
يوميات صحفية برلمانية| انتخابات "الشيوخ": كراسٍ موسيقية و"قصر الكبابجي" يدخل اللعبة
تخلو انتخابات مجلس الشيوخ الجارية من أي إثارةٍ، مع ذلك يطل علينا المشهدُ الانتخابيُّ بزوايا ولقطات تعكس طبيعة الوضع السياسي في مصر من غياب للديمقراطية، واعتماد على المحاصصة الحزبية في القوائم الانتخابية، واستمرار معادلة تزاوج المال والسلطة.
توقفتُ في هذه الانتخابات أمام عدة مشاهد كاشفة لحجم الأزمة، فتبديل الكراسي بين مجلسي النواب والشيوخ يعبر عن انعدام التجدد في النخب السياسية، وهو ما يتسق تمامًا مع وضع الأحزاب السياسية في مصر، خاصةً وأن حصص الأحزاب في مجلس الشيوخ لا تعبر عن أوزانها الحقيقية في الشارع.
كما أن تشكيل المجلس عبر ثلثٍ للقائمة المغلقة، في وجود قائمة واحدة دون منافس، وثلث مُعيَّن من رئيس الجمهورية، وثلث للمقاعد الفردي بدوائرها المتسعة، التي لا يقدر أي مرشح على المنافسة فيها وتحتاج لشروط خاصة، سواء من الناحية المالية أو الحزبية، تجعل عدد مقاعد الأحزاب معبرةً عن الاتفاقات والصفقات السياسية وليس الوزن في الشارع.
لعبة الكراسي الموسيقية
تشكيل القائمة الوطنية من أجل مصر حمَل مفاجآت تمثلت في غياب بعض الأحزاب وتدني تمثيل أحزاب أخرى، وجاءت معادلةُ المال والنفوذ هذه المرة كاشفةً مع دخول رجال أعمال جدد إلى المشهد الانتخابي.
بدأت لعبة الكراسي الموسيقية في انتخابات مجلس الشيوخ باستقالة تسعة أعضاء من مجلس النواب قبيل انتهاء دور الانعقاد الخامس بالتزامن مع فتح باب الترشح للانتخابات.
ضمت قائمة المستقيلين من مجلس النواب للترشح على قوائم مجلس الشيوخ ستة نواب من حزب الأغلبية، مستقبل وطن؛ على أبو أحمد، محمد كمال مرعي، غادة الضبع، سليمان عطيوي، وعثمان المنتصر، فضلًا عن النائب أحمد عبد المنعم إسماعيل الذي خاض انتخابات 2020 على مقاعد الفردي في مجلس النواب مستقلًا، ويترشح اليوم في انتخابات الشيوخ على مقاعد الفردي في أبو قرقاص عن حزب مستقبل وطن.
كما انضم للمستقيلين النائب أحمد الجحش من حزب حماة الوطن، وعبد الفتاح الشحات من حزب الحرية، وأميرة صابر من الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي.
وحسب مصادر برلمانية من حزب مستقبل وطن، من المتوقع انتقال الأمين العام للحزب أحمد عبد الجواد لمقاعد الحزب المضمونة في انتخابات مجلس النواب المرتقبة بعد تمثيله للحزب في مجلس الشيوخ خلال الفصل التشريعي السابق.
يعد عبد الجواد دينامو حزب مستقبل وطن ومحركه الرئيسي على مدار السنوات الماضية منذ توليه منصب أمين التنظيم ثم الأمين العام للحزب، ونائب رئيس الحزب.
كما أفادت مصادر من الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي بانتقال رئيس الهيئة البرلمانية للحزب في مجلس الشيوخ محمود سامي الإمام إلى مجلس النواب.
المرضي عنهم في القائمة
تجدد تحالف القائمة الوطنية من أجل مصر في انتخابات الشيوخ هذا العام، بقيادة حزب مستقبل وطن الذي استحوذ على 44 مقعدًا في القائمة المكونة من مائة عضو، يليه حماة الوطن الذي حصل على 19 مقعدًا، ثم حزب الجبهة الوطنية الذي حصل على 12 مقعدًا.
بينما تراجع حزب الشعب الجمهوري بحصوله على خمسة مقاعد فقط، وهو العدد نفسه الذي حصل عليه الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، فيما حصل كل من حزب العدل، والإصلاح والتنمية، على أربعة مقاعد لكل منهما، وانضم للقائمة في هذه الانتخابات حزب إرادة جيل بواقع مقعد واحد فقط.
حصل الوفد على مقعدين فقط ما فجّر أزمةً داخليةً
المفاجأة كانت باستبعاد حزب الوعي من كعكة مقاعد القائمة المضمونة التي تنافس نفسها رغم الاهتمام الإعلامي والإعلاني المكثف بالحزب الذي تأسس من رحم الحوار الوطني بقيادة البرلماني السابق باسل عادل.
بادر عادل في ذروة الحوار الوطني بالإعلان عن تأسيس كتلة الحوار، التي تستهدف إعلاء قيمة الحوار وتتكون من مجموعة من الشخصيات الليبرالية التي سعت لاحقًا لتأسيس حزب كتلة الحوار.
مع تعثر تكوين الحزب انضم عادل بزملائه ووكلاء المؤسسين والأعضاء لحزب الوعي الذي تأسس في 2011 وتوقف عن التعاطي مع المشهد السياسي منذ سنوات. فإعادة هيكلة حزب مشهر بالفعل والتوافق حول إعادة تقديمه للجماهير بشكل جديد أيسر وأسرع من رحلة بائسة محكوم عليها بالفشل بعد إنهاك لمحاولة تحرير توكيلات تأسيس حزب جديد.
رغم محاولات البرلماني السابق ترسيخ وجوده في المشهد واللجوء لخطاب يبدو وسطيًا يسمح له بالاقتراب من الموالاة وفي الوقت نفسه عدم الابتعاد عن المعارضة، خرج عادل من تقسيم كعكة قائمة مجلس الشيوخ، وواجه حزبه خلافات داخلية بدأت في الظهور على السطح باستقالة بعض الأعضاء البارزين مثل كرم جبر.
لم يكن غياب حزب الوعي اللافت الوحيد في تشكيل القائمة، بل تدني تمثيل عدد من الأحزاب مقارنة بما حققته في انتخابات 2020، فلم يحصل حزب الوفد إلا على مقعدين، ما فجّر أزمةً داخليةً في الحزب ضد رئيسه عبد السند يمامة، كما تراجع تمثيل حزب الشعب الجمهوري الذي كان في الترتيب الثالث في تركيبة مجلس الشيوخ الدورة المنتهية، ليصبح نصيبه في القائمة خمسة مقاعد لا غير.
رجال البيزنس
تكشف خريطة المرشحين لانتخابات مجلس الشيوخ استمرار لعبة المال والسلطة، مع استمرار وجوه بارزة في عالم الأعمال تسعى للاحتفاظ بمقاعدها وحصانتها، وظهور وجوه أخرى تنضم للمعادلة.
حافظ بعض رجال الأعمال على مكانهم في مقاعد مجلس الشيوخ لدورة جديدة، وأبرزهم رجل الأعمال أبو هشيمة عن حزب الشعب الجمهوري الذي يترشح على قائمة من أجل مصر. كما يستمر رجل الأعمال محمد حلاوة في مقعده لدورة جديدة، إذ يمثل حزب مستقبل وطن.
لم يكن لأبو هشيمة أو حلاوة تأثير في الجلسات العامة لمجلس الشيوخ على مدار أدوار الانعقاد الخمس خلال الدورة المنتهية، رغم ترؤس مؤسس شركة المصريين للجنة الشباب والرياضة، ووجود حلاوة الذي تتركز استثماراته في الصناعات الغذائية على رأس لجنة الصناعة.
ولم تغير وفاة لاعب كرة القدم أحمد رفعت شيئًا، ويستمر رجل الأعمال أحمد دياب في موقعه ضمن القائمة الوطنية من أجل مصر عن حزب مستقبل وطن.
كان مجلس الشيوخ وافق في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 على رفع الحصانة عن دياب للتحقيق معه في واقعة وفاة رفعت، وأوضح رئيس المجلس حينها أن دياب هو من طلب رفع الحصانة عن نفسه، ولم يكن هناك طلب موجه للمجلس من النائب العام، وذلك بعدما كانت نيابة استئناف القاهرة انتهت إلى تحرير مذكرة طلبت فيها استجواب مسؤولين سابقين بنادي فيوتشر هما عضوا مجلس الشيوخ أحمد دياب وأحمد عبد الجواد.
ترتكز أنشطة دياب الاقتصادية حاليًا على الاستثمار في المجال الرياضي، وتجمعُ عائلتُه بين المال والنفوذ، فوالده رجل الأعمال والنائب السابق في مجلس الشعب إحسان دياب، وهو أحد النواب المتهمين في القضية التي عرفت قبل ثورة يناير بـ نواب القروض.
إلى جانب النواب الذين رسخوا وجودهم في القائمة، ينضم لمقاعد رجال الأعمال وافدون جددٌ يترشحون على القائمة، منهم صلاح محمد فتح الله السعودي عن حزب مستقبل وطن، وهو رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة ريماس للسيراميك.
ويسعى رجل الأعمال أحمد الباز صاحب سلسلة مطاعم قصر الكبابجي للانضمام للمجلس والفوز بالمقد الفردي بمحافظة الغربية. كان حزب مستقبل وطن أصدر قرارًا في مطلع العام الحالي بتعيين الباز أمينًا مساعدًا للأمانة الحزب في محافظة الغربية.
تحريك عدسة الكاميرا زووم إن على الانتخابات يبين أننا أمام واقع سياسي يكرس لتشكيل مجالس نيابية بأدواتٍ وآلياتٍ معيبةٍ لن تؤدي سوى لتكرار التجارب نفسها وإعادة الركود البرلماني الذي كان جليًا في عمل مجلس الشيوخ في الدورة المنتهية.