تصميم: المنصة

مرضى ألزهايمر.. عناية غائبة ومعاناة دائمة

منشور الثلاثاء 4 مارس 2025

20 سنة من المعاناة عاشتها والدة إلهام الزغبي منذ إصابتها بمرض ألزهايمر عام 1996 وتشخيصها به في 2016. بين هذين التاريخين لم تقتصر المعاناة على ما يسببه المرض من آلام ومتاعب وأعراض، بل أضيف إليها عدم جاهزية القطاع الطبي للتعامل مع حالات ألزهايمر؛ بدءًا من مراحل التشخيص الأوّلي وانتهاءً بالتعامل مع أعراض المراحل المتقدمة منه.

مع بدء ظهور أعراض "العصبية والبارانويا" على الأم التي كانت تعمل مديرة عامة في وزارة التخطيط، "لم نفهم في بداية الأمر ما الذي يحدث، لكن الأطباء النفسيين الذين فحصوها شخصوا إصابتها بالاكتئاب، ولعشرين عامًا ظلت تتعاطى أدوية مضادة للاكتئاب حتى شُخّصت بشكل إكلينيكي دقيق بألزهايمر عام 2016 عندما أجرت أشعة مقطعية كشفت وجود جلطات صغيرة في مراكز الذاكرة بالمخ"، تقول إلهام (52 عامًا) المتخصصة في أمراض الدواجن بوزارة الزراعة.

عند اكتشاف المرض، كانت ثلاث سنوات مرت على إجازة طويلة دون راتب اضطرت إلهام لأخذها من عملها لرعاية والدتها، ولم تعد إليه إلا منذ أشهر قليلة، بعد وفاة الأم في عام 2024.

أين المشكلة؟

نعمة هانم أحمد (79 عامًا)، وقعت هي الأخرى ضحية للتشخيص الخاطئ، إذ شخَّص طبيب مخ وأعصاب في عام 2016 إصابتها بضمور وتليف في بعض خلايا المخ نتيجة تعرضها لجلطات صغيرة، وفق ابنتها زينب عبد القادر (39 عامًا) لـ المنصة.

وفق مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، التابع لوزارة الصحة الأمريكية، فإن ألزهايمر هو اضطراب في الدماغ يدمر ببطء الذاكرة ومهارات التفكير، فلا يستطيع المريض القيام بأبسط المهام. ويحتل هذا المرض حاليًا المرتبة السابعة بين الأسباب الرئيسية للوفاة في الولايات المتحدة، وهو السبب الأكثر شيوعًا للخرف بين كبار السن.

لا تقدم أمانة الصحة النفسية خدماتها لكبار السن إلا في أربع محافظات فقط

وتتوقع منظمة الصحة العالمية ارتفاع أعداد المصابين بالخرف إلى 78 مليونًا بحلول عام 2030، وإلى 139 مليونًا بحلول عام 2050. وأفادت المنظمة الأممية بأن ربع دول العالم فقط لديها سياسة أو استراتيجية أو خطة وطنية لدعم الأشخاص المصابين بالخرف وأسرهم، نصفها في أوروبا.

في مصر، لا يوجد إحصاء رسمي موثق بأعداد المصابين بألزهايمر، لكن الدكتور طارق عكاشة رئيس جمعية ألزهايمر مصر أكد خلال مؤتمر نظمته الجمعية بالتعاون مع كلية الطب في جامعة عين شمس عام 2019 أن عددهم يبلغ نحو 400 ألف مصاب.

وبينما لا توجد إجراءات محددة للتعامل مع حالات ألزهايمر، فإن قانون رعاية حقوق المسنين الذي صدر عام 2024 وينص على حماية المسن ورعايته وكفالة تمتعه بحقوقه الاجتماعية والسياسية وضمنها تقديم خدمات المرافقين له، يسري على المصابين بألزهايمر،  وفق المحامي محمد بركات.

يشير بركات في حديثه لـ المنصة إلى المادة 24 من القانون، التي تلزم الدولة بحماية المسن إذا كان مُصابًا بمرض بدني أو اضطراب نفسي أو عقلي على نحوٍ يؤثر على قدرته على الإدراك.

تتفق الدكتورة نهى صبري، أستاذة الطب النفسي في قصر العيني في أن توفير القانون الجديد الرعاية للمسنين عامة يشمل المصابين بألزهايمر كونه مرضًا مرتبطًا بالشيخوخة.

تؤكد نهى التي ترأس وحدة الأبحاث بالأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان وجود إدارة خاصة بالمسنين تتبع إدارة الصحة النفسية، معنية بالرعاية الصحية والنفسية لكبار السن، وتؤكد لـ المنصة أن من يعملون فيها مدربون على إجراء الكشف المبكر للتعرف على من لديهم اضطراب في الوظائف المعرفية ليحالوا إلى المتخصصين.

لكن على أرض الواقع، فإن الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان لا تقدم الخدمة الطبية النفسية للمسنين إلا من خلال أربع عيادات في مستشفيات العباسية والمعمورة وبنها والدميرة (بالقرب من المنصورة)، ما يعني أن سكان بقية محافظات الجمهورية لن يستفيدوا من هذه الخدمات إلا إذا خاضوا رحلة سفر طويلة.

غير أن الدكتور أحمد حسين، استشاري الأمراض النفسية والعصبية والعضو السابق في مجلس نقابة الأطباء، يرى أن هناك خلطًا لدى الكثيرين بين خدمات الطب النفسي للمسنين، وعلاج ألزهايمر، ويشير لـ المنصة إلى أن عيادات الطب النفسي معنيةٌ بالأمراض النفسية للمسنين، سواء كانوا مصابين بألزهايمر أم لا، كونه مرضًا عصبيًا وإنْ سبب أعراضًا نفسية. 

إهمال واستغلال

لم تنسَ إلهام الفترة الأصعب في حياتها عندما حُجزت والدتها بالعناية المركزة في أحد المستشفيات عام 2016، لتُنقل منها طريحةَ الفراش وقد تأثر مركز البلع بالمخ، إلى قسم رعاية المسنين بالمستشفى ذاته.

ظلت الأم محتجزةً هناك لسبعة أشهر، في ظل رعاية تصفها الابنة بـ"المتدنية جدًا، ومهما دفعت من أموال تجد إهمالًا واستنزافًا واستغلالًا. لم يقلبوا والدتي بشكل منتظم على سريرها ما تسبب في إصابتها بقرحة فراش، كانوا يحممونها على السرير دون نقلها إلى التواليت، ولا تحظى بساعات تريض بل كانت أشبه بالمحبوسة في غرفتها".

بعد عودة الأم مجددًا إلى المنزل، استعانت الابنة بممرضة متخصصة من مستشفى النزهة الدولي "كانت تتقاضى ما يتراوح من 7000 إلى 9000 جنيه شهريًا علاوة على مصاريف أكلها وشربها وإجازة 4 أيام شهريًا، هذا يفوق قدرة الكثيرين"؛ تطالب إلهام بصرف مستلزمات مريض ألزهايمر من أدوية وحفاظات وأغذية خاصة على نفقة التأمين الصحي.

عاشت نيفين عبد الحليم بدورها تجربة مشابهة مع والدتها التي عانت من ألزهايمر طوال 15 عامًا، وتتحدث لـ المنصة أيضًا عن عدم تأهل العاملين في المستشفى الذي كانت تعالج فيه للتعامل مع حالة والدتها التي أصيبت بالمرض عام 2005 وتوفيت في 2021.

"اصطحبتها قبل وفاتها لإجراء أشعة على المخ بأحد المستشفيات الخاصة، وعندما كان جسدها يهتز انفعل عليها فني الأشعة ما دفعني لإبلاغه بطبيعة حالتها، لكن فوجئت بعدم تفهمه"، تضرب نيفين مثلًا لطريقة التعامل مع حالة والدتها.

ويؤكد الدكتور أحمد حسين على وجود قصور فيما يخص طب المسنين في مصر، وليس فقط مرضى ألزهايمر الذين يحتاج التعامل مع حالاتهم إلى دور اجتماعي يوجد "قصور شديد" في القيام به.

يطالب حسين بإقامة عيادة متخصصة بطب المسنين في كل مدينة، وإقامة مستشفى متكامل لطب المسنين في كل محافظة مع توفير دور متخصص متكامل لمرضى خرف الشيخوخة لمتابعتهم الطبية وتوعية الأسر بكيفية التعامل السليم مع المريض.

ويدعو الدولة لتحفيز طلبة الطب وكليات التمريض ماديًا ومعنويًا لدراسة طب المسنين لأن تعدادهم قليل، بالإضافة لضرورة التنسيق والمشاركة بين التضامن الاجتماعي مع وزارة الصحة ومنظمات المجتمع المدني لتقديم الرعاية الاجتماعية للمرضى ممن لا يتوفر لهم مرافق.