لا تخلو التصريحات الحكومية من الحديث عن استهداف زيادة الصادرات، من آخرها ما ذكره رئيس الوزراء قبل أيام بشأن طموحه رفع قيمتها لنحو 145 مليار دولار في 2030.
ولا يخفى على أحد أن مصر بحاجة ماسة لزيادة صادراتها، خاصة وأن أزمة الدولار الأخيرة لفتت أنظار المسؤولين إلى أهمية مراكمة الأرصدة من العملات الصعبة، لكن هل السياسات الحالية تمكننا فعلًا من تحقيق الزيادات التي نطمح إليها في نشاط التصدير؟
حسب بيانات البنك الدولي، ارتفعت قيمة الصادرات المصرية خلال آخر ثلاثة عقود من 15.6 مليار دولار إلى 71.9 مليار دولار في 2022.
لكن الأرقام المطلقة لا تعني شيئًا طالما لم نضع حجم الصادرات الإجمالي في مقارنة مع الواردات والناتج المحلي الإجمالي. على هذا المقياس، تخبرنا المؤشرات بأننا لم نحقق أي نجاح يذكر.
بالنظر إلى نسبة الصادرات السلعية والخدمية من الناتج المحلي الإجمالي، وهو مقياس تقليدي لتقدير القاعدة الإنتاجية الموجهة للتجارة الخارجية في اقتصاد ما، نجد أنها تراجعت من 27% في فترة حكومة أحمد نظيف (2004-2010) إلى النصف تقريبًا في الفترة بين 2014 و2022، لتصل إلى 13.95%.
يعني هذا ببساطة شديدة أن القاعدة التصديرية للاقتصاد المصري تقلصت بشكل مقلق للغاية بدلًا من أن تتمدد. وفي هذا السياق، فإن أي زيادة في القيمة المطلقة للصادرات لا تعني شيئًا، لأنها لا تأخذ في الحسبان الوزن النسبي للقطاعات التصديرية ضمن القطاعات الإنتاجية.
التصدير من قاع القاع
وبجانب مسألة كم الصادرات، فإن الكيف أكثر أهميةً، كونه يتعلق بمحتوى ما نُصدره وما يحتوي عليه من قيمة تعود على الاقتصاد بعائد يُمكِّنه من تمويل وارداته، إذ إن التخصص في تصدير المنتجات ذات القيمة المضافة المنخفضة، كالفواكه والخضروات والأسمنت، يعني الحاجة لتصدير كميات كبيرة لنتمكن من شراء كميات أصغر من السلع مرتفعة القيمة مثل الآلات والأجهزة والسيارات.
وبالنظر لمحتويات الصادرات المصرية، نجد أن أغلبها مواد خام مثل البترول والغاز الطبيعي، وهي بحكم تعريفها منخفضة القيمة المضافة.
ما يمكن استنباطه من بيانات البنك الدولي أن أداءنا يتأرجح بين التدهور والتحسن غير الملموس
وإذا عقدنا مقارنة مع دول من شرائح دخل قريبة من مصر، سنجد أن الصادرات المصنعة مثلت أقل من نصف إجمالي الصادرات المصرية (47.68%) خلال العقد الماضي (2014-2022) مقابل 79.29% لتونس و70% للمغرب و72.98% للأردن في الفترة نفسها.
ليست كل الصادرات المصنعة ذات قيمة مضافة مرتفعة بالطبع، لكن انخفاض نصيبها يعكس ضَعف القيمة المضافة للصادرات، فهي في كل الأحوال تظل أفضل من الاعتماد على المواد الخام.
يزداد الأمر قتامةً إذا نظرنا إلى نصيب الصادرات ذات المحتوى التكنولوجي المرتفع، فخلال العقد الماضي كان متوسط هذه الصادرات 1.67% من إجمالي الصادرات المصنعة (2014-2022). نعم، أقل من 2% من الإجمالي.
ربما يكون مبشرًا نوعًا ما ارتفاع هذه النسبة من أقل من 1% في 2018 إلى 2.35% في 2019 ثم إلى 3.17% في 2022، ويؤمل أن تستمر معدلات الزيادة هذه، لكنها تظل نسبًا متدنيةً للغاية.
ولكن إذا قارنا صادراتنا التكنولوجية بنظرائنا في الإقليم، سيتبدد من جديد أي تفاؤل بالبيانات المصرية، فخلال الفترة من 2014 إلى 2022، بلغ متوسط نصيب هذه الصادرات 7.27% من إجمالي الصادرات في تونس، و4.12% في المغرب، مقارنة بـ2.12% لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، باستثناء الدول مرتفعة الدخل.
والحقيقة فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إجمالًا، التي نعقد معها المقارنة، هي أصلًا في مكانة متأخرة عالميًا في الصادرات التكنولوجية، أي أن الصادرات المصرية تقبع في قاع منطقة تقع بدورها في قاع الاقتصاد العالمي.
وذلك لأنه خلال السنوات نفسها (2014-2022) كان نصيب الصادرات ذات المحتوى التكنولوجي المرتفع من إجمالي الصادرات المصنعة 8.8% لجنوب آسيا، و14% لأمريكا اللاتينية، و31% لشرق آسيا، بينما كان المتوسط 15.54% لمجموعة دول الشريحة الدنيا من الدخل المتوسط، التي تنتمي إليها مصر.
لا نسير على الطريق الصحيح
أقل ما يمكن استنباطه من بيانات البنك الدولي أن أداءنا سيئ، وأنه في تدهور على عدة أصعدة، ويتحسن بشكل غير ملموس على أصعدة أخرى.
يعني هذا أن الاتجاه الذي سلكناه خلال العقد الماضي لم يكن سليمًا، ما يتطلب الكثير من المراجعة وإعادة التوجيه من أجل زيادة الصادرات كمًا وكيفًا، نسبة لما نقوم بإنتاجه حقًا، لا كأرقام مطلقة تطفو في فضاء سرمدي لا يربطه بالاقتصاد رابط.
إن زيادة الصادرات، خصوصًا تلك ذات القيمة المضافة المرتفعة، لهو أمر صعب، لأنه يتطلب سياسات وترتيبات مؤسسية بين الدولة والقطاع الخاص ورأس المال الأجنبي، ما يسمح بتحقيق نقلة حقيقية في مساهمتنا في التجارة الخارجية، وليس مجرد النوايا الحسنة لرئيس الوزراء.
على رأس العوامل الداعمة للتصدير، توفير الضمانات اللازمة لزيادة الاستثمارات الخاصة في قطاعات مثل الصناعة والخدمات مرتفعة العائد، بدلًا من غلبة الاستثمارات العقارية على كل من القطاع الخاص والعام، بما لا يدع مجالًا للاستثمار في الصادرات السلعية أو الخدمية.
ويشمل هذا ربط استراتيجية الاستثمار في البنية الأساسية بقطاعات إنتاجية عوضًا عن هدف رفع قيمة الاستثمارات العقارية.
على أن التصدي لمشكلة، بل لمشكلات مركبة، مثل تقلص القاعدة التصديرية وجمود نصيب الصادرات الصناعية والضعف الشديد للصادرات ذات المحتوى التكنولوجي، يتطلب مبدئيًا الاعتراف بوجودها، بدلًا من الحديث المتكرر عن قفزات ونجاحات هي أقرب للوهم من الحقيقة.