تركيا، أكثر أهمية لصادرات السلع المصرية، ما قد يفسر لنا الاهتمام الخليجي بمساندة مصر، الذي تجلى بوضوح في صفقة رأس الحكمة مطلع هذا العام.

إلى جانب العمل، يحمل تصدير السلع للخليج وجهًا إيجابيًا كونه يوفر موردًا مستقرًا من النقد الأجنبي. لكن بالنظر إلى تفاصيل العلاقات التجارية بين الجانبين، نجد أنها لا تزال بعيدةً عن نموذج سلاسل القيمة، الذي اعتمدت عليه تكتلات تجارية قوية مثل دول جنوب شرق آسيا، ما يجعل علاقتنا بالخليج لا تزال بعيدة عن الاستفادة المثلى من التجارة الخارجية في تعزيز تدفق النقد الأجنبي لمصر.

أتى التوقيع على صفقة رأس الحكمة في فبراير/شباط الماضي ليؤكد على درجة التداخل الاقتصادي المرتفعة بين مصر وبلدان الخليج الغنية بالنفط فيما يتعلق بحركة رؤوس الأموال، سواء في صورة استثمارات أو قروض وودائع أو منح أو تحويلات للعاملين المصريين بالخارج، الذين يتركزون في البلدان عينها خاصة السعودية والإمارات تبعًا لتقرير صدر في 2024.

التحول الكبير في آخر عقدين 

تفيد قاعدة بيانات WITS، التي تضمُّ تجميعَ بيانات التجارة الدولية من مصادر عدة، بتنسيق من البنك الدولي، إلى أنه في 1995 كانت أكبر أسواق تصديرية للمنتجات المصرية هي إيطاليا والولايات المتحدة وهولندا وفرنسا.

لكن هذه الصورة تتغير كثيرًا في 2013، بصعود السعودية وتركيا إلى قائمة أكبر خمس أسواق للصادرات المصرية بنصيب مشترك يبلغ نحو 13% من إجمالي الصادرات المصرية. وفي 2015 انضمت الإمارات للقائمة ذاتها التي باتت السعودية في صدارتها، ليصبح نصيبهما سويًا مع تركيا نحو 20%.

التصور الغالب عن شركات أجنبية تأتي من وراء البحار إلى أسواق لا علاقة لها بها هو الاستثناء لا القاعدة

ظلت البلدان الثلاثة، مع التركيز على السعودية والإمارات في هذا المقال، في أعلى قائمة أسواق مصر التصديرية حتى يومنا هذا، ما يعكس بشكل لا لبس فيه ازديادًا في الوزن النسبي لهؤلاء الشركاء الإقليميين في التجارة السلعية، وليس في تدفقات رأس المال فحسب.

لنخرج من المنطقة قليلًا

عادة ما تسلِّط أدبيات التجارة العالمية الضوء على "سلاسل التجارة العالمية"، باعتبارها دافعًا أساسيًا لتطوير قدرة البلدان على النفاذ لأسواق الصادرات الدولية. ويشير هذا المصطلح إلى شبكة الشركات العابرة للحدود، التي تقوم كلٌّ منها بدور في سلسلة طويلة، تنتهي بإنتاج السلعة النهائية المهيأة للتصدير. 

ويشير بحث صادر في 2020 إلى أن هذه السلاسل عادة ما تمتد على مستوىً إقليميٍّ وليس عالميًا، بمعنى أن الدول المتجاورة عادة ما تميل لأن تنصبَّ التجارة بينها بدرجة كبيرة على تداول سلع يُكمِّل بعضها بعضًا، حتى تنتهي إلى صناعة المنتج النهائي الذي يُصدَّر للعالم الخارجي.

وأظهر مؤلفو البحث أدلةً عمليةً من أمريكا الشمالية وشرق آسيا، أظهرت أن أغلب هذه السلاسل التي تربط الشركات بين دول مختلفة تمتد بين دول تقع في الجوار أو تنتمي لأقاليم جغرافية لها ما يجمعها جغرافيًا أو ثقافيًا أو سياسيًا، بالتالي فإن التصور الغالب لشركات أجنبية تأتي عبر أعالي البحار وأطراف الدنيا لتعمل في أسواق لا علاقة لها بها هو الاستثناء وليس القاعدة.

هل توجد سلاسل قيمة في منطقتنا؟

طالما كانت إحدى مشكلات التكامل الإقليمي في منطقتنا هي تخصص غالب اقتصادات المنطقة في إنتاج المواد الأولية، وغياب القاعدة الصناعية لدى أغلبها.

هل يمكن أن تؤشر زيادة الوزن النسبي لشركاء تجاريين مثل السعودية والإمارات بل وتركيا على نشوء وتمدد مثل هذه السلاسل على مستوى الإقليم؟

إن المعيار الذي يمكن أن نحكم من خلاله على هذه المسألة هو مراقبة طبيعة الصادرات المصرية، ففي حال اشتراك مصر في سلسلة قيمة إقليمية، يفترض أن تتراجع صادرات المواد الخام وترتفع صادرات السلع الوسيطة.

وتعكس بيانات التجارة المصرية تراجع نصيب الصادرات من المواد الأولية من إجمالي الصادرات بشكل كبير ومتسق من 33% في 1995 إلى نحو 21% في 2016 ثم إلى 15% في 2022، ولا شك أن ذلك التراجع الكبير ارتبط بزيادة النفاذ إلى الأسواق الإقليمية المذكورة.

لكن في المقابل، فإن نصيب السلع الوسيطة في نفس الفترة ظل ثابتًا عند نحو 30% بينما كانت الزيادة الأساسية في السلع الاستهلاكية، وهي سلع نهائية تصدِّرها مصر دون الحاجة لإنشاء سلاسل قيمة تمتد مع الدول محل التعليق هنا.

يعني هذا أن زيادة الصادرات المصرية إلى الأسواق السعودية والإماراتية والتركية هي في الأساس لسلع مصرية نهائية تصنفها قاعدة البيانات على أنها استهلاكية، ويدعم هذا الاستنتاج أننا لا نجد الخليج أو أيًا من دول المنطقة في قائمة أكبر الدول المصدرة لمصر، ففي حالة سلسلة القيمة يجب أن تكون التجارة نشطة في الاتجاهين، استيرادًا وتصديرًا. 

 وهو ما يدل على أن التبادل التجاري بين مصر وشركائها الإقليميين يذهب في اتجاه واحد لسلع يتم تصنيعها ثم شحنها لهذه الأسواق، عوضًا عن أن تكون جزءًا من سلاسل إنتاج وتوزيع تزداد فيها القيمة المضافة على نحو مشترك بين شركات عاملة في هذه البلدان قبل أن يتم إما استهلاكها داخل الأسواق الإقليمية أو تصديرها لأسواق خارج الإقليم، كما هو الحال في سلاسل القيمة الآسيوية التي عادةً ما تتخذ من السوق الأمريكية هدفًا لها.

قد يتساءل البعض عن أهمية أن تكون التجارة بين بلادنا في صورة سلاسل قيمة، والإجابة تتمثل في أن هذه هي الطريقة التي يمكن بها أن تخدم التجارة البينية إعادة تعريف وضع المنطقة الاقتصادي عالميًا بعيدًا عن الاعتماد عن تصدير المواد الخام، خاصة النفط والغاز الطبيعي.

كما أنه السبيل ولا شك ليندرج التبادل التجاري المتنامي بين مصر وشركائها الخليجيين ضمن خطط تلك الاقتصادات في تنويع هياكلها، وبناء تنافسية عالمية في غير مجالات الاستخراج، كما أن هذا هو السبيل لترفع مصر القيمة المضافة لما تنتجه وتُصدِّره عن طريق النفاذ إلى أسواق أكبر خارج الإقليم وليس داخله فقط.