تفصيل على مقاس "الموالاة".. دليلك لفهم الانتخابات البرلمانية
بدأت المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب في الداخل اليومَ بقنبلةٍ ألقت بها المرشحة عن دائرة إمبابة بمحافظة الجيزة نشوى الديب بإعلان انسحابها من الانتخابات؛ لغياب النزاهة.
نشوى التي مثلت الدائرة لعشر سنوات على مدار فصلين تشريعيين فضّلت الخروج على مشهد الانتخابات المهندسة بدقة وترتيباتها التي قد يكون محسوبون على المعارضة جزءًا منها.
تُجرى الانتخابات بنظام انتخابي يخصص نصف المقاعد للقائمة المطلقة المغلقة، والنصف الآخر للانتخاب الفردي، وكالعادة تخوض الانتخابات قائمةٌ وحيدةٌ تجمع بين أحزاب الموالاة وبعض أحزاب المعارضة وتنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين بعد استبعاد ترشيح القوائم الأخرى.
ونشرت المنصة في مستهل الموسم الانتخابي تفاصيل هندسة العملية الانتخابية، واليوم نلقي الضوء على بعض اللقطات لفهم وتوضيح طبيعة المعارك الانتخابية على الأرض، خصوصًا مع الاختلاف الكبير بين انتخابات مجلس الشيوخ التي خلت من المعارك، وانتخابات مجلس النواب التي تكون أكثر سخونةً وأكثر قربًا للناس في الدوائر المختلفة على المقاعد الفردي.
المتمردون على مستقبل وطن
نظرةٌ سريعةٌ على كشوف المرشحين على المقاعد الفردي تساعدنا في قراءة هندسة وترتيب هذه الانتخابات وكشف حدود التنسيق وطبيعة المنافسة، التي رغم ضآلتها ما زالت موجودة في عدد ملحوظ من الدوائر الانتخابية، خاصة مع وجود متمردي حزب مستقبل وطن.
تزيد المنافسة في بعض دوائر المرحلة الأولى بالمناطق التي شهدت تمرد بعض نواب مستقبل وطن الحاليين على قرار الحزب باستبعادهم من الانتخابات فترشحوا مستقلين ما يعيد إلى الأذهان معارك الحزب الوطني الذي نافس نفسه في الانتخابات بين المرشحين الرسميين للحزب والمستقلين.
تغيير الصفة الحزبية يسقط عضوية النائب
تنص المادة السادسة من قانون مجلس النواب على أنه يشترط لاستمرار العضوية بمجلس النواب أن يظل العضو محتفظًا بالصفة التي تم انتخابه على أساسها، فإنْ فقَد هذه الصفة، أو غيّر انتماءه الحزبي المنتخب على أساسه أو أصبح مستقلًا، أو صار المستقل حزبيًا، تسقط عنه العضوية بقرار من مجلس النواب بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس.
وشهد مجلس النواب خلال الفصلين التشريعيين الماضيين حالات لتغيير الصفة الحزبية لكن المجلس لم يتعامل معها ولم ينتج عنها أثر يؤدي لإسقاط العضوية، لعل أبرزها حالات انتقال نواب حزب المصريين الأحرار المنتخبين في الفصل التشريعي الأول إلى حزب مستقبل وطن.
في الوقت نفسه، يمكن تقسيم الدوائر الانتخابية الفردية لنوعين؛ الأولى هي الدوائر المغلقة وهي الأكثر عددًا التي تضم في قمة مرشحيها أحزاب الموالاة ومقاعدها محسومة لهم، أما الدائرة المفتوحة فلم تدفع أحزاب الموالاة بمرشحين على جميع مقاعدها في محاولة لتقاسم بعض المقاعد مع المعارضة والمستقلين.
معركة العمرانية
تأتي دائرة العمرانية والطالبية في محافظة الجيزة في مقدمة الدوائر المفتوحة الساخنة التي يمكن تطبيق هذه النظرية عليها، إذ يخصص قانون تقسيم الدوائر مقعدين لها، ترشح عليهما من أحزاب الموالاة مرشح عن حزب حماة الوطن، بينما قرر حزب مستقبل وطن عدم الدفع بمرشح لهذه الدائرة.
فيما ينافس عن حزب العدل المرشح إبراهيم العجمي الحاصل على رقم 2 من بين كشوف المرشحين، ويواجه منافسة قوية مع النائب الحالي عن حزب مستقبل وطن محمد علي عبد الحميد، الذي ظل نائبًا عن الدائرة منذ 2016 حتى الآن لكنه ترشح مستقلًا لدورة جديدة.
تشير مؤشرات هذه الدائرة إلى التنسيق بين الموالاة على الدفع بمرشح حماة الوطن محمود لملوم الحاصل على رقم 1 في كشف المرشحين، وترك المقعد الثاني للمنافسة بين المعارضة والمستقلين لكن حصول مرشح العدل على رقم 2 في كشوف الانتخابات قد يكون مؤشرًا لصالحه وجزءًا من التوجيه للتصويت لرقم 1 ورقم 2 فيتقاسم الموالاة والمعارضة مقعدي الدائرة.
منافسة في إمبابة
على غرار العمرانية، خصَّص قانون تقسيم الدوائر مقعدين لدائرة إمبابة التي صممها مهندسو الانتخابات الجارية على أن تبدو وكأنها دائرة مفتوحة، إذ ترشح فيها وليد المليجي عن حزب مستقبل وطن، وحصل على رقم 1 في كشوف المرشحين.
وينافس في الدائرة البرلماني السابق عن الدائرة إيهاب الخولي الذي يخوض الانتخابات هذه المرة باسم حزب المحافظين، وحصل على رقم 2 في الكشوف الانتخابية، ويواجه منافسة شرسة مع النائبة المستقلة نشوى الديب التي مثلت الدائرة على مدار فصلين تشريعيين منذ 2016 حتى الآن.
لكن نشوى الديب التي كانت حتى ليلة أمس بين الناخبين، أعلنت الانسحاب من الانتخابات وألقت كلمة في الشارع أمام أهالي إمبابة توضح انسحابها لغياب معايير النزاهة.
لن تترتب على انسحاب نشوى الديب الآن أي إجراءات قانونية، فلن يحذف اسمها كمرشحة من الكشوف النهائية، لكنه يأتي كاشفًا لطبيعة الهندسة التي تجري لصالح الخولي؛ فحسب تصريحات خاصة من الديب لــ المنصة فإنها واجهت تعنتًا في تحرير توكيلات للمندوبين في اللجان الفرعية.
تمرد بولاق الدكرور
تحت شعار "إحنا بتوع الأوتوبيس"، قرر النائب محمد الحسيني عضو مجلس النواب لدائرة بولاق الدكرور عن حزب مستقبل وطن التمرد على قرار حزبه الذي استبعده من قائمة المرشحين عن الدائرة هذه المرة.
اختار الحسيني لنفسه رمز الأوتوبيس وترشح مستقلًا في محاولة للفوز بأحد مقاعد الدائرة الثلاثة، لكن المواجهة شرسة في الدائرة التي تبدو "مغلقة" حسب الحصص والتنسيق والترتيبات الانتخابية.
خصص قانون تقسيم الدوائر ثلاثة مقاعد لدائرة بولاق الدكرور، وقدمت أحزاب الموالاة ثلاثة مرشحين حصلوا على الأرقام الأولى؛ مرشح حزب مستقبل وطن حسام مندوه الحسيني، نائب الدائرة الحالي، ومحمود توشكى عن حزب مستقبل وطن، نائب الدائرة الحالي، فيما دفع حزب حماة الوطن بمرشح جديد على الدائرة عربي زيادة، بعدما تنازل مستقبل وطن في اتفاقات الكواليس عن حصته الكاملة في مقاعد الدائرة.
غموض في أكتوبر
تبدو دائرة الشيخ زايد و6 أكتوبر والواحات دائرةً مغلقةً وفق كشوف المرشحين، فالدائرة المخصص لها مقعدان ترشح عليها وحصل على رقم 1 و2 في الكشف مرشح حزب مستقبل وطن أحمد الشناوي، ومرشح حزب حماة الوطن أحمد ترجم.
لكن ما يثير الغموض بشأن نتائج الدائرة وعدم حسمها تمامًا قبل التصويت، ترشح النائب الحالي أيمن أبو العلا باسم حزب الإصلاح والتنمية، وحصوله على رقم 5 في كشوف الانتخابات.
يوجد اتفاق واضح مع الأجهزة على عدم التدخل وترك المجال للمنافسة
كان أبو العلا فاز على المقعد الفردي للدائرة باسم حزب المصريين الأحرار في انتخابات 2015، ثم استمر عضوًا في مجلس النواب عبر ترشحه باسم حزب الإصلاح والتنمية في القائمة الوطنية للانتخابات في 2020، والآن يعود محاولًا الحفاظ على مقعده لكن من خلال المنافسة على المقعد الفردي مرة أخرى.
واختلفت المصادر التي تحدثت لها المنصة بشأن وجود ترتيبات وتنسيق لصالح أبو العلا، فبينما أكد قيادي في الحزب، طالبًا عدم نشر اسمه، التنسيق لصالحه، نفى مصدر آخر في الحزب، طلب أيضًا عدم نشر اسمه، واعتبر أن أبو العلا يراهن على قدراته في الدائرة، موضحًا لـ المنصة أن وجود مرشحين للموالاة على مقعديها لا يعني بالضرورة وصولهما للبرلمان "فيه ترتيبات الأحزاب مجبرة على اتخاذها ووجود دائرة بهذا الشكل لا يعني منحها للموالاة، يوجد اتفاق واضح مع الأجهزة بعدم التدخل وترك المجال للمنافسة وهذه الدائرة تحمسها جولة إعادة".
إضافة لأبو العلا، يحاول النائب الحالي عن حزب مستقبل وطن عمرو القطامي الحفاظ على مقعده، وقرر الترشح مستقلًا عن الدائرة بعد استبعاده من ترشيحات الحزب.
والصعيد أيضًا
على غرار ما جرى في الجيزة وتمرد نواب مستقبل وطن على استبعادهم من الترشيحات لصالح ترتيبات انتخابية مع أحزاب الموالاة الأخرى، قرر النائب الحالي عن دائرة المراغة بمحافظة سوهاج رفعت شكيب الترشح مستقلًا.
الدائرة التي خصص لها قانون تقسيم الدوائر مقعدًا واحدًا، جاءت في ترتيبات التنسيق بين الأحزاب من نصيب حزب حماة الوطن الذي دفع بمرشحه العمدة هاشم، وتنازل حزب مستقبل وطن عن تقديم مرشح، غير أن شكيب يحاول الحفاظ على مقعده ويدخل منافسة شرسة على الأرض.
مغاغة في المنيا التي تبدو من الدوائر المفتوحة خضعت هي الأخرى لهندسة دقيقة على مقاعدها الأربعة، حيث تقدم قائمة مرشحيها العمدة هيبة عن مستقبل وطن، وحمادة حلبي عن حزب الشعب الجمهوري، وحسين غيتة عن الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، وإيهاب عبد العظيم عن حزب الوفد.
رغم أن هذه الانتخابات في أغلبها تخضع للهندسة ورتبت بشكل دقيقة بين أحزاب الموالاة والمعارضة، فإن بعض الدوائر ما زالت غير محسومة خصوصًا مع شعبية بعض المرشحين المستقلين القادمين من مستقبل وطن، والمنافسة بين بعض المستقلين والمعارضين على مقاعد محدودة.
