تصميم: سيف الدين أحمد، المنصة 2025
انتخابات مجلس الشيوخ

نتائج انتخابات الشيوخ.. هندسة دقيقة على مقاس الموالاة

منشور الاثنين 11 أغسطس 2025

كرّست نتائج انتخابات مجلس الشيوخ خريطةً للقوى السياسية تزيد من ضيقِ هامشِ المنافسةِ بعدما خرجت أحزاب المعارضة خاليةَ الوفاض من المقاعد الفردية مقابل إحكام الموالاة قبضتَها على هذه المقاعد عبر تنسيقٍ مُحكمٍ وهندسةٍ مسبقة لتوزيعها، دفعت خلالها الأحزاب الأربعة الكبار بمائة مرشح على مائة مقعد دون تنافسية بينها لتحصد كافة المقاعد الفردية، وفق النتائج المعلنة، وتنتظر 6 مقاعد أخرى تنافس عليها في الإعادة.

في المقابل، ألقى ضعفُ الإقبال بظلالِه على النتائج ما جعل الكتلة التصويتية الفاعلة مقتصرةً على أنصار أحزاب الموالاة وقدرتها على الحشد وسط مخالفات شهدتها اللجان ورصدتها المنصة، فضلًا عن تقارير المنظمات الحقوقية التي وثّقت عمليات شراء الأصوات. 

خارج القائمة.. فرص معدومة

أثبتت نتائج مجلس الشيوخ الحالية أن أحزاب المعارضة لن تُمَثَّل سوى من خلال القائمة الوطنية الموحدة، إذ خرجت جميعها خاليةَ الوفاض من المقاعد المائة المخصصة للمستقلين والفردي، وهي نسبة الثلث من مقاعد المجلس الـ300، ثلثها للقوائم والثلث الباقي يعيّنه رئيس الجمهورية.

وتجسد فشلُ المعارضة في الحصول على أي مقعد على اختلاف اتجاهاتها وتبايُن مواقفها من السلطة الحاكمة في تجربة عدة أحزاب؛ في مقدمتها النور الذي دفع بثمانية مرشحين على المقاعد الفردي لم ينجح منهم أحد. 

https://public.flourish.studio/visualisation/24616444/

ربما هذا ما دفع رئيس حزب الوعي باسل عادل للتفكير في اللحاق بالقائمة الموحدة المرتقبة في انتخابات مجلس النواب المقبلة رغم عدم دعوة حزبه للانضمام للقائمة الوطنية من أجل مصر في انتخابات مجلس الشيوخ.

ففي الوقت الذي يدافع فيه عادل عن نظام القائمة النسبية الذي يعزز الانتخابات على أساس برامج الأحزاب، فإنه يأمل أن تتضمن قائمة مجلس النواب المقبلة تمثيلًا أوسع للأحزاب، فكما يقول لـ المنصة "ربما تتاح فرصة لأحزاب أخرى، لأن عدد مرشحي القائمة في مجلس النواب أكبر، تقريبًا 284 نائبًا".

عادل الذي يُصنَّف حزبُه ضمن المعارضة لا يرى مجالًا لوجود قوائم تنافسية متعددة في الانتخابات المقبلة، ويربط تأييده للقائمة الموحدة بـ"الضغوط التي تتعرض لها مصر"؛ يفسر "أنا شايف إنه فعلًا فيه أزمة كبيرة حوالين مصر، مش كلام تطبيل، البلد فعلًا حولها أزمة ضخمة، وإنه الاتجاه للأشياء الموحدة التي فيها تضامن ما بين الناس والأحزاب والقوى السياسية، ده تصرف كويس".

"القائمة الموحدة تقلل التناحر والتنافس وشق الصف.. القائمة تحقق قدرًا من تماسك الجبهة الداخلية السياسية"، يضيف رئيس "الوعي" مشيرًا أيضًا إلى ما يصفه بـ"الهدوء في المنافسة الشريفة على المقاعد الفردي دون عنف". 

مغالبة لا مشاركة

تتعدد أسباب استحواذ مرشحي الموالاة على المقاعد الفردي، ما بين الهندسة الدقيقة والترتيب المسبق بينها، إلى جانب اقتصار المشاركة المحدودة على المؤيدين في الأغلب، إضافة للمقدرة المالية، والنظام الانتخابي نفسه، واتساع الدوائر.

https://public.flourish.studio/visualisation/24616972/

تكشف البيانات التي أتاحتها الهيئة الوطنية للانتخابات عن استراتيجية واضحة لأحزاب الموالاة الكبرى، ممثلةً في مستقبل وطن وحماة الوطن والجبهة الوطنية والشعب الجمهوري لإحكام قبضتها على المقاعد الفردية في مجلس الشيوخ وفق هندسة دقيقة للمقاعد وتقسيمها بين الحلفاء، إذ دفعت الأحزاب الأربعة مجتمعةً بمائة مرشح، من بينهم 60 مرشحًا لحزب مستقبل وطن، وقدَّم "حماة الوطن" 25، فيما ترشح باسم الجبهة الوطنية 10، ومن الشعب الجمهوري 5 مرشحين.

تتوزع الألوان الحزبية بدقة تعكس هندسة مسبقة للمشهد

تنافس في هذا المشهد الانتخابي 428 مرشحًا على 100 مقعد فردي، بينهم 183 مرشحًا مستقلًا، والباقي يمثلون 35 حزبًا بين الموالاة والمعارضة. وتعكس النتائج التي حصرتها المنصة في 11 محافظة، حسب البيانات المتاحة قبل الإعلان النهائي الرسمي للهيئة الوطنية للانتخابات، أن توزيع المقاعد جرى حسب الألوان الحزبية للموالاة أكثر من التنافس الحر، ليحافظ مستقبل وطن على نصيب الأسد، ويتوزع الباقي على شركائه الثلاثة.

في الجيزة، حصل مستقبل وطن على خمسة مقاعد وترك ثلاثة لحلفائه؛ الجبهة الوطنية وحماة الوطن والشعب الجمهوري، وفي البحيرة، ذات المقاعد الستة، حصد مستقبل وطن أربعة مقاعد تاركًا مقعدين؛ واحدًا للجبهة الوطنية وآخر لحماة الوطن.

المشهد في الغربية والدقهلية وبني سويف وأسيوط والفيوم بدا متناسقًا على نحو لافت، لتتكرر الصيغة نفسها بأغلبية لمستقبل وطن، مع فتات مقاعد لشركائه في الموالاة، وجرعاتٍ شديدةِ الضآلة من المنافسة اقتضت الإعادة على مقاعد ستةٍ.

ليس وحده التنسيق الكامل بين هذه الأحزاب، إنما يضيف رئيس حزب الوعي عاملًا آخر عزز قدرة الموالاة على الحسم مشيرًا إلى القدرات المالية الضخمة لهذه الأحزاب "قدروا يوصلوا للناس بكل الوسائل، وانتشارهم بأمانات في جميع المحافظات".

لم ترفع أحزاب الموالاة يدها حتى عن الدوائر الست التي تجري عليها الإعادة على المقاعد الفردي؛ يشير عادل إلى محافظة بني سويف التي تشهد منافسة في الإعادة بين مرشح لحزب الوعي وآخر عن الجبهة الوطنية، بينما في الغربية تجري المنافسة بين مرشح حزب مستقبل وطن ومرشح حزب المستقلين الجدد، وفي الأقصر ينافس مرشح مستقبل وطن آخر مستقلًا، وفي الوادي الجديد ينافس مرشح حزب حماة الوطن مرشحًا مستقلًا، وهو ما تكرر في الإسماعيلية وشمال سيناء.

إقبال ضعيف 

وصلت نسبة المشاركة الرسمية في انتخابات مجلس الشيوخ في 2020 نحو 14% من إجمالي عدد الناخبين، وهي النسبة التي من المتوقع أن تنخفض في انتظار الإعلان الرسمي من الهيئة الوطنية للانتخابات.

ويصف عضو الهيئة العليا لحزب الوفد ياسر حسان لـ المنصة نسبة التصويت بـ"المنخفضة جدًا جدًا، فوفقًا للمؤشرات هي أقل من 10%، وهذا دليل على عدم تفاعل الناس مع الانتخابات"، وهو ما يجعل تراجع المشاركة واحدًا من الأسباب الأساسية التي أدت لهذه النتيجة.

وفق حسان، فأغلب الذين توجهوا للجان كانوا من الأحزاب الأربعة "مش هينزل غير مؤيدين للموالاة، والناس اللي حشدتهم الأحزاب، لكن بقية الشعب المصري لم يقل كلمته"، متوقعًا أن تحسم أحزاب الموالاة مقاعد الإعادة لصالحها.

النظام الانتخابي

يُعد النظام الانتخابي الذي يخصص ثلث المقاعد للقائمة المطلقة المغلقة والثلث الآخر للمقاعد الفردي والثلث الأخير يعيّنه الرئيس عاملًا من ضمن العوامل التي أدت لهذه الصورة، وهو ما يحتاج وفق عضو الهيئة العليا لحزب الوفد لـ"إصلاحات تتعلق بالمسار السياسي، ومن ضمن هذه الإصلاحات طريقة الانتخاب"، موضحًا أن الانتخاب بنظام القوائم المغلقة المطلقة "ضيَّع من مصر عشر سنوات وسيضيع خمسة قادمين".

بدأت الانتخابات بنظام القوائم المغلقة المطلقة والفردي في انتخابات مجلس النواب 2015 عقب دستور 2014 الذي لم ينص على نظام انتخابي محدَّد تاركًا المساحة للمشرِّع لاختيار النظام المناسب.

يعود حسان إلى أهداف ثورة 25 يناير "كنا نريد اتخاذ مسار ديمقراطي يسمح بتداول سلمي للسلطة"، وهو ما لن تتيحه القوائم المغلقة المطلقة التي لا تسمح بأي ممارسة سياسية، كما أن المواطنين والأحزاب لم يؤهلوا لهذه الممارسة، رافضًا القبول بهذه الممارسة بحجة تحقيق النسبة الدستورية لتمثيل المرأة بـ25% أو الفئات الأخرى التي نص الدستور على ضرورة تمثيلها تمثيلًا ملائمًا، "عندك مرأة في البرلمان، ربع البرلمان مرأة، لكن هل عندك ممارسة سياسية للمرأة؟ الإجابة لا".

يبقى الثلث المخصص للرئيس في انتظار قرار التعيين

يضع رئيس حزب الوعي اتساعَ الدوائر كذلك ضمن أسباب سيطرة الموالاة، "الدوائر واسعة جدًا، والتنافس يكون على مستوى المحافظة، ومن خلال هذه التجربة لا يصلح المرشحون المحليون للمنافسة، يجب أن يكونوا شخصيات عامة كبيرة جدًا معروفة لكل المحافظة"، لافتًا إلى عدم قدرة المرشحين على الدعاية لأنفسهم في الدائرة الشاسعة "لا يوجد أحدٌ بالقدرات المالية العادية والطبيعية قادر على تغطية مساحة الدعاية الإعلانية الضخمة في محافظة كاملة".

يتوقف باسل عادل أمام صعوبة هذه الدعاية في الوقت الذي كانت فيه الأحزاب الكبيرة "تمارس دعاية فجة بخلاف طبعًا التمويل الرهيب للأحزاب الكبيرة مش ممكن حد يقدر يجاريه"، مشددًا على أن الحد الأقصى للدعاية 500 ألف جنيه "لم يطبَّق في أي حتة".

مع ترقب إعلان النتائج الرسمية، وتضاؤل فرص المعارضة والمستقلين في الحصول على مقاعد جديدة في معركة الدوائر الست، يبقى حسم الثلث المخصص للرئيس في انتظار قرارات التعيين التي قد تتشابه في الأغلب مع طبيعة القرار السابق في 2020 ليحظى بها رؤساء تحرير بعض الصحف وأساتذة جامعات وفنانون ونجوم مجتمع، وسط استمرار تراجع السياسة أو ربما اختفائها تمامًا.