قبل ثماني سنوات بدأت معاناة فاطمة يوسف حين شُخّصت إصابتها بأورام في الرحم، وهي في عامها الـ34، ورأى الطبيب ضرورة استئصال الرحم، لتفاجئ بموقف زوجها الذي رفض بشدة وهددها بالطلاق، زاعمًا أن استئصال رحمها سيجعلها غير صالحة كأنثى.
لم تستطع فاطمة أن تفهم كيف يخيرّها شريك حياتها بين تحمل الألم والنزيف أو الانفصال؟ وكيف تكون له سلطة على عضو من جسدها، لا سيما أن لديهما طفلين، ولن يُحرم الإنجاب.
ولأنها لم تعد قادرة على تحمل معاناتها خططت للخضوع للعملية دون علم الزوج، "خفت يطلقني ويرمي لي العيال وأنا ماكنتش بشتغل ولا عندي معاش. قلت له إن أمي تعبانة أوي وسافرت لها بلدنا في الشرقية، وعملت العملية في مستشفى خاص. الدكتور فتح لي نفس جرح القيصرية القديم وشال الرحم، وأخويا مضى على إقرار الموافقة".
بعد أسبوعين، تماثلت فاطمة للشفاء، وعادت إلى بيتها كأن شيئًا لم يكن. لتتظاهر على مدار سبع سنوات بأنها تحيض، فكانت تطلب من زوجها شراء فوط صحية لها في الموعد المفترض لدورتها الشهرية، وفي الوقت نفسه تتعاطى هرمونات الإستروجين التعويضية.
المستشفى قالت لازم جوزي يمضي على الإقرار قبل ما أدخل العمليات
لم تكن فاطمة وحدها من واجهت قسوة وتعنت الزوج؛ فقد أثارت قصة امرأة مصرية تدعى مريم امتنع زوجها عن منحها الإذن للقيام بعملية استئصال ورم خبيث بالرحم بسبب خلافات بينهما، تعاطفًا واسعًا، لتتحول لقضية رأي عام بعدما انتشر هاشتاج #جسد_مريم_ملكها على السوشيال ميديا للتضامن معها.
وتحكي مي صالح الباحثة في قضايا النوع الاجتماعي، عن فتاة ولدت بغشاء بكارة دون ثقوب مما أدى لتجمع الحيض وانتفاخ رحمها، وعندما أرادت الطبيبة إحداث ثقوب بالغشاء ليخرج دم الحيض رفض الأب بذريعة الحفاظ على العذرية مما أدى لانفجار رحمها، مشيرة كذلك لمعاناة امرأة أخرى من نزيف وأورام في الرحم، رفض زوجها استئصال الرحم، وانتهى الأمر بطلاقها منه لإجراء الجراحة.
وتعتبر الباحثة أن الوصاية على أجساد النساء في المجال الطبي جزء لا يتجزأ من الوصاية الذكورية والأبوية على النساء في المجتمع، ولا تنفصل عن قضايا الولاية التعليمية والوصاية على الأبناء، وأن هناك انحياز للذكور على حساب النساء من ناحية بعض مقدمي الرعاية الصحية، خاصة في حالات الحوادث والاعتداءات الجسدية، لتخوفهم من الوقوع في مشكلات.
موافقة الزوج الضمنية ليست كافية، كما هو الحال مع منى سمير التي تعرضت قبل تسع سنوات للحمل خارج الرحم، لتفاجئ بنزيف مهبلي وآلام بالحوض. وبالفحص الطبي تبين تعرضها لانفجار الأنبوب الأيسر من قناة فالوب، وهو ما تطلب دخولها على وجه السرعة إلى غرفة العمليات لاستئصال الأنبوب.
"المستشفى قالت لازم جوزي يمضي على الإقرار قبل ما أدخل العمليات"، تقول منى ذات الـ34 عامًا، رغم أن حالتها كانت طارئة، إلا أن المستشفى الخاص اشترط توقيع زوجها على إقرار بالموافقة على إجراء الجراحة، قبل دخولها غرفة العمليات.
أما أمنية العوضي، فلم يكن بمقدورها الحصول على توقيع زوجها على الإقرار؛ كان قرانها معقودًا على عريسها الذي سافر لدواعي العمل، عامًا كاملًا خارج مصر. وفي أثناء سفره عانت أمنية من ورم ليفي على الرحم وتكيسات على المبايض تطلبت تدخلًا جراحيًا، واشترطت المستشفى الحصول على موافقة كتابية من الزوج.
تبلغ أمنية من العمر 28 عامًا ولكنها لا تملك حق التوقيع على إقرار الجراحة "بابا اللي مضى على إقرار الموافقة على العملية"، وهو ما سمحت به إدارة المستشفى بعد مفاوضات، كون الزوج مسافرًا وهي لا تزال عذراء.
الملاحقة القضائية
لا يخضع توقيع الزوج أو الأب على إقرار الموافقة على العمليات الجراحية في الرحم والمبيضين لقانون بعينه بقدر ما يعد عرفًا وإجراءً سائدًا لدى الأطباء والمستشفيات.
أكد مالك حسين أخصائي النساء والتوليد، ضرورة توقيع الزوجين على الإقرار حال إجراء عمليات ربط أنبوب فالوب إذا كان الغرض منها منع الحمل فقط، أما في الحالات الطارئة كانفجار قناة فالوب أو انفجار الرحم يتم عمل تقرير بالحالة وتوقع الحالة نفسها عليه قبل دخولها غرفة العمليات، مشيرًا إلى أنه في الحالات الخطيرة التي تتطلب عمليات جراحية عاجلة في الرحم والمبيضين أو استئصالهما، يمكن حينها التغاضي عن موافقة الزوج، لكن الإجراء يكون ضروري في الحالات غير العاجلة.
لا يمكن القول بأن هذه الإجراءات تعد تصرفات فردية من بعض مقدمي الرعاية، أو أنها تأتي بمعزل عن توجيهات من نقابة الأطباء. يقول الدكتور إيهاب الطاهر الأمين العام لنقابة الأطباء، "إن إجراء الحصول على توقيع الزوج أو الأب أو الأخ أصبح ضروريًا بعد صدور أحكام قضائية سابقة لصالح أزواج ضد الأطباء بعد إجراءهم عمليات جراحية لزوجاتهم، تتعلق بالصحة الإنجابية دون موافقتهم، مما دفع الأطباء للجوء لهذا الإجراء تحسبًا للملاحقة القانونية، رغم عدم وجود قانون ينص على ذلك".
ويضيف الطاهر "في حالات الطوارئ وإنقاذ الحياة الموافقات ليست مهمة، بل تُثبت الحالة في ملف المريض، أما في حالات ربط الأنابيب التي يترتب عليها منع الإنجاب فيجب موافقة الزوجين".
ويؤكد الطاهر أن ذلك يأتي ضمن الموافقة المستنيرة التي تعد شرطًا أساسيًا للإجراءات الطبية التداخلية، ومن بينها العمليات الجراحية. والتي تتضمن توضيح المضاعفات المحتملة للتدخل الجراحي، داعيًا لسن تشريع برلماني لتنظيم هذه المسألة.
مشروع قانون
وينص مشروع قانون المسؤولية الطبية، الذي يناقشه البرلمان المصري، على أن تؤخذ موافقة كتابية من المريض إن كان كامل الأهلية، أو من أحد أقاربه حتى الدرجة الرابعة إن كان ناقص الأهلية، أو تعذر الحصول على موافقته، وذلك لإجراء عملية جراحية أو أية إجراء يستدعي تخدير المريض، وبعد تبصيره. ويعتبر أهلًا للموافقة كل من أتم الثامنة عشر.
كما يجب إبلاغ متلقي الخدمة، أو ذويه، بالخيارات العلاجية المتاحة أو المضاعفات التي قد تنجم عن التشخيص أو العلاج الطبي/الجراحي قبل تطبيقه؛ وذلك فيما عدا الحالات الطارئة التي تستلزم التدخل الفوري لإنقاذ حياة المريض أو الجنين.
موافقة الزوج أو الأب أو الأخ مجرد عرف خاضع للموروثات الاجتماعية
لكن الحالة مع النساء تختلف، إذا كانت العملية الجراحية تتعلق بالجهاز التناسلي للمرأة فلابد أن تأتي الموافقة من الرجل المسؤول عنها. ترى لمياء لطفي، حقوقية مصرية، بأن القانون يفرض موافقة شخص واعٍ بأهمية العملية الجراحية ومخاطرها، لكن الموافقة في عمليات الرحم لابد أن تكون بإمضاء الزوج. وتضيف "يبرر الأطباء ذلك بالتخوف من ردود أفعال الأزواج وذكور العائلة الغاضبة، والأمر يمتد لرفض تركيب وسائل منع الحمل للمتزوجات والمقبلات على الزواج إلا بموافقة، معتبرين أن المرأة لا تعرف مصلحتها".
وتؤكد لمياء أن ذلك جزء من الوصاية الذكورية على أجساد النساء في المجال الطبي بمصر، والتي تتضمن كذلك الإجبار على الختان وتهميش الألم.
مخالف للدستور
تعتبر انتصار السعيد المحامية الحقوقية ورئيسة مجلس أمناء مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، أخذ موافقة الزوج أو الأب أو الأخ، مجرد عرف خاضع للموروثات الاجتماعية. وتقول "غالبًا ما يتم إلزام المريضات اللواتي يحتجن للتدخلات الجراحية المتعلقة بأمراض النساء بها، على الرغم من أن أحد مسؤولي وزارة الصحة أنكر هذا الإجراء بشكل ضمني، خلال لقائي به، وهذا يتناقض مع شكاوى النساء التي كانت تصلني".
تُرجع انتصار ذلك لـ"خوف الأطباء من المشاكل والدعاوى القضائية". وتؤكد أن معاناة النساء من الوصاية الذكورية على أجسادهن تصل لتعرض بعضهن للختان، المجرّم، أثناء الولادة القيصرية دون موافقتهن.
تتعارض الموافقة الكتابية من الزوج على العمليات الجراحية مع القانون وحقوق الإنسان والدستور، الذي ينص على أنه لا تمييز بين المواطنين والمواطنات في الحقوق الصحية، حسب نص المادة 18.
كما يؤكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه للأمومة والطفولة حقٌّ في رعاية ومساعدة خاصَّتين، وكذلك اتفاقية سيداو التي وقعت عليها الحكومة المصرية عام 1980، والتي تقضي بضرورة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، ومنها التمييز في الرعاية الصحية.
نجحت فاطمة بالحيلة في التخلص من ألمها، ولم يكتشف الزوج استئصالها للرحم، إطلاقًا. لكنها لم تتحرر من اضطرارها للتظاهر إلا بعد حصولها على الطلاق وتنازلها عن كافة حقوقها؛ حيث أتاح لها نصيبها من ميراث أبويها ومعاش أبيها أن تؤسس مشروعًا صغيرًا تقتات منه هي وطفليها بعد الطلاق.
وطوال السنوات الماضية عاشت فاطمة تخشى ردة فعله إن اكتشف الأمر، فهي لم تستبعد أن يقوم بمقاضاتها. والآن تتمنى إعادة النظر في اللوائح والقوانين التي تجعل النساء تحت وصاية أزواجهن وذكور عائلاتهن.