برلمان السيسي الأخير؟
"تأبيد الرئاسة" يهيمن على أجواء "انتخابات التزكية"
مطلعَ العام المقبل يبدأُ رسميًا عملُ مجلس النواب الجديد الذي ستنتهي في ظله الفترة الرئاسية الثالثة والأخيرة للرئيس عبد الفتاح السيسي، أبريل/نيسان 2030.
لكن بالنظر إلى طريقة هندسة قوائم المرشحين، وتقليص حجم المنافسة إلى حدّها الأدنى، وإبعاد قوائم ومعارضين من السباق الفردي، لا يستبعد خبراء تحدثت إليهم المنصة أن يُقدِم البرلمان الجديد على تعديل الدستور لإطلاق مدد الرئاسة.
لم تُعلن أحزاب الموالاة حتى الآن أي مواقف بشأن تعديل الدستور. لكنْ سبق ودشَّن الإعلامي محمد الباز، رئيس مجلسي إدارة وتحرير صحيفة الدستور المملوكة للمتحدة، في يوليو/أيلول الماضي، سباق "المطالب الشعبية" بمنح الرئيس فترة رئاسية رابعة لأن الشعب "اعتاد على رئيس يعمل بلا كلل".
مثل هذه المطالب أعادت إلى الأذهان الدعوة التي أطلقها الكاتب الصحفي الراحل ياسر رزق، أكثر الصحفيين قربًا من الرئيس، في ديسمبر/كانون الأول 2018 لتمديد فترة السيسي الرئاسية، مطلقًا شرارة المطالب التي انتهت في سبتمبر/أيلول 2019 إلى تعديلات دستورية مثيرة للجدل، مكّنت السيسي من البقاء رئيسًا حتى 2030.
الحديث عن فترة رئاسية رابعة للرئيس أثارت انتقادات في الأوساط السياسية؛ السياسي حسام بدراوي، آخر رئيس للحزب الوطني المنحل بعد ثورة 25 يناير، حذَّر من الانسياق خلف هذه الدعوات، وذلك في حوار أجراه مع المنصة الشهر الماضي، تحدث فيه أيضًا عن "الفجاجة والاستهزاء بالشعب في إدارة الانتخابات".
تعديل محتمل
يضع الباحث في مركز مالكوم كير-كارنيجي للشرق الأوسط يزيد صايغ تغطية أنشطة الرئيس في وسائل الإعلام الموالية لإدارته في سياق مساعي الاستمرار لولاية جديدة، مُستعيدًا سياق تعديلات 2019.
يلحظ أستاذ دراسات الشرق الأوسط الذي تركز أبحاثه على الأدوار السياسية والاقتصادية المقارنة للقوات المسلحة العربية، "استخدام كل الأحداث الخارجية لتحسين صورة الرئيس وحجب ما يمكن أن يكون محل نقد في مجالات أخرى، والدعوة للاصطفاف خلف القيادة".
وعليه يتوقع كما يقول لـ المنصة "أن يسعى السيسي لولاية جديدة، وأن يُطلق محاولةً لتعديل الدستور لجعل ذلك ممكنًا"، وأن يترافق ذلك مع توسيع صلاحيات المؤسسة العسكرية أكثر.
هذا ما سبق وحدث عام 2019 عندما منحت التعديلات التي اقترحها 155 نائبًا ينتمي معظمهم إلى ائتلاف دعم مصر البرلماني صلاحيات إضافية للقوات المسلحة، من بينها صون الدستور والديمقراطية وحماية حقوق وحريات الأفراد.
ضاعفت أحزاب الوسط والمعارضة مقاعدها في القائمة لكن رغم ذلك تبقى نسبها هامشية
بدوره لم يستبعد الباحث عمرو هاشم ربيع، المتخصص في الشؤون البرلمانية بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، تعديلًا دستوريًا قادمًا "لكن يبقى السؤال؛ هل هو لتصفير مدد الرئاسة أم لإدخال تعديلات حقيقية تفتح المناخ العام للجميع".
ولا يُخفي الخبير في النظم والتشريعات البرلمانية عبد الناصر قنديل قلقه من تعديل الدستور دون توافق مجتمعي حقيقي عمَّا نحتاجه في الدستور، لافتًا إلى الحاجة لحوار وطني مغاير لما جرى في الحوار السابق الذي "أثمر مجموعة نتائج كانت محترمة جدًا ونالت إشادة الجميع لكن للأسف الحكومة لم تلتزم بها" حسبما قال لـ المنصة.
قلق منطقي
هندسة البرلمان المقبل بطريقةٍ لا تختلف عن تشكيل البرلمانات السابقة "التي أثارت سخطًا مجتمعيًا كبيرًا"، تجعل من التمهيد لتعديل الدستور احتمالًا واردًا بالنسبة لقنديل.
فعلى مستوى الفردي، انسحب حزب التحالف الشعبي من السباق الانتخابي نهاية الشهر الماضي احتجاجًا على استبعاد اللجنة الوطنية للانتخابات اثنين من مرشحيه، من بينهما هيثم الحريري.
أما في القوائم، فضمنت "القائمة الوطنية من أجل مصر" التي تضم أغلبية موالية، نصف مقاعد المجلس بالتزكية دون أي منافسة أو اقتراع فعلي، بعد أن رفضت الهيئة الوطنية للانتخابات القوائم المنافسة لها، وهي قوائم "حزب الجيل" التي ترشحت عن قطاعي شرق وغرب الدلتا، و"القائمة الشعبية.. صوتك لمصر"، و"قائمة نداء مصر" عن قطاع غرب الدلتا.
وتتألف القائمة الوطنية من 12 حزبًا، تتصدرها الأحزاب الموالية للسلطة. ورغم حفاظ حزب مستقبل وطن على صدارته؛ تراجعت هيمنته نسبيًا، بحصوله على 120 مقعدًا (42%) مقارنة بـ145 مقعدًا (51%) في الدورة السابقة.
https://public.flourish.studio/visualisation/26024524/كما تغيرت نسب مقاعد الأحزاب بعد انضمام حزب الجبهة الوطنية الذي تأسس مطلع هذا العام، ويضم في هيئته التأسيسية وزراء ومحافظين سابقين ونوابًا حاليين وسابقين ورجال أعمال، من بينهم الأمين العام لاتحاد القبائل والعائلات المصرية ووزير الإسكان السابق عاصم الجزار، ونجل رئيس اتحاد القبائل والعائلات المصرية عصام إبراهيم جمعة العرجاني.
ويُعد الصعود القوي لحزب حماة وطن هو التطور الأبرز، حيث نجح الحزب في مضاعفة حصته عدة مرات ليقفز إلى المرتبة الثانية بـ53 مقعدًا (19%)، بعد أن كان يشغل 19 مقعدًا فقط (7%) سابقًا، وحصد "الجبهة الوطنية" 45 مقعدًا (16%).
وشهدت قوى أخرى تراجعًا واضحًا، أبرزها حزب الشعب الجمهوري الذي انخفضت مقاعده من 28 إلى 15، والوفد الذي تراجع من 21 إلى 7 مقاعد، إضافة إلى انخفاض حاد في عدد المقاعد المستقلة من 25 إلى 8 مقاعد فقط.
في المقابل ضاعفت أحزاب محسوبة على الوسط والمعارضة مقاعدها في القائمة، إذ زاد تمثيل حزب العدل ليصل إلى 8 مقاعد، والحزب المصري الديمقراطي إلى 9، وسجل حزب مصر المستقبل حضوره الأول في القائمة.
رغم ذلك، تبقى هذه تغييرات محدودة، لا يُتوقع أن تُمثل أي تغيير في توجهات التصويت.
لا مرشحين.. لا منافسة
الهندسة المتتالية للقوائم وحتى للمرشحين الفردي تركت أثرها عميقًا على العمل النيابي المصري بشكل عام، وأصابته بما يشبه الإحباط والإحجام عن المشاركة وشل الحركة بعيدًا عن أي فعل أو محاولة للتصدي لمحاولات تغول من السلطة.
ويعتبر عمر هاشم ربيع نظام القائمة المطلقة "تزويرًا لإرادة الناخبين"، لأنها تُحول 49% من الأصوات لمن حصل على 51%، إذ يحصل على 100% من الأصوات.
وينوه عبد الناصر قنديل بتغير أصاب العمل النيابي المصري، إذ أثرت طريقة إدارة الانتخابات في الدورات السابقة على أعداد المرشحين للدورة الحالية، وربما يكون عددهم تراجع إلى أدنى عدد في تاريخ الحياة النيابية المصرية.
ويُذكّر قنديل بأن الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 2011 نافس فيها 10251 مرشحًا "أما الآن فلدينا 2598 مرشحًا فقط ما يعني نحو ربع العدد الذي كان مرشحًا في انتخابات جرت قبل أقل من 15 سنة".
يتفق ربيع مع هذا التحليل، مؤكدًا على أن هذه الممارسات انعكست بشكل مباشر على نسبة المنافسة في الانتخابات لتصبح الأدنى منذ عام 2000. ويرصد الانخفاض الكبير لنسبة المرشحين إلى عدد المقاعد، من 9 لكل مقعد عام 2000، مقابل 4.5 مرشح لكل مقعد في انتخابات 2025.
نسبة المنافسة تراجعت تدريجيا لتصل لأدنى مستوياتها حاليًا
وارتفعت نسبة المنافسة بشكل ملحوظ في أول انتخابات جرت بعد ثورة 25 يناير بنظام ثلثي المقاعد للقائدة النسبية والثلث عبر الفردي، إذ وصل عدد المترشحين إلى 10251 مرشحًا تنافسوا على 498 مقعدًا، وبلغت إجمالًا، بغض النظر عن تنوع النظام الانتخابي، 20 مرشحًا لكل مقعد.
ونوه الخبير بمركز الأهرام بأن نسبة المنافسة عادت للانخفاض من جديد في أول انتخابات جرت بعد وصول السيسي في 2015، فكان عدد المرشحين 5876 مرشحًا، تنافسوا على 568 مقعدًا، ما يعني أن المنافسة تراجعت إلى النصف لتكون 10 مرشحين لكل مقعد، واستمر الانخفاض في برلمان 2020 لتصل المنافس إلى نحو 8 لكل مقعد.
https://public.flourish.studio/visualisation/26068691/رقابة النواب
يظل الناخبون هم الغائب الوحيد عن المشهد النيابي، فبينما يمتلك النواب سلطات رقابية على السلطة التنفيذية فإنه من المفترض أن يكون العمل النيابي تحت رقابة الشعب.
ويشير قنديل إلى ضرورة إجراء تقييم مؤسسي لأداءات البرلمان، مؤكدًا أنه حتى الآن لا يوجد مؤشر وطني لقياس كفاءة أداء البرلمانيين، ولا يصدر تقرير بشكل سنوي للعامة يقول "هل هذا البرلمان أجاد أم لا؟ وهل هؤلاء النواب اشتغلوا ولا ما اشتغلوش؟".
لا يهتم الخبير في الشؤون النيابية بمن يختار حصص الأحزاب في القائمة، أو بتشكيل المجلس، لكنه يؤكد على أن المحاصصة الحالية تشير يقينًا إلى سوء اختيار واضح؛ "أنا قدامي أسماء مرشحين نتاج تدخلات أجهزة أو نتاج إرادة شعبية لكن عدد المرشحين هو عدد مهين وغير مرضي لقطاع واسع من المواطنين. هؤلاء الأشخاص بسيرهم الذاتية ليسوا هم الأصلح لكي يعبروا عن طموحات هذا الشعب في نقطة مفصلية يتبعها وجود رئيس جديد".
ويشدد على أن البرلمان يحتاج إلى إعادة صياغة علاقته بالمجتمع ككل، و"ده مش ممكن يتم إلا عبر حوار مجتمعي حقيقي بين اللجان البرلمانية وبين قوى مجتمعية ومؤسسية يثبت من خلالها إن البرلمان يستمع إلى آراء الآخرين وليس فضاء لمجموعات الأثرياء ورجال الأعمال وأبنائهم بيحاولوا من خلالهم إن هم يحموا مصالحهم الشخصية".
ويتفق عمرو هاشم ربيع على أهمية البرلمان المقبل، رغم كل الملاحظات على تشكيله، ويدعو لضرورة تغيير صورة البرلمان الحالية، مؤكدًا أن ذلك لن يتم إلا عبر سن القوانين التي أتى بها الدستور ووضع لها مواعيد لكنها لم تنفذ نتيجة تقصير من الحكومة ومن السلطة التنفيذية ومن البرلمان، مثل قوانين مكافحة التمييز وعدم ندب القضاة لجهات غير قضائية، والعدالة الانتقالية، والأحوال الشخصية والمحليات، وتعديل قانون الانتخابات واستبدال القائمة النسبية بدلًا من المطلقة.
مع تصاعد الحديث عن أن هذا البرلمان لن يكون المجلس الأخير في المدة الرئاسية الأخيرة، لا يبدو أن الإرث الحقيقي له سيتعلق بما يسنّه من قوانين بقدر ما سيهدمه أو يثبته من قواعد دستورية كانت تهدف، ولو نظريًا، إلى تداول السلطة.