تصميم: أحمد بلال- المنصة

قانون المسؤولية الطبية لا يرى النساء

انتهاكات بلا حماية في أماكن تقديم الرعاية الصحية

منشور الخميس 5 يناير 2023

عادة لا يلجأ الطبيب النفسي إلى توقيع الفحص الجسدي على مرضاه، ورغم استغراب سلمى عبد الحميد* من ذلك الطلب، استلقت على أريكة تحتل ركنًا من غرفة الكشف امتثالًا لحجة طبيبها بضرورة الاطمئنان على صحتها الجسدية بشكل كامل، ولم تُدرك غرضه الحقيقي إلا بعد أن لمس ثديها عمدًا دون داع طبي.

سلمى، التي هبت في فزع تدفع الطبيب عنها وانطلقت تغادر العيادة دون فكرة عمّا يجب عليها فعله، ليست الوحيدة التي تتعرض للتحرش الجنسي داخل أماكن تلقي الرعاية الطبية، الذي زادت حدته مؤخرًا مع إعلان كثيرات عبر السوشيال ميديا تعرضهن لمواقف مشابهة أثناء تلقي العلاج.

في سبتمبر/ أيلول الماضي مثلًا، نشرت فتاة استغاثة في فيديو على فيسبوك، بعد تعرضها للتحرش على يد ممرض داخل مستشفى شهير في القاهرة. اللافت في تلك القضية، التي برأت النيابة المتهم فيها، إضافة إلى واقعة التحرش نفسها، هو رفض المستشفى استبدال الممرض بعد شكوى الفتاة من تعرضها لمضايقاته، وغياب أية آلية إدارية تمكنها كمريضة من رفض تلقي الرعاية الطبية من شخص بعينه.

تتزامن تلك الواقعة الأخيرة، وكذلك ما تعرضت إليه سلمى، مع اقتراب البرلمان من الموافقة على مشروع قانون المسؤولية الطبية، بعد أن أحاله رئيسه حنفي الجبالي، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، إلى لجنة الصحة لمناقشته تمهيدًا لإقراره. وهو قانون يستهدف في المقام الأول توصيف الأخطاء الطبية وسُبل التقاضي فيها بما يضمن حقوق المرضى والأطباء.

ورغم أن ذلك القانون تضمن تعريفًا واضحًا للخطأ الطبي بأنه "كل فعل إيجابي أو سلبي يرتكبه مقدم الخدمة ولا يتفق مع القواعد المهنية والأصول الفنية المتعارف عليها والمعايير الدولية للممارسة الصحية الآمنة"، فإنه لم يتوقف في أي من مواده على ما يحمي النساء تحديدًا من التعرض لأي مضايقات أو تمييز .

قانون العقوبات يكفي!

يرى الدكتور محمد بدوي، عضو مجلس نقابة الأطباء، أن الحديث عن التحرش ليس مجاله قانون المسؤولية الطبية، نظرًا لوجود نصوص قانونية أخرى تحمي المرأة وتشدد العقوبة على المنتهك إذا كانت لديه سلطة وظيفية، مثل الطبيب، مؤكدًا للمنصة "لسنا في حاجة لأن يتضمن قانون المسؤولية الطبية مثل تلك النصوص".

لكنَّه يرى في الوقت نفسه أن القانون لم يغفل عن ضمان حقوق المريض وحمايته من أي انتهاكات، قائلًا "تعريف القانون أشار للقواعد المهنية بشكل عام، والتي منها المسؤوليات الأخلاقية"، مؤكدًا أن "حماية الطبيب لجسد المريض" جزء أساسي من تلك القواعد.

بحسب التعديلات الأخيرة التي أدخلت على أحكام قانون العقوبات الخاصة بالتعرض للغير والتحرش الجنسي تعد الأخيرة جناية بدلًا من جنحة، فقد نصت المادة 306 مكرر أ منه، أن تكون "العقوبة السجن مدة لا تقل عن سبع سنوات، والغرامة لا تقل عن ثلاثمائة ألف جنيه ولا تزيد على خمسمائة ألف جنيه، حال إذا كان الجاني (...) له سلطة وظيفية أو أسرية أو دراسية على المجني عليه".

لكن سلمى التي لا تختلف على أهمية إقرار القانون الجديد، لا تتفق في الوقت نفسه مع رأي بدوي، فبعض النساء في رأيها لا يفضلن اللجوء إلى قانون العقوبات لعدة أسباب، منها الخوف والتردد في إمكانية إثبات ما تعرضن له، مشيرة إلى أهمية وجود آلية تمنك النساء من الشكوى إداريًا، للتأكد على الأقل ما إذا كان الإجراء الذي قام به الطبيب أثناء الفحص ضروريًا أو انتهاكًا.

الرأي نفسه تعضده لمياء لطفي، مديرة البرامج في مؤسسة المرأة الجديدة، التي ترى أنه رغم انتشار الوعي بين النساء ووجود سبل جديدة لنشر الشكاوى وتسجيلها مثل السوشيال ميديا، فإن الإشكاليات في منظومة العدالة تعرقل وصول أولئك النساء إلى حقوقهن.

"التمييز القانوني وعبء إثبات الواقعة يكون على السيدات في معظم الأحيان، فضلًا عن الخوف من الوصم الاجتماعي وإجراءات الإبلاغ وعدم الحفاظ في كثير من الأحيان على سرية معلومات الناجيات ولجوء بعض الأطباء إلى التشهير بالمريضة الشاكية، ولذلك كنا نأمل أن يأخذ قانون المسؤولية الطبية كل تلك الأشياء في اعتباره"، حسب قولها.

وتضيف للمنصة أن وجود آليات وطرق يتضمنها القانون لتلقي شكاوى النساء والتحقيق فيها، يخلق فرصة للنقابة لحماية سمعة الأطباء ممن ينتسبون إليها من "مرتكبي الانتهاكات"، مؤكدة أن المؤسسة ستناقش مشروع القانون خلال الفترة القادمة وستتقدم بمجموعة من المقترحات التي تدعم حقوق النساء في تلقي الرعاية الطبية بشكل آمن.

لوائح شرفية

يرى الدكتور علاء غنّام، خبير السياسات الصحية ومسؤول وحدة الحق في الصحة في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أن حقوق المريض أو متلقي الخدمات الصحية مصونة في جميع أنحاء العالم بقوانين أو مواثيق مُلزِمة، محلية أو دولية، ويتم بناء المنظومة الصحية على أساسها، وتُحدِد العقد الاجتماعي بين متلقي الخدمة ومقدمها، ولكن مصر تفتقر إلى ذلك النوع من الوثائق، حيث لا يوجد أي تحديد لحقوق المريض إلا من خلال لوائح شرفية غير مُلزمة أو غير مفعلة، تفتقر آليات التنفيذ.

ويؤكد غنام للمنصة أن المشرّع كان عليه مراعاة النوع الاجتماعي وتضمين الآليات والإجراءات التي على النساء اتخاذها حال تعرضهن لإيذاء داخل أماكن الرعاية الصحية، مشيرًا إلى وجود مدونة سلوك وضعتها المبادرة عن حقوق النساء داخل أماكن الرعاية الصحية، منها أن تكون تلك الأماكن مؤمنة ومريحة، وأن تتواجد مع المريضة ممرضة أثناء الكشف، لضمان أمنها، "لا بد أن يُضمَّن ذلك إما في لوائح منفصلة مُلزمة أو في متن قانون المسؤولية الطبية نفسه، وبعد ذلك تصدر مذكرة شارحة عقب إصدار القانون".

الأمر نفسه أشارت إليه الناشطة النسوية إلهام عيداروس، التي أوضحت للمنصة أن القانون ينقصه توفير آليات للتحقق من شكاوى الانتهاكات الجنسية والعنف الذي تتعرض له النساء داخل أماكن الرعاية الصحية، وأن الاعتماد على قانون العقوبات فيما يخص التحرش الجنسي غير كاف، وبخاصة أن هناك أفعال تحتاج إلى تقييم وفقًا لبروتوكولات طبية وتحتاج إلى رد من أصحاب الاختصاصات.

رعاية آمنة

خلال الفترة الماضية، وفي مبادرة لتوفير بيئة طبية آمنة للنساء، أصدرت مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون تطبيق إلكتروني بعنوان "رعاية آمنة"، يتيح البحث عن عيادات ومراكز طبية آمنة وصديقة للنساء. كما قامت المؤسسة بإنتاج مدونة السلوك المهني لمقدمي الخدمات الصحية بشأن التعامل مع النساء وخاصة الناجيات من العنف.

وترى المحامية انتصار السعيد، مديرة مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، أن تكرار وقائع العنف والانتهاك التي تتعرض لها النساء داخل أماكن الرعاية الصحية سواء العامة أو الخاصة، يضع على عاتق وزارة الصحة ونقابة الأطباء واجب تبني سياسات وآليات وإجراءات خاصة بالنوع الاجتماعي، وألا تكتفي بالكلمات والمصطلحات المطاطة التي تضمنها مسودة القانون.

وهذا ما تأمله سلمى أيضًا، أن يراعي قانون المسؤولية الطبية الانتهاكات التي تواجهها النساء، التي لا تقل عنفًا وامتهانا عما يواجهه الأطباء من اعتداءات كانت الدافع وراء طرح ذلك القانون للنقاش. كما تأمل أن تكون هناك حملات تتبناها وزارة الصحة بالتعاون مع نقابة الأطباء لتوعية النساء بحقوقهن وأشكال الانتهاكات التي من الممكن أن يتعرضن لها أثناء الكشف الطبي، ووسائل الإبلاغ وكيفية المتابعة لمعرفة نتائج التحقيقات بشكل سري وآمن.


* اسم مستعار حفاظًا على خصوصية المصدر.