تصميم: المنصة
تبحث روسيا عن موطئ قدم جديد في الشرق الأوسط بعد أن خسرت سوريا

من ليبيا للسودان.. القواعد العسكرية الروسية إلى أين؟

منشور الخميس 26 ديسمبر 2024

ليبيا أو السودان وربما مصر، هذه هي القائمة القصيرة جدًا من الخيارات المتاحة أمام روسيا للحصول على موطئ قدم جديد في الشرق الأوسط يحفظ لها وجودها العسكري في المنطقة، ويتيح لها نقل عتادها وقواتها من سوريا بعد انهيار نظام الأسد، حليفها الأهم بالمنطقة خلال العقد الأخير، ووصول الفصائل المسلحة المدعومة من تركيا لسدة الحكم إلى دمشق مطلع ديسمبر/كانون الأول الحالي.

ورغم انشغال روسيا بحربها مع أوكرانيا، فإن وجودها العسكري في الشرق الأوسط ميزة استراتيجية كبرى تسعى للحفاظ عليها، حتى وإن كان حضورها العسكري في سوريا تقلص بوصول فصائل المعارضة إلى الحكم، وانحصر في قاعدتي طرطوس البحرية، وحميميم الجوية، اللتين لعبتا دورًا مهمًا في مساعدة الأسد على البقاء في السلطة قبل أن يسقط في مستهل الأسبوع الثاني من ديسمبر الحالي.

روسيا تناور لتبقى

يرى مدير مركز جي إس إم للدراسات، الدكتور آصف ملحم، المُقيم في روسيا، أن موسكو ترفض التخلي عن قواعدها في سوريا، ولجأت للتفاوض مع الحكومة المؤقتة في دمشق، مستغلةً علاقتها الجيدة مع تركيا، التي تمتلك تأثيرًا كبيرًا على الفصائل الحاكمة في سوريا حاليًا؛ من أجل الضغط عليها والموافقة على بقاء القواعد الروسية العسكرية على الأراضي السورية.

ويضيف لـ المنصة أنه سبق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن قال إن بلاده تنظر حاليًا في مستقبل وجود قواعدها العسكرية بسوريا، مشيرًا إلى أن غالبية دول المنطقة مهتمة ببقاء القواعد الروسية في سوريا، ومقترحًا استخدام القاعدتين الموجودتين في سوريا لإيصال المساعدات الإنسانية إلى البلاد في الفترة الانتقالية. 

ويتوقع ملحم إجراء تعديلات على الاتفاقيات السابقة الموقعة بين روسيا وسوريا، التي تنص على استمرار القواعد الروسية مدة 49 عامًا مع إمكانية التمديد لـ25 عامًا أخرى، ليجري تقليص تلك المدة ضمن اتفاق جديد بين الحكومة السورية المؤقتة وموسكو، مع وضع احتمالات أخرى تتجه لها البوصلة الروسية حال فشلها في ذلك.

حفتر حليف وثيق

تأتي ليبيا في مقدمة الوجهات المحتملة لنقل العتاد العسكري الروسي، إذ ذكر المدون الروسي الشهير على تليجرام، ريبار، المقرب من الدوائر العسكرية الروسية ويتابع قناته 1.3 مليون، أن ليبيا تأتي في مقدمة الخيارات لتدشين الحضور العسكري الروسي خارج سوريا، لكن انقسام قيادتها السياسية بين بني غازي وطرابلس يعوق حسم الأمر بشكل عاجل.

وتعليقًا على هذا الأمر يقول المتحدث السابق باسم المجلس الرئاسي الليبي، محمد السلاك، لـ المنصة إنه يستبعد حصول روسيا على قاعدة عسكرية في بلاده، واصفًا الأمر بـ"المُبالغ فيه"، ومعتبرًا أن أولوية موسكو حاليًا حسم حربها مع أوكرانيا. 

ويضيف "روسيا وعلى الرغم من صلتها الوثيقة بالجيش الليبي في شرق البلاد بقيادة المشير خليفة حفتر، فإنها لن تُقدِم على تدشين قاعدة عسكرية على الأراضي الليبية، وستستعيض عن خسارة سوريا بتحقيق مكاسب في حربها ضد أوكرانيا".

ويشير السلاك إلى ما يصفه بأنه صفقة أُبرمت بين الغرب وموسكو، ستحصل الأخيرة بمقتضاها على مكاسب في حربها ضد كييف، إلا أنه لم يستبعد في الوقت ذاته أن يكون لروسيا "منطقة رسو" في المواني الليبية شرق البلاد، أي منطقة انتظار للسفن ليس أكثر.

على النقيض، يؤكد الخبير العسكري الليبي، عادل عبد الكافي، في تصريحات لموقع الحرة الأمريكي، أن معدات عسكرية ضخمة ومرتزقة روسًا، وصلوا إلى ليبيا على متن قطع بحرية ورحلات جوية، قادمة من سوريا خلال الأيام الأخيرة، واصفًا بعض القواعد العسكرية الليبية بأنها أصبحت أشبه بقواعد روسية.

ليبيا تُشكل أهمية كبرى لروسيا بسبب سواحلها المواجِهَة لجنوب أوروبا

تتطابق أقوال الخبير العسكري الليبي مع تصريحات نقلتها وكالة الأناضول التركية عن وزير الدفاع الإيطالي جويدو كروسيتو بأن موسكو تنقل معدات عسكرية من سوريا إلى ليبيا، فيما قال رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة في تصريحات نقلتها سكاي نيوز عربية، إن ليبيا لن تقبل بنقل الأسلحة والعتاد الروسي من سوريا إليها، رافضًا أن تتحول بلاده إلى ساحة تتصارع فيها مصالح الدول.

يبدو أن قلق الدبيبة نابع من تصريحات مسؤولين أمريكيين وليبيين، لصحيفة وول ستريت جورنال بأن روسيا تسحب أنظمة دفاع جوي وأسلحة متطورة أخرى من قواعدها في سوريا وتنقلها إلى ليبيا، وأن طائرات شحن روسية نقلت معدات دفاع جوي، بما في ذلك رادارات لأنظمة صاروخية اعتراضية من طراز إس-400 وإس-300، من سوريا إلى قواعد في شرق ليبيا تسيطر عليها قوات خليفة حفتر، وأن موسكو تدرس "تطوير منشآت في ميناء طبرق الليبي لتكون قادرة على استيعاب السفن الحربية الروسية".

وعن السبب وراء اختيار موسكو لليبيا بالتحديد، يقول مدير مركز جي إس إم للدراسات، آصف ملحم، "ليبيا تُشكل أهمية كبرى بالنسبة لروسيا، تغطي جنوب أوروبا، بالتالي يمكن من خلالها تهديد دول حلف الناتو، التي تتخذ صَف كييف في الحرب"، مضيفًا أنه يمكن من خلال ليبيا أيضًا إمداد القوات الروسية العاملة في إفريقيا.

رغم ذلك، فإن توجه روسيا إلى ليبيا يمثل تحديًا تقنيًا كبيرًا من وجهة نظر لوجيستية، حيث لا تستطيع طائرات النقل الثقيلة الروسية، مثل طائرة "إليوشن إيل-76"، الطيران مباشرة من روسيا إلى ليبيا بحمولة كبيرة، في ظل غياب توقف التزود بالوقود، حسب تصريحات الضابط السابق في القوات الجوية الروسية جليب إيريسوف للشرق بلومبرج.

بورتسودان خيار آخر

"الخيار الثاني أمام روسيا لإقامة قواعد عسكرية جديدة في المنطقة، يتجه صوب بورتسودان، حيث تستكشف موسكو إمكانية إنشاء قاعدة عسكرية على البحر الأحمر، وفقًا لقناة ريبار على تليجرام.

وفي 2019، وقعت موسكو والخرطوم اتفاقية لإنشاء مركز للدعم اللوجستي للبحرية الروسية في بورتسودان على سواحل البحر الأحمر، وينص المشروع على إنشاء مركز لوجستي روسي على أراضيها، قادر على استيعاب السفن المزودة بتجهيزات نووية، على ألَّا يزيد عدد السفن الراسية في وقت واحد على 4، وألَّا يتجاوز الحد الأقصى لعدد أفراد المركز عن 300 روسي، إلا أن جمودًا أصاب تلك الاتفاقية مع اندلاع الحرب الأهلية في السودان قبل أكثر من عام ونصف العام.

ويتفق خبير الشؤون الروسية، سمير أيوب، في أن السودان يعتبر خيارًا مطروحًا أمام السلطة في الكرملين، ويأتي بالتوازي جنبًا إلى جنب مع خيار ليبيا، مشددًا على أن موسكو لن تخرج من المنطقة، حتى لو غادرت سوريا.

ويضيف لـ المنصة أن وجود قاعدة روسية في بورتسودان من شأنه أن يؤمن موقعًا استراتيجيًا على البحر الأحمر، حيث سيُتيح لموسكو إمكانية الوصول المباشر إلى طرق التجارة التي تربط أوروبا وآسيا وإفريقيا، إضافة إلى استمرار التوازن في الصراع مع أمريكا.

بدوره، يستبعد المحلل السياسي السوداني، صدقي مطر، في حديثه لـ المنصة إمكانية حصول روسيا على قاعدة عسكرية، على غرار تلك الموجودة في سوريا في الوقت الحالي، إذ يرفض السودان الإقدام على تلك الخطوة، لما لها من تبعات في غضب الولايات المتحدة، بالتالي زيادة الضغوط على الخرطوم، لذلك قررت الأخيرة تجميد اتفاقها السابق مع موسكو بشأن القاعدة في بورتسودان.

الحرب الأهلية بين الجيش وميليشيات الدعم السريع قوضت مشروع روسيا في بورتسودان

يُشدد مطر على أن الحرب الأهلية بين الجيش وميليشيات الدعم السريع في السودان قوّضت مشروع روسيا في بورتسودان، فالاشتباكات الجارية خلقت حالة من عدم الاستقرار، بالإضافة إلى أن موسكو لم تبادر بتقديم الدعم للحكومة السودانية خلال الفترة الماضية، ما يُزيد من صعوبة المضي قدمًا في اتفاق القاعدة العسكرية.

دور مُنتظر للقاهرة

وبعيدًا عن ليبيا والسودان، يذهب آصف ملحم إلى إمكانية أن تلعب القاهرة دورًا مهمًا في مساعدة روسيا ببعض الجوانب اللوجيستية واستقبال السفن، مستبعدًا إقامة أي قواعد عسكرية روسية في مصر تشمل منظومات دفاعية أو صاروخية، كون الأخيرة ترفض ذلك سواء بالنسبة لروسيا أو غيرها من الدول، إلا أنه من المُمكن منح موسكو نقطة إمداد لوجيستي منزوعة السلاح.

وفيما يعول ملحم على المصالح المشتركة بين القاهرة وموسكو، لتحصل الأخيرة على نقطة إمداد في السواحل المصرية تقتصر على التزود بالوقود ورسو بعض السفن، فإن القاهرة لم يسبق لها أن أقدمت على تلك الخطوة، وإن كانت أبرمت مذكرة تفاهم للخدمات اللوجستية العسكرية المتبادلة مع الولايات المتحدة في أبريل/نيسان 2021، واقتصرت تلك المذكرة على تبادل المعلومات، خاصة في التدريبات والأنشطة المشتركة.

ويرى خبير الشؤون الروسية، سمير أيوب، أن هناك فرصة سانحة للوجود العسكري الروسي في مصر، حيث تُمثل الأخيرة بوابة إفريقيا بالنسبة لروسيا، وهي صاحبة دور وثقل إقليمي كبير بالمنطقة، وتعاونت الدولتان بشكل كبير خلال الفترة الماضية في شتى المجالات الاقتصادية والعسكرية، لذلك تبقى القاهرة خيارًا وإن كان أقل مقارنة بليبيا والسودان.

وشهدت العلاقات الثنائية بين مصر وروسيا زخمًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، خاصة مع تنفيذ روسيا عددًا من المشروعات المهمة، على غرار مشروع محطة توليد الكهرباء بالطاقة النووية بمنطقة الضبعة، ومشروع إقامة منطقة للصناعات الروسية في شرق بورسعيد، إضافة إلى تعاون عسكري كبير، وصل للزعم بتورط القاهرة في إنتاج 40 ألف قطعة ذخيرة صاروخية لحساب روسيا في حربها ضد أوكرانيا، حسب وثائق أمريكية جرى تسريبها العام الماضي.

على النقيض، يؤكد أستاذ العلوم السياسية، طارق فهمي، أن الحضور العسكري الروسي في مصر "أمر مستبعد". ويبرر في حديثه لـ المنصة استبعاد الحضور العسكري الروسي في مصر بأن القاهرة ترفض إنشاء قواعد عسكرية على أراضيها منذ عقود.

ورغم أنه لا يوجد أي إعلان رسمي عن وجود وجهة محددة تنقل إليها روسيا عتادها العسكري وجنودها، فإن عثورها على موطئ قدم في الشرق الأوسط لا يزال يمثل لها أهمية استراتيجية كبرى في صراع النفوذ الذي تشتبك فيه مع الولايات المتحدة بشكل غير مباشر، كما أنها بحاجة لإيجاد هذا الموضع سريعًا تحسبًا لأي تطورات مفاجئة تتعلق بتولي الرئيس دونالد ترامب إدارة البيت الأبيض رسميًا في يناير/كانون الثاني المقبل.